د. علي حسين باكير - تلفزيون سوريا
لا تزال الحملة العسكرية التي يشنّها نظام الأسد بدعم إيراني وروسي ضد إدلب مستمرة منذ أسابيع. ويتساءل كثيرون عن السبب الذي دفع موسكو إلى دعم عملية واسعة على وشك أن تؤدي إلى الانهيار الشامل للاتفاقات التي تمت مع تركيا بعد مقتل ١٣ جندياً تركياً وتهجير حوالي مليون سوري وإعادة احتلال النظام لمناطق محرّرة منذ العام ٢٠١٢.
البعض يربط هذه التطورات في الساحة السورية بخلاف تركي-روسي في ليبيا، فيما يشير البعض الآخر الى الذرائع الروسية المتعلقة بعدم تنفيذ تركيا التزاماتها وفق اتفاق سوتشي ومن بينها فتح الطرق السريعة وفصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة. وفي حين أنّ لا معطيات تربط الادّعاء الأوّل بالتطوّرات المتسارعة في إدلب، فإنّ الادّعاء الثاني ليس جديداً ولا يجيب على سؤال لماذا الآن؟
لطالما عبّرت روسيا مراراً وتكراراً عن رغبتها في أن يسيطر نظام الأسد على باقي الأراضي السورية، وهي دعمت سياسة القضم والهضم التي كان –ولايزال- النظام يتّبعها باستخدام نفس الحجج. المتغيّر الجديد باعتقادي يتمثّل في مجموعة من العوامل لعلّ أهمّها: إيقاف واشنطن لعملية التطبيع التي كانت العديد من الدول العربية تسعى إليها مع نظام الأسد وذلك بموازاة إصدار قانون قيصر في نهاية ديسمبر من العام ٢٠١٩. أمّا العنصر الثاني فهو فشل روسيا في إقناع تركيا بالتطبيع مع نظام الأسد في اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الاستخبارات في تركيا هاكان فيدان مع رئيس الأمن الوطني التابع لنظام الأسد علي مملوك في موسكو في شهر يناير الماضي.
هذه المعطيات مترافقة مع عدم قدرة موسكو على إقناع الأوروبيين بإحراز تقدّم في موضوع إعادة إعمار سوريا، وعدم رغبة موسكو في تحقيق تقدّم في العملية السياسية أو كتابة الدستور، يعني أنّ الساحة السياسية باتت مقفلة أمامها وأنّ إعادة خلط الأمور تتطلّب تحرّكاً عسكرياً على الأرض لتغيير هذه المعطيات، ولذلك كانت إدلب ساحة المعركة الرئيسية للتحرّكات الروسية مؤخراً.
وتعتقد روسيا على الأرجح أنّ سيطرة النظام على المزيد من المناطق في إدلب من شأنه أن يفرّغ في نهاية المطاف جهود الولايات المتّحدة لمقاطعة الأسد من مضمونها، ويجبر المجتمع الدولي على التعامل مع الأسد كأمر واقع. فضلاً عن ذلك، فمن المفترض -وفق الحسابات الروسية- أن يعطي التقدّم على الأرض النظام اليد العليا في فرض شروطه على المعارضة والاستمرار في رفض تحقيق تقدّم في المسار السياسي.
تعتقد روسيا على الأرجح أنّ سيطرة النظام على المزيد من المناطق في إدلب من شأنه أن يفرّغ في نهاية المطاف جهود الولايات المتّحدة لمقاطعة الأسد من مضمونها
أخيراً، فانّ تهجير المدنيين باتجاه الحدود التركية وتقليص مساحة سيطرة المعارضة المسلّحة في إدلب إلى أقصى حد ممكن سيعرّض المناطق الآمنة التي أنشأتها تركيا في سوريا لخطر السقوط مستقبلاً، وسيضع ضغوطاً هائلة على أنقرة بحيث تصبح في موقف أضعف وأكثر قابلية للتجاوب إذا ما تمّ الضغط عليها مجدداً للتطبيع مع نظام الأسد.
هذا التصوّر الروسي لا يخلو من مغامرة وحسابات خاطئة. فالضغط على تركيا يفتح أبواباً للتقارب مع الولايات المتّحدة الأمريكية، كما أنّه يستفز أنقرة ولا يترك لها أي خيّار ما قد يضطّرها إلى أن ترمي بثقلها على اعتبار أنّها لم تعد قادرة على استيعاب لاجئين، وأنّ ما يجري سيضعها في موقع الدفاع عن نفسها وليس عن السوريين سيما مع سقوط جنود لها.
تمسّك الطرفين بمطالبهما وعدم التوصّل إالى اتفاق –حتى كتابة هذا المقال- يعني أنّه سيكون هناك على الأرجح مواجهة عسكرية بين تركيا ونظام الأسد. أنقرة تسيطر على الأرض وقادرة على إنزال الهزيمة بنظام الأسد، مثل هذا الأمر ليس في صالح موسكو وهو ما يفترض أنّها ستسعى إلى اتفاق مع تركيا لتجنيب النظام مثل هذا السيناريو، أو قد تتجاهل روسيا ذلك وتقرر الدفاع عن نظام الأسد من خلال مقاتلاتها في الجو.
إذا ما حصل وتدخّل سلاح الجو الروسي فستصبح احتمالات الصدام بين تركيا وروسيا عالية، فقد تقصف مواقف أو آليات تركيّة على الأرض، أو ربما قد تعترض صواريخ مضادة للطائرات مقاتلات روسية فتُسقط إحداها. وبالرغم من أنّ الحرب الكلامية مشتعلة بين الجانبين في هذا التوقيت، إلا أنّ المسؤولين الرسميين في أنقرة وموسكو حريصون على إبقاء شعرة معاوية قائمة بينهما لتجنّب التكاليف الأصعب بانتظار حسم خياراتهما بعد انتهاء الاجتماعات المقررة بينهما مع اقتراب انتهاء المهلة الزمنية المحددّة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس