محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
لا بد من الاشارة إلى أن العقوبات الأمريكية ضد إيران لا تتعدى نطاق الحرب النفسية ضدها وكما عبر عنه أحد المهتمين بالشأن الإيراني مما يعني أن تأثيرها على القيادة الإيرانية سيكون هامشيا ينتهي بالاستعانة بتكتيكات تمارسها تلك القيادة في تثبيت مفاصل حكمها من جديد.
وأيضا من البديهي القول إن أمريكا تحاول من خلال العقوبات هذه الحفاظ على توازن نفوذها داخل الساحة العراقية مع الطرف الإيراني في الظرف الحالي على أقل تقدير وربما سستفكر بمنافستها وإزاحتها عن المشهد والمسرح العراقي مستقبلا إن استطاعت.
إذن الانعكاسات الأولية ستكون على الساحة العراقية سواء كانت من ضمن الأهداف الأمريكية أو بلا ترتيبات ضمنية مقصودة مما يؤدي في جميع الأحوال إلى حدوث تخلخل في الوضع العراقي وعلى عدة جبهات تتوسع لتشمل المؤسسات الأمنية والسياسية وغيرها.
في العودة قليلا ولدراسة الوضع العراقي إبان دخول داعش واحتلالها لبعض المدن العراقية نتذكر أن القيادات الإيرانية كانت سباقة إلى ملء الفراغ الذي خلفته عصابات داعش بعد انهيار الكثير من قطعات الجيش في عدة مناطق، فقد أوعزت وعلى الفور لإصدار الفتوى الجهادية من قبل المراجع الشيعية في العراق لتؤمن بصورة مباشرة كافة احتياجات الحشد الشعبي الذي تم تشكيله فور إعلان فتوى الجهاد بل الأكثر من ذلك كانت قد رتبت وجهزت كل متطلبات احتياجات تلك الفصائل في كافة أنحاء العراق ومن ضمنها توفير السلاح في مناطق العراق كافة.
العقوبات المفروضة الآن على إيران ستنعكس بصورة مباشرة على أهم حلفائها في المنطقة والمقصود بهم تلك التيارات الدينية والأحزاب التي تشكلت بمؤازرة إيرانية سواء ما قبل احتلال العراق أو ما تلاه وكذلك التنظيمات المسلحة المرتبطة بتلك الجهات إضافة إلى المليشيات المسلحة التي انشقت عن تلك الأحزاب مع الحشد الشعبي المشكل بعد احتلال داعش لبعض المدن العراقية.
مسبقا تمت إضافة بعض الميليشيات العراقية إلى قائمة المنظمات الإرهابية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والتي ستكون مضافة إلى عقوبات بعض الشخصيات الإيرانية التي كان لها الدور المؤثر في الساحة العراقية طيلة السنوات الماضية.
وبالعودة فإن السلبيات التي تفرزها تلك العقوبات ضد إيران على الساحة العراقية ستكون كبيرة وأهمها هي حدوث فراغ أمني وسياسي في العراق جراء تقليص دور إيران بسبب الاقتصاد المنهك الذي سيحدث تباعا إضافة إلى منع الكثير من الميلشيات العراقية من التحرك ومزاولة نشاطاتها بسبب ارتباطها ودعمها من قبل الجهات الإيرانية الاستخباراتية.
سيفرز الفراغ الأمني والسياسي في العراق هوة قوية وعميقة داخل الساحة العراقية سيؤدي بالتأكيد إلى تحالف وتنسيق كافة المنظمات الإرهابية مع بعضها مع اختلافات توجهاتها وستؤدي بالتأكيد تلك التحالفات إلى الإضرار بالأمن العراقي وكذلك أمن بعض الدول المحيطة بالعراق.
وهذا الفراغ الأمني سيكون كارثيا من جديد بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى عدم ظهورها بعد العقوبات على إيران ولذا فإن لها العديد من الخيارات إزاء منع حدوثها قدر الإمكان وإلا فإنها ستظطر أو تلجأ إلى التخفيف من الضغوطات الاقتصادية ضد إيران إن لزم الأمر في حال حدوث مظاهر إخفاقات وانعكاسات غير متوقعة لتلك العقوبات.
من الأمور التي يجب أن نتذكرها أن لا وجود لقوات أمريكية على أرض العراق قادرة على منع حصول اختراقات أمنية مأساوية و لذا فهي ستستعين ببعض حلفائها لسد الفراغ الأمني المحتمل وربما سيكون لتركيا الدور الأكبر مستقبلا في تلك المهمة وذلك لاعتبارات عديدة:
أولها أنها جزء من حلف شمال الأطلسي الذي تتزعمه أمريكا.
ثانيا وجود علاقات طيبة بينها وبين إيران وهو ما يمهد إلى قبولها بديلا لإيران من قبل معظم الأحزاب الشيعية المدعومة منها.
ثالثا من مصلحة تركيا الحفاظ على أمن وسلامة العراق ووحدة أراضيه لأن أية تعقيدات أمنية ستنعكس بصورة مباشرة على أمنها القومي واستقرارها.
رابعا استبعاد أي تدخل في الأمور الفكرية والعقائدية للعراقيين واقتصارها على الناحية الاقتصادية وسعيها المتواصل للمساهمة في إعادة بناء المنشآت والمعامل وإعادة تأهيلها وتطويرها.
إن العقوبات الأمريكية على إيران ووقف الدعم المالي والاستخباراتي للأحزاب والفصائل العراقية الموالية لها ومراقبة كافة أنشطة تلك الفصائل والأحزاب من قبل الأمريكان سيؤدي بالتالي إلى استقلالها الذاتي واعتمادها على كوادرها وما تجنيه من خلال مراكزها ومقاعدها في دوائر الدولة التنفيذية، وربما ستتطور إلى حصول منافسات تصل لدرجة النزاعات حول هيمنتها على تلك الدوائر والمراكز وبالتالي إلى حدوث صراع بين تلك الفصائل.
ولذا فإن كل المؤشرات ترجح قيام الولايات المتحدة بالاستعانة بالأتراك في ملء الفراغ القادم الوشيك في الساحة العراقية دون غيرها من البلدان لتميزها كدولة داعمة لاستقرارالعراق ولوجود حاجة ماسة لخدماتها في بناء وتطوير المنشآت العراقية والبنية التحتية وإصلاح وتجديد ما دمرته الحروب وأيادي الإرهاب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس