د. علي الصلابي - خاص ترك برس
أراد حسن بن خير الدِّين أن يغتنم فرصة انتصار «مستغانم» لتطهير المركز الإِسباني في «وهران» وأخذ يستعدُّ في مدينة الجزائر لجمع قوى جديدةٍ منظَّمةٍ منقادةٍ إِلى جانب الجيش العثمانيِّ، فجنَّد عشرة آلاف رجلٍ من زواوة، كما أنشأ قوَّة أخرى، ووضع على رأسها أحد أعوان والده القدامى، وفي الوقت نفسه حاول الحصول على تأييد القوَّة المحليَّة، فتزوَّج من ابنة سلطان كوكو بن القاضي، وكان هذا الزَّواج يخدمه من ناحيةٍ أخرى في الاستعانة بقوَّة ابن القاضي لمواجهة زعيم قبلي آخر (عبد العزيز بن عبَّاس) الَّذي أعلن استقلاله في المغرب، بذلك صار أسطول الدَّولة العثمانيَّة يتردَّد دائماً على مدينتي: حجر باديس، وطنجة.
استمر حسن خير الدِّين في استعداداته لمهاجمة المغرب، فشرع في تكوين قوَّةٍ من رجال القبائل كان ينوي أن يوكل إِليها حراسة الجزائر أثناء غيابه لعدم ثقته بالإِنكشاريَّة، الَّذين أحسُّوا بالخطر، فقاموا في صيف 696هـ/1561م باعتقال حسن باشا، وأعوانه، وأرسلوه مقيَّداً إِلى إستانبول، ورافق حسن باشا عددٌ من زعماء الجند مهمَّتهم أن يوضِّحوا للسُّلطان الأسباب الَّتي دفعتهم إِلى هذا التَّصرُّف متَّهمين حسن باشا: أنَّه كان ينوي القضاء على الأوجاق، والاعتماد على جيش محلِّي بغرض الاستقلال عن السُّلطان، لكن السُّلطان أرسل أحمد باشا مع قوَّةٍ بحريَّة لمعاقبة المتمرِّدين، والقضاء على الفوضى، ونجح أحمد باشا في اعتقال زعماء التمرُّد، وأرسلهم إِلى إستانبول.
عودة حسن بن خير الدِّين إِلى الجزائر:
أعاد السُّلطان العثمانيُّ سليمان القانوني حسن بن خير الدِّين إِلى بيلربكية الجزائر للمرَّة الثَّالثة في أواخر سنة 970هـ/1562م معزَّزاً بعشر سفنٍ حربيَّة، ومزوَّداً بقوَّة عسكريَّةٍ مسلَّحةٍ قضى بعدها حسن بن خير الدِّين خمسة أشهر بعد عودته يهيِّئ العدَّة، والعتاد لمهاجمة وهران، والمرسى الكبير، وهما كلُّ ما بقي لإِسبانيا ببلاد الجزائر.
خرج حسن بن خير الدِّين في سنة 971هـ/1563م من مدينة الجزائر نحو الغرب، يقود جيشاً كبيراً مؤلَّفاً من خمسة عشر ألف رجلٍ من رماة البندقيَّة، وألف فارس من الصَّباحية تحت أمرة أحمد مقرن الزَّواوي، واثني عشر ألف رجلٍ من زواوة وبني عباس، أمَّا مؤن، وذخيرة الجيش؛ فقد حملها الأسطول العثمانيُّ إِلى مدينة مستغانم الَّتي اتَّخذها قاعدةً للعمليات. وفي 13 أبريل وصل حسن بن خير الدِّين بكامل قوَّته أمام مدينة وهران، وضرب حصاراً حولها، وكان الإِسبان مستعدين لتلقِّي الصَّدمة وراء حصونهم، وقلاعهم، بعد أن توالت النَّجدات الإِسبانيَّة، والبرتغاليَّة على وهران استجابةً لنداء حاكمها، ومنذ أن صارت القوَّات العثمانيَّة على مسافة مرحلتين، وبينما كان البيلربك نفسه على بعد ست مراحل ممَّا اضطر حسن بن خير الدِّين إِلى رفع الحصار قبل وصول المزيد من هذه النَّجدات الَّتي اتَّخذت من مالطة مركزاً لتجمُّعها.
وهكذا لم يستطع حسن بن خير الدِّين من تحقيق هدفه ذلك؛ لأنَّ فيليب الثَّاني كان قد وضع برنامجاً طموحاً للأسطول الإِسباني، والبناء البحري في ترسانات إِيطاليا، وقطالونيا، كما وردت لخزانة إِسبانيا إِعانةٌ من البابوية، واجتمعت سلطة قشتالة التَّشريعية في جلسةٍ غير عاديَّةٍ، وأقرَّت وجوب إِمداد إِسبانيا بمعوناتٍ ماليَّةٍ، لتساندها في حربها مع العثمانيِّين، ممَّا كانت ثمرة تلك المجهودات إِعادة التَّنظيم لهيكل إِسبانيا، وهزيمة العثمانيِّين في وهران سنة 971هـ/1563م.
بدأ فيليب الثَّاني يستعدُّ لاحتلال جزيرة باديس وتشجَّع بذلك النَّصر الَّذي حقَّقه في وهران، ووجَّه لذلك أسطولاً في نفس السَّنة 971هـ/1563م، فقاومه المجاهدون مقاومةً عنيفةً، اضطرت الأسطول إِلى التَّراجع.
والجدير بالذِّكر: أنَّ جزيرة باديس كانت أقرب نقطة مغربيَّةٍ إِلى جبل طارق، وأنَّها كانت بالنِّسبة للمجاهدين ميناءً مهمّاً؛ إِذ يمكنهم من خلالها العبور للأندلس، كما يمكنهم التَّسلُّل لداخل الأراضي الإِسبانية لتقديم المساعدة للمسلمين هناك، والَّذين أطلقوا على أنفسهم الغرباء، وهذا ما دفع الإِسبانيِّين للهجوم عليها من خلال محاولتهم السَّابقة كما كانت جزيرة باديس بالإِضافة إِلى ذلك مثار رعبٍ، وخوفٍ لدى السُّلطان السَّعدي الغالب بالله ؛ إذ خاف السُّلطان أن يخرج الأسطول العثماني من تلك الجزيرة إِلى المغرب، فاتَّفق مع الإِسبان أن يخلِّي لهم الإدالة من حجرة باديس، ويبيع لهم البلاد، ويخليها من المسلمين، وينقطع أسطول العثمانيِّين في تلك النَّاحية، مقابل الدِّفاع عن شواطئ المغرب؛ إِذا هاجمها الأسطول العثمانيُّ الَّذي علم بتلك المؤامرة، فانسحب، ورجع إِلى الجزائر كما عزل بو يحيى رايس من منصبه في باديس في أواخر عام 971هـ/1563م، وانصرف العثمانيُّون عن الحرب في غرب البحر المتوسط؛ إِذ توجَّه نشاط الأسطول الحربيِّ إِلى جزيرة مالطة في الشَّرق.
كان السُّلطان العثمانيُّ سليمان القانوني قد عزم على فتح جزيرة مالطة الَّتي كانت أكبر معقل للمسيحيِّين في وسط البحر المتوسط، والَّتي سبق أن استقرَّ فيها فرسان القدِّيس يوحنَّا، فأرسل السُّلطان العثمانيُّ أسطوله بقيادة بيالي باشا نفسه، كما طلب من درغوث رايس حاكم طرابلس وجربة، وحسن بن خير الدِّين أن يتوجَّها على رأس أسطوليهما الإِسلاميِّين للمشاركة في عمليَّة مالطة، وإِخضاعها استعداداً لمنازلة بقيَّة المعاقل الإِسلاميَّة بعد ذلك، فسار حسن بن خير الدِّين على رأس عمارةٍ تشمل 25 سفينةٍ، وثلاثة آلاف رجلٍ.
ووصل الأسطول الإِسلاميُّ أمام مالطة يوم 18 مايو، وفرض الحصار عليها، واستمرَّ الحصار ضيِّقاً شديداً إِلى أن جهزَّت المسيحيَّة رجالها، وأساطيلها، ووصل المدد تحت قيادة نائب الملك في صقليَّة، برفقة أسطولٍ تعداده 28 سفينةً حربيَّةً تحمل عدداً كبيراً من المقاتلين، ونشبت المعركة بين الطَّرفين، وتمكَّن الأسطول الإِسلاميُّ من الانسحاب في 18 ربيع الأوَّل 973هـ/ 8 ديسمبر 1565م.
حسن بن خير الدِّين بربروسة القائد العام للأسطول العثمانيِّ:
خلف السُّلطان سليمان القانوني السُّلطان سليم الثاني، الَّذي أسند منصب القائد العام للأسطول العثماني إِلى حسن بن خير الدِّين ؛ فترك الجزائر متوجِّهاً إِلى إستانبول سنة 975هـ/1567م، وتولَّى منصب بيلر باي الجزائر بعد حسن بن خير الدِّين محمَّد بن صالح رايس، في ذي الحجَّة 974هـ/ يونيو 1567م، وصادف في تلك السَّنة انتشار الأوبئة، والمجاعة، صحبها تمرُّد الجند العثماني، وإِضراب الشَّعب، فاضطرَّ إِلى صرف وقته في مواساة المصابين، وتسكين الفتن، ثمَّ فاجأت محمَّد بن صالح رايس ثورة عامل قسنطينة المتأثِّرة بولاة تونس الحفصيِّين، فعزله البيلر باي، وقضى على ثورته، وولَّى على قسنطينة القائد رمضان بن تشولاق.
وفي ربيع الأوَّل سنة 975هـ/سبتمبر 1567م، هاجم الإِسبان مدينة الجزائر، إِلا أنَّهم ردُّوا على أعقابهم، ثمَّ لم تطل ولاية محمَّد بن صالح رايس ؛ إِذ تعيَّن نقله إِلى ولايةٍ أخرى في أنحاء الدَّولة.
مراجع:
- علي محمّد الصلابي. الدولة العثمانية، عوامل النهوض وأسباب السقوط، الطبعة الأولى 2003م، ص. ص 201 -204.
- إبراهيم شحاتة، أطوار العلاقات المغربيّة العثمانيّة، منشأة المعارف، الإِسكندريَّة، الطَّبعة الأولى، 1980م، ص. ص 190 -191 -213.
- أحمد توفيق مدني، حرب الثلاثمئة سنة بين الجزائر وإسبانيا، الطَّبعة الثَّانية، 1984م، ص. ص 377 – 379 – 383 -385.
- إِسماعيل سرهنك، حقائق الأخبار عن دول البحار، المطبعة الأميرية، ببولاق، مصر، الطَّبعة الأولى، 1312هـ، 1/319.
- عبد الرَّحمن الجيلالي، تاريخ الجزائر العام، دار الثَّقافة بيروت، الطَّبعة الرَّابعة ،1980م، 3/ 93 – 94 -95.
- عبد الكريم كريم، المغرب في عهد الدَّولة السَّعديَّة، شركة الطَّبع والنَّشر، الدَّار البيضاء، المغرب، 1977م، ص 36.
- محمد خير فارس، تاريخ الجزائر الحديث، دار الشُّروق، الطَّبعة الثَّانية، 1979م، ص. ص45 -46.
- نبيل عبد الحي رضوان، جهود العثمانيِّين لإِنقاذ الأندلس في مطلع العصر الحديث، مكتبة الطَّالب الجامعي، الطَّبعة الأولى 1408ه، 1988م، ص389.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس