د. جمال نصار - خاص ترك برس
انتشر في الآونة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي فيديو بشع، يُظهر جندي صيني يضرب مسلم من الإيغور وهو عاري الثياب، ضربًا شديدًا وبلا رحمة لأنه وجد في بيته مصحفًا، وكأننا نعيش في عصر محاكم التفتيش التي انتشرت في الأندلس بعد انهيار الإمبراطورية الإسلامية، حيث كان يحارب الإنسان الذي يخالف الديانة الكاثوليكية، ويُسجن ويُعذّب، وقد تصل عقوبته إلى الإعدام!
كل هذا يحدث وغيره كثير، والعالم للأسف في سبات عميق، كأنه لا يسمع ولا يرى، وغابت منظمات حقوق الإنسان، حتى الأمم المتحدة لم تبدي قلقها كما هو معتاد! والمسلمون في غفلة من أمرهم تُنتهك أعراضهم، ومقدساتهم، ويُعذب ويُسجن ويُقتل كل من يعترض على الأنظمة المستبدة التي تحكمنا في العالم العربي والإسلامي، وكأننا نعيش في غابة يأكل فيها القوي الضعيف، وتُنتهك فيها الحرمات، ويُغيّب فيها أصحاب الرأي والكلمة!
والإيغور، لمن لا يعرف، هم قومية من آسيا الوسطى ناطقة باللغة التركية وتعتنق الإسلام يعيش أغلبها في إقليم "سنغيانغ" الذي كان يسمى "تركستان الشرقية" قبل ضمه من قبل الصين.
ويقدر عدد الإيغور حسب إحصاء سنة 2003 بنحو 8.5 ملايين نسمة يعيش 99% منهم داخل إقليم "سنغيانغ"، ويتوزع الباقون بين كازاخستان، ومنغوليا، وتركيا، وأفغانستان، وباكستان، وألمانيا وإندونيسيا، وأستراليا، وتايوان، والسعودية.
وقد اتخذت العلاقة بين الإيغور والصينيين طابع الكر والفر، حيث تمكّن الإيغور من إقامة دولة تركستان الشرقية التي ظلت صامدة على مدى نحو عشرة قرون قبل أن تنهار أمام الغزو الصيني عام 1759 ثم عام 1876 قبل أن تلحق نهائيًا في 1950 بالصين الشيوعية.
وعلى مدى هذه المدة قام الإيغور بعدة ثورات نجحت في بعض الأحيان في إقامة دولة مستقلة على غرار ثورات 1933 و1944 لكنها سرعان ما تنهار أمام الصينيين الذين أخضعوا الإقليم في النهاية لسيطرتهم ودفعوا إليه بعرق "الهان" الذي أوشك أن يصبح أغلبية على حساب الإيغور السكان الأصليين.
مآسي مسلمي الإيغور
بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 كثف النظام الصيني من حملة مطاردته للاستقلاليين الإيغور وتمكن من جلب بعض الناشطين الإيغور خصوصًا من باكستان، وكازاخستان، وقيرغزستان في إطار ما يسمى "الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب".
وعلى الرغم من أن المادة رقم ( 36 ) من دستور جمهورية الصين الشعبية تنص على أن: "كل مواطن صيني له حرية العقيدة والدين، والدولة تَحمي الشعائر الدينية للمُواطنين العاديِّين"، إلا أن الصين لا تزال تمارس الضغوطات على المسلمين؛ تتمثل في هدم المساجد، ومصادرة المصاحف وإلزام المرأة بلباس غير إسلامي، ومنع إطلاق اللحية والنقاب، والصيام، أو التسمية بأسماء إسلامية، ومعاقبة من يرفض متابعة القنوات الدولة، وإخضاع الأطفال للفكر الشيوعي الماركسي بإلغاء مدارسهم الإسلامية الخاصة، وإجبارهم على الالتحاق بالمدارس الحكومية التي تلزمهم بالإفطار في رمضان، وبتناول لحوم الخنزير، وحرق الجثث مخالفة للشريعة الإسلامية التي تأمر بالدفن إكرامًا للميت، ومصادرة بيت كل إيغوري هارب من الظلم، ومنع الحديث مع الأجانب وبالأخص مراسلي الصحافة، وإجبارهم على السير وفق تشريعات تحديد النسل لدى الأسرة الصينية، وإلزام الأئمة بقَسم حكومي لصالح الدولة، والتلاعب بكلمات الأذان والإقامة بإدخال الأناشيد الوطنية فيهما، ومحاربة النظام الأسري الإسلامي ككل، ومصادرة جوازات السفر، وعدم السماح بالحج إلا لكبار السن، وتوحيد الأذان وخطب الجمعة.
إن النقلة الحادثة في الخطاب السياسي العالمي حول "مكافحة الإرهاب" استُـغلت دومًا من قبل الحكومات لتعزيز سيادتها، وإقصاء عدوها الداخلي، والخارجي. وهذه السياسة حوَّلت الإيغوري، كغيره، إلى إنسان مستباح تعمل على جسده آليات هذا الخطاب؛ فهي تتحكم في حركته الداخلية، سفره، لباسه، وطعامه.
أين المسلمون مما يحدث لمسلمي الصين؟!
للأسف لم تتعرض بكين حتى الآن إلى أي انتقادٍ جاد من الحكومات في العالم العربي والإسلامي، ولم تتحرك أي دولة عربية أو إسلامية كما ينبغي لنجدة المسلمين المضطهدين في الصين، برغم التقارير التي تشير إلى احتجاز نحو مليون فرد من الإيغور الناطقين بالتركية في معسكرات "إعادة التثقيف" الصينية، وحسب تقرير لوكالة Blomberg الأميركية، لم تُصدر أي دولة مسلمة بيانًا جديرًا بالذكر عن القضية.
وعلى النقيض لم تُدلِ إندونيسيا أو ماليزيا أو باكستان بأي تصريحاتٍ عامة بخصوص هذه الحملة القمعية، وكذلك المملكة العربية السعودية، ولم تستطع تركيا، إلا أن تستضيف مجموعةً صغيرةً من الإيغور، للتعليم في جامعاتها، وخصوصًا من تم طردهم من الدراسة من الأزهر الشريف في مصر.
فهل يمكن للمنظمات الدولية وحقوق الإنسان أن تتحرك لإنقاذ هذا الشعب المسلم، أم أن المصالح التجارية والاقتصادية مع الصين تتفوق وتعلو على المشاعر الإنسانية تجاه هذه المآسي، وهل يمكن أن تتحرك الشعوب المسلمة لإنقاذ إخوانهم في العقيدة بالضغط على الحكام، أم أن السيطرة الأمنية تمنعهم من التعبير عن اعتراضهم، واستنكارهم لما يحدث لإخوانهم في سجون الصين؟!
يا مسلمون يا أصحاب الضمائر الحية:
إن السلطات الصينية تستخدم كافة أنواع الاضطهاد ضد إخوانكم الإيغور، فشوارع تركستان الشرقية مليئة بالجنود الصينيين يَجوبونها وفي أيديهم السلاح ومعهم الأمر بإطلاق النار، وكل يوم يتمُّ جلب ملْء قطار من الصينيين المشرَّدين بهدف توطينهم في تركستان الشرقية، والهوية التركية الإيغورية المسلمة تُناضل من أجل بقائها في وجه الضغط والظلم والخوف والآلام والمعاناة والمذابح التي تتعرَّض لها في وطنها الأصلي، وفي النهاية لقد فقد حتى الآن 60 مليون تركيٍّ مسلم حياته في تركستان الشرقية على يد الاحتلال الصيني، ذلك العدد الذي يمثل عشرة أضعاف الشهداء في البوسنة والعراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين!
الدور المطلوب تجاه المسلمين الإيغور
هناك العديد من الأدوار والواجبات التي يمكن القيام بها تجاه المسلمين في الصين، على الحكومات والأفراد منها:
أولًا: تستطيع الحكومات بما لديها من إمكانيات ومصالح متبادلة مع الصين؛ إرغامها على وضع حد للتجاوزات القمعية العنصرية بحق إخواننا المسلمين في (تركستان الشرقية) والوصول إلى حل يرضي هذه الفئة المظلومة ويعيد إليها حقها في الحياة الكريمة.
ثانيًا: تستطيع الحكومات تفعيل دور المؤسسات الإسلامية كالأزهر الشريف بمصر للقيام بدورها تجاه هذا الشعب المستضعف.
ثالثًا: التبادل الثقافي مع الشعب التركستاني، واستضافة طلابهم وتعليمهم وتثقيفهم، وإعادتهم إلى بلادهم كوادر متعلمة تنشر العلم وتنهض بالبلاد.
رابعًا: الفهم الصحيح للقضية والإلمام بجذورها التاريخية ومراحل تطورها، مما سيكون له أعظم الأثر في تحديد أنسب الطرق لعلاج هذه القضية، وتبني أنسب الوسائل المساعدة على حلها.
خامسًا: التحرك وبسرعة ولتكن البداية في الناحية الإعلامية وذلك بالتوعية والتثقيف وإلقاء الضوء على هذه القضية لوضعها في بؤرة اهتمام الرأي العام حيث إن ما يحدث في (تركستان الشرقية) من ظلم لا يقل عما يحدث في فلسطين والعراق..
سادسًا: الإعانة المادية لدعم أعمال المقاومة الشعبية في (تركستان) بعمل صندوق لدعم (تركستان) أو عن طريق التبرع لهيئات الإغاثة.
سابعًا: تنظيم فعاليات لدعم الشعب التركستاني، والتعريف بقضيتهم ودعوة المنظمات الحكومية والأهلية لتبني القضية والقيام بدور إيجابي تجاهها.
ثامنًا: المواقف الايجابية تجاه الدولة الصينية بمقاطعة منتجاتها مثلًا، ولنتخيل الضرر الواقع عليها إذا ما قاطعها العرب والمسلمون الذين يمثلون سوقًا رئيسية للمنتجات الصينية.
تاسعًا: العلماء والخطباء والكتاب والإعلاميين؛ لديهم أدوار مهمة في التوعية بالقضية والتذكير بها، وشرح معاناة المسلمين الإيغور في كل الوسائل المتاحة.
عاشرًا: الدعاء لهم بالنصر والتثبيت أمام محاولات التذويب من جانب الصين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس