محمد قدو افندي أوغلو - خاص ترك برس
لوقت قريب كانت العلاقات التركية السعودية تمر بأزمة مفتعلة قادتها وساندتها بعض الاطراف الخارجية سعيا منها لمنع أية عملية تقارب محتملة بين الدولتين والتي جلبت وتجلب الصداع المستديم لتلك الأطراف بسبب قوة تأثيرهما الإقليمي والدولي في حال وجود علاقات متكافئة مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولتيهما إضافة إلى تأثيرها المباشر بصورة إيجابية في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية وباقي الأمور التي تهم الشعبين والبلدين.
ومن الطبيعي القول إن السياسة الحكيمة للزعيمين الرئيس أردوغان وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كان لهما الأثر البالغ في منع تدهور تلك العلاقات حسب رغبة المناوئين بل استطاعت تلكما القيادتين من أن تبقي على علاقات موزونة مع تطلع لدعم مسيرتها نحو تحقيق علاقات متطورة واستراتيجية تخدم المنطقة جمعاء والبلدين معا.
لم تكن قضية الصحفي جمال خاشقجي إلا إنذارا مبكرا للبلدين للقيام بتطوير علاقاتهما على وجه السرعة فالدولتان كانتا وما زالتا تحتفظان بعمق الثقة بينهما، ومما لا شك فيه أن القيادتين لا تخفيان أيضا تجاوبهما المخلص بينهما في شتى الأمور التي تهم بلديهما مثلما يتيقنان من عدم محاولة إحداهما لاستغلال الظرف العصيب لصالحه والتي ربما تمر بها دولتيهما في حين من الدهر، وهذا يدركه ويلمسه القاصي والداني.
وباختصار شديد يبعث على الأمل والطمأنينة فإن الزعيمين التركي والسعودي يتبادلان الاحترام المرجو والمسند لكون الصفات التي يمتلكانها ترقى بهما إلى مصاف الشخصيات التاريخية المعتبرة.
في قضية الصحفي والكاتب جمال خاشقجي برزت مسألتان مهمتان أعادتا بنا الذاكرة للكثير من الأمور التي حدثت سابقا والتي كان لدور الإعلام الهدام التأثير المباشر لاستفحالها في وقت لم تكن فيه أدوات تلك الأبواق تمتلك هذه المساحة الضخمة والفعالة مثلما تملكه الآن ومع ذلك أبلت في تلك القضايا بلاء مخيفا أنهت معها كل الجهود التي من شأنها احتواؤها بعد صب الكثير من الزيت على النار بقصد استغلال نتائجها لمصلحة ما او ابتزاز أو النيل من هيبة هذه الدولة أو تلك.
والمسألة الأخرى التي برزت في قضية الخاشقجي بشقيها والسلبي أولا فكانت التدخلات غير المسؤولة والسافرة للكثير من الدول غير المعنية وتسليط الضوء غير المبرر بكثافة حول هذه القضية رغم أننا لا ندعي إطلاقا الاستهانة بهذه القضية وتحويلها إلى قضية هامشية صغيرة غير مهمة ولكن الذي نقصده هو عدم الاهتمام بالكوارث الأخرى التي تصيب أمتنا وتصيب الإنسانية والتي هي من صنع عتاة المجرمين وتجار الحروب دون ذكرها بما يستحقها وهي التي تهم الرأي العام العالمي بصورة مباشرة وشاملة ولكل الأطراف الدولية وللمنظمات الدولية والإنسانية والتركيز فقط من جهات ليست لها علاقة بالشأن الداخلي السعودي ولا بالإنسان العربي والمسلم ولا بالعدالة، ولكن النفوس المريضة أرادت اللعب على الوتر الحساس من أن القضية وربما الجريمة حدثت في تركيا وهللت كثيرا وسريعا لالتصاق التهمة بالأتراك دون وعي ودون أدنى مستوى من الشرف وبلغ بهم الإسفاف لدرجة أدنى عندما تحدثوا عن مؤامرة قطرية تركية ضد السعودية لاغتيال مواطن سعودي في الأراضي التركية.
أما المسألة الإيجابية التي حصلت بعد حدوث هذه القضية هي المكالمة الهاتفية والاتصال المباشر لخادم الحرمين الشريفين بالرئيس أردوغان والتي قطعت الطريق أمام الكثير من الذي سعوا منذ اللحظات الأولى للصيد بالماء العكر تارة ضد المملكة والأخرى ضد تركيا إضافة إلى محاولاتهم الغبية للتأثير على علاقة البلدين سلبيا.
إن الاتصال المباشر والسريع والذي أجراه الملك سلمان بالرئيس أردوغان بعيد الحادثة أنهى المسؤولية التاريخية لخادم الحرمين بصورة قطعية لأية علاقة أو تعليمات أصدرها مكتبه حول هذه القضية وبنفس الوقت عكس على نحو جدي ومخلص ما يكنه الملك سلمان للرئيس أردوغان من إخلاص وتسامي وثقة مع التأكيد على صدق الأتراك وصدق أردوغان في علاقاتهما الأخوية.
مهما يكن من أمر فإن العبارات التي وردت بتصريح الناطق الرسمي السعودي والذي أذاع خبر الاتصال بين الزعيمين كانت كافية لقطع الطريق من جديد ضد من حاول من جديد تجيير المحادثة سلبا ضد أحد البلدين.
والأتراك من ناحيتهم وأكرر ما ذكره الكثير من المراقبين والمهتمين بالشأن التركي والعربي كانوا على قدر كبير من المسؤولية في تحقيقاتهم لوحدهم أو من خلال لجنة العمل المشكلة مع السعودية وقطعوا الطريق أمام محاولات البعض من إلصاق التهمة بعدة أطراف أخرى نكاية بهم أو بتركيا أيضا وحسب ما تفرز قريحتهم المريضة، ولهذا فإن تركيا التي ادعت أنها تمتلك أدلة دامغة على مجريات الحادث كان وقعها سيء للغاية لأولئك الذي شغلتهم النجاحات التركية في تلك القضية أو غيرها.
هذه القضية وكما أسلفنا وبعيدا عن تداعياتها التي لا نتمنى أن تكون مؤثرة بشكل أو بآخر على الاستقرار في المنطقة بصورة عامة وللسعودية بصورة خاصة أفرزت الكثير من المواقف المزيفة لبعض الأشخاص الذين يتبوؤون مناصب إعلامية ناطقة باسم دولهم أو لمسؤولي دولهم وكشفت زيف ادعاءاتهم بإخلاصهم للسعودية تارة بغباء تصريحاتهم وتارة بالسماح للمقابل بالكبس على كلماتهم المتطايرة في الهواء ككرة خفيفة في سماء ساحة ملبدة بالغيوم ورد الصاع صاعين لهم وهو ما أثر بصورة سلبية جدا على سمعة المملكة فليست الخيانة تعني فقط الاتصال ودعم العدو بل غباء التصرف وعدم الإخلاص جزء من الخيانة للمسؤول.
ويقينا تدرك السعودية أن الأتراك بتصرفهم وتشبثهم بالقيام بالتحقيق الدقيق والعميق للحادثة هو لمصلحة السعودية أولا من خلال توضيح كافة ملابسات القضية وحصر تلك القضية في نطاق المسألة الجنائية ومنع بعض المهللين بالاستغلال من الحصول على مأربهم، مع التأكيد على عظم ومتانة العلاقات الأخوية بين الدولتين تركيا والسعودية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس