أتلاي أتلي - إيست آسيا فوروم - ترجمة وتحرير ترك برس
خلال اجتماع مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنيف يوم 25 شباط/ فبراير 2019، استشهد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، بتقارير تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان ضد الأويغور والمجتمعات المسلمة الأخرى في منطقة شينجيانغ الأويغورية المتمتعة بالحكم الذاتي، واعتبرها مثيرة للقلق.
جاءت تصريحات تشاووش أوغلو بعد أيام فقط من إصدار وزارة الخارجية التركية بيانًا يدين سياسة الاستيعاب المنهجي التي تستهدف الأتراك الأويغوريين، ووصفها بأنها عار كبير على البشرية. قطعت الحكومة التركية صمتها حيال هذه القضية بعد عدة أشهر من التغطية الإعلامية الدولية لما تسميه الحكومة الصينية مراكز إعادة التأهيل والتدريب المهني في إقليم شينجيانغ.
لم تكن هذه الانتقادات التي وجهتها أنقرة مفاجأة، حيث إن الغالبية الساحقة من الأتراك يعتبرون أن إخوانهم الأويغور يتعرضون للاضطهاد، وطالبوا حكومتهم بأن تكون أعلى صوتا بشأن محنتهم، مذكرين بما فعلته حكومتهم في الماضي في هذه القضية. ففي أعقاب أعمال العنف التي وقعت في أورومتشي في عام 2009 التي أودت بحياة أكثر من 200 شخص، وصف رئيس الوزراء آنذاك، رجب طيب أردوغان، الأحداث بأنها "نوع من الإبادة الجماعية". وفي عام 2015، وبعد ظهور تقارير عن فرض حظر على صيام رمضان في شينجيانغ، احتجت وزارة الخارجية التركية، واستدعت السفير الصيني للتعبير عن أسفها العميق.
في كلتا الحالتين ردت الصين بشدة وأوضحت موقفها. وسرعان ما خفت ردود الفعل من الجانبين واستأنفت العلاقات مسارها الطبيعي، بيد أنه من المحتمل أن يتكرر هذا الصدام بسبب الأحداث الحالية.
وإذا كان للحكومة التركية الحق في التعبير عن مخاوفها بشأن وضع الأويغور، فإنها تبذل أيضًا جهودًا لمعالجة مخاوف بكين بشأن العنف والانفصالية. وقد أشار صناع السياسة في تركيا مرارًا وتكرارًا إلى احترام السلامة الإقليمية للصين.
أكد تشاووش أوغلو، خلال لقائه نظيره الصيني، أن تركيا تنظر إلى أمن الصين على أنه أمنها، وأنها لن تسمح بأي أنشطة تضر الصين، لا في داخل تركيا ولا في المنطقة الأوسع. وفي كلمته الأخيرة في جنيف، أشار إلى أنه مع "قبولنا بحق الصين في مكافحة الإرهاب، فإننا نؤمن بضرورة التمييز بين الإرهابيين والأبرياء".
يعاني البلدان من الإرهاب، ولكن الحكومة التركية تريد أن تنقل رسالة بأن الحركات الانفصالية في الصين ليست مقبولة بأي حال من الأحوال، كما أنه ليس كل الأويغور انفصاليين وإرهابيين.
هناك أبعاد أخرى للعلاقات بين تركيا والصين، إذ تبدي الحكومة التركية ومجتمع الأعمال التركي أيضًا اهتماما كبيرا بمبادرة الحزام والطريق، وتعلق آمالا كبيرة على هذا المشروع الكبير لدعم جهود تركيا لتحسين بنيتها التحتية وقدراتها التكنولوجية. ولكن سيكون من التبسيط المبالغ والخطأ الصريح أن نستنتج أن تركيا ستتجاهل قضية الأويغور بسبب الفوائد الاقتصادية المتوقعة من التعامل مع الصين.
لدى الجانبين مصلحة في التوصل إلى تفاهم بشأن هذه المسألة؛ حيث إن مبادرة الحزام والطريق تخلق حالة من الترابط المتبادل بينهما، ولا تعني اعتماد تركيا من جانب واحد على الصين. فعلى الرغم من مشاكلها الاقتصادية الحالية، فإن تركيا تمتلك الاقتصاد السابع عشر الأكبر في العالم، وهي عضو في مجموعة العشرين، وربما الأهم من ذلك أنها تقع على مفترق الطرق بين أوروبا وآسيا، وهو ما يجعلها ضرورية لمبادرة الحزام والطريق.
لقد انطلقت مبادرة في تركيا، حيث استحوذ ائتلاف من الشركات الصينية على ميناء الحاويات "كومبورت" بالقرب من إسطنبول، ويقوم الآن بتوسيع المنشآت. تهتم الشركات الصينية أيضًا بثلاث موانئ تركية أخرى تقع على ساحل بحر إيجة والبحر الأسود والبحر المتوسط. وإلى جانب الموانئ اليونانية والإسرائيلية والمصرية، يمكن للمنشآت التركية أن تشكل شبكة لوجستية بحرية في شرق البحر المتوسط ستكون لها أهمية حيوية للقطاعات البرية والبحرية في مبادرة الحزام والطريق.
لدى الصين أيضا مصلحة في تحسين شبكة السكك الحديدية التركية. وقد قعت حكومتا البلدين اتفاقًا لإنشاء خط سكة حديد (كارس -إدرنة) فائق السرعة يربط أقصى شرق تركيا على حدودها مع أرمينيا بنقطة أقصى غربها على الحدود الأوروبية. وسيحول هذا الخط تركيا إلى مركز عبور للركاب والبضائع وسيوفر أيضًا طريقًا عمليًا وموثوقًا وآمنًا للربط بين أوروبا وآسيا في إطار مبادرة الحزام والطريق.
كما تعد تركيا مهمة لرؤية الصين الشاملة للشرق الأوسط حيث تتبع بكين نهج الاقتصاد أولاً. وبوصفها جزءا أساسيا في المنطقة تقدم تركيا فرص شراكة كبيرة للصين. وعلى سبيل المثال، عندما تبدأ عملية إعادة إعمار سوريا في السنوات المقبلة، قد تشارك فيها الشركات الصينية، وستكون الشركات التركية (بما في ذلك المشاريع الصغيرة التي أطلقها اللاجئون السوريون في تركيا) الخيار الطبيعي بالنسبة لها كشركاء ومقاولين وموردين، وذلك بفضل خبرتها ودرايتها الفنية وتقاربها الثقافي وقربها الجغرافي من سوريا.
هل يمكن لهذا التعاون بين تركيا والصين في إطارمبادرة الحزام والطريق أن يحفز الجانبين على حل خلافاتهما بشأن قضية الأويغور؟ هذا يتطلب حوارًا أقوى وأكثر فاعلية بين الحكومتين وإلى أي مدى يمكن تحقيق ذلك.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس