ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
في الوقت الذي تعاني أوروبا اختبارا حقيقيا لتمرير قرار مهم يحدد مصير اتحادها الذي بدأ يشيب قبل أوانه وتحديدا في أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والتحديات التي تواجه الاستفتاء الشعبي عليه، تدخل تركيا الانتخابات المحلية وسط أجواء تنافسية تحكمها قواعد محددة سلفا تعرض من خلالها الأحزاب المتنافسة برامجها لاسترضاء الشعب وصولا لتقديم أفضل خدمة تلقى القبول من الفئات المختلفة والرغبات الأكثر اختلافا، وفي ذلك ظهر جليا حرية كل حزب في الوصول إلى لناخب بغير معوقات، وإن حاول البعض تشويه ذلك، لكني كمتابع جيد للحالة التركية، أشهد أن الكل أخذ فرصته والكلمة الأخيرة للشعب في الصندوق.
منذ نشأت الجمهورية التركية في عشرينات القرن الماضي، اتخذت الجمهورية الوليدة من الديمقراطية منهاجا لها، وبغض النظر عن التجاذبات التي مرت على تلك التجربة، إلا أنه في النهاية كانت الديمقراطية هي السبيل المرغوب في تداول السلطة، لذا فإن الانتخابات البلدية هي محطة جديدة في الديمقراطية التركية، فلا شك أن التجربة الديمقراطية التركية تزداد رسوخا، لاسيما في آخر خمسة عشر عاما، ويزيد من هذا الرسوخ رغبة الشعب في تحكيم الصندوق بين الأحزاب المتنافسة، وهو ما جعل الأخيرة تسعى جاهدة لخطب ود الشعب من خلال برامج طموحة تهدف إلى مزيد من فرص العمل، ومزيد من التقدم الاقتصادي مع ضمانات اجتماعية تحقق أمنا اجتماعيا يثبت الاستقرار في هذا البلد، ولقد كانت الملحمة التي صدرها الشعب التركي لصد محاولة الانقلاب في الخامس عشر من تموز عام 2016 خير شاهد على الرغبة في ترسيخ تلك التجربة الديمقراطية التي تعيشها تركيا، رافضين في نفس الوقت الانقلاب العسكري، لسابق علمهم لما سيسحب البلاد إليه، فتجاربهم السابقة مع الانقلابات العسكرية أكسبتهم حصانة ضده، وجعلتهم يتمسكون أكثر بالحالة الديمقراطية التي يعيشونها.
وفي سياق تمرير هذه التجربة وبحسب تصريحات رئيس اللجنة العليا للانتخابات فإن اللجنة كانت قد استعدت بشكل كبير لتوفير أكبر قدر من الأمان لإخراج الانتخابات المحلية على أفضل وجه، وسد الذريعة أمام أي فرصة للتشكيك في نتائجها بعد الإعلان عنها، وفي ذلك وبحسب رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات فإن كل صندوق كان عليه 7 أشخاص مسئولين، وأظن أنه كان رقما كافيا لو وضعنا في الاعتبار وكلاء المرشحين والمراقبين الحقوقيين والصحفيين، لمنع التأول على تلك الانتخابات التي مرت بسلام، وهو ما يؤكد أن شبهة التزوير أو التغيير في إرادة الشعب شبه منعدمة في هذه الانتخابات.
ومن المؤكد أن هذه الانتخابات مختلفة تماما عن سابقتها، لقوة التنافس فيها، ورغبة الأحزاب في تقديم بديل عن الحزب الحاكم المتصدر منذ ما يزيد عن خمسة عشر عاما، أما على مستوى الشعب، ففد اعتدنا عليه متحضرا واعيا يفهم المعنى الحقيقي للديمقراطية، فالتنافس ينتهي بانتهاء إعلان النتائج، مسلمين في ذلك بما تتخذه اللجنة المشرفة على الانتخابات من إجراءات شفافة ومؤكدين على نزاهتها، تلك النزاهة والشفافية التي عرفتها تركيا خلال الخمسة عشر عاما الأخيرة والتي شهد بها العالم، لكن تأثير هذه الانتخابات واختلافها سيؤثر بشكل كبير على الحالة السياسية في تركيا، والتي ستنعكس بالنتيجة على الوضع السياسي الإقليمي والدولي، وحتى لا أطيل فإن الانتخابات البلدية أو المحلية أصبحت الآن هي طريق الأحزاب للبرلمان ومن ثم إلى الرئاسة، ولقد كانت تجربة حزب العدالة والتنمية ملهمة لكل الأحزاب لما حققه في بداية مشواره مع البلديات وهو ما جعل الناخب يثق في إعطاء صوته لمرشح حزب العدالة والتنمية في البرلمان ثم في الرئاسة، وهو ما جعل باقي الأحزاب تنتهج نهجه، وعلى المستوى الإقليمي فإن تجربة العدالة والتنمية، كشفت حكومات الفساد في المنطقة ودفعت الشعوب إلى المطالبة بمحاسبتهم، أما على المستوى الدولي فإن نجاح حزب العدالة والتنمية يعني استمرار منافس قوي للغرب الذي اعتاد على التعامل مع حكومات منبطحة تأتمر بأوامره وتخطب وده، وتغيرت المعادلة الآن إلى حد كبير بعد أن جعل حزب العدالة والتنمية كرامة الشعب في مقدمة مبادئه ... لذا فإن الشعب التركي اختار في هذه الانتخابات مبادئه مجسدة في العدالة والتنمية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس