صلاح الدين العواودة - خاص ترك برس
ليست المرة الأولى التي تنشر فيها تقارير إسرائيلية وأنباء عن الدور التركي في القدس، بل وفي عموم فلسطين، ولكن هذه المرة تميز التقرير بخبثه إذا لم يبدي الانزعاج فقط بل حاول اللعب بصورة قذرة بالأقلية المسيحية في القدس من أصول أرمنية، رغم أن الإحتلال وعمليات التهويد والتهجير لا تستثني أي فلسطيني مسلمًا كان أم نصرانيًا يونانيًا كان أصله أو أرمني، فتركيا تسعى من ناحيتها لحماية أملاك المقدسيين من التسرب للمستوطنين، والاحتلال من ناحيته يعزف على أسطوانة (محرقة )الأرمن المشروخة، حيث كتب باروخ يديد على موقع القناة 20 العبرية في 13 شباط/ فبراير مقالًا زعم فيه أن موظفين أتراك عرضوا على الأرمن في القدس إنكار (المحرقة الأرمنية) والتنازل عن التعويضات المستقبلية، وادعى أن الأتراك اشتروا أملاك في حارة الأرمن كوسيلة للضغط على السكان، وقال في نفس الوقت أن تركيا تموّل ترميم وثائق ملكية لأملاك في البلدة القديمة في القدس.
يقول الكاتب أن سكان وتجار من الحي الأرمني في البلدة القديمة تحدثوا عن نشاطات كثيرة للأتراك داخل البلدة القديمة وجهود يقوم بها موظفون أتراك في السنوات الأخيرة لإقناعهم بإنكار (محرقة الأرمن) على أيدي الأتراك في الحرب العالمية الأولى، ولإخفاء أدلة وشهادات للمحرقة المزعومة، بل والتنازل عن مطالب التعويضات المستقبلية، هذه الشهادات نقلتها وكالة الانباء الإسرائيلية TPS على لسان بعض الأرمن وتؤكدها شهادات كثيرة كما يزعم الكاتب.
فوفقًا لإحدى الشهادات المزعومة، يقول الكاتب: زارت دبلوماسية تركية حارة الأرمن وعرضت على عائلة قحبديجان التي تملك متحفًا صغيرًا يحوي مجموعة نادرة من آلاف الصور والوثائق التي توثق (المحرقة)، وعرضت عليهم التوقف عن نشر هذه المواد والدعاية، في حين أن العائلة تكرس حياتها لتخليد المذبحة وقد نشرت عددًا من الأفلام القصيرة وقد تم توثيقها عبر قناة ناشيونال جيوغرافيك.
إيليا قحبديجان حفيذ أحد الناجين من (محرقة) الأرمن قال لـ"تي بي أس" إن الدبلوماسية التركية تحدثت معه 40 دقيقة فهم منها كما يقول إنها كانت تحاول ثنيه عن توثيق (المحرقة)، رغم ذلك نفى إيليا أن تكون الدبلوماسية قد هددته وقال إنه طردها وأوصل لها رسالة بأن الجالية الأرمنية ماضية للنهاية في موضوع (المحرقة)، وقال: ننتظر 100 سنة أخرى لكننا لن نتنازل عن مطلب التعويضات، حتى نحصل على اتفاق تعويضات كذلك الذي حصل بين إسرائيل وألمانيا".
وزعم الكاتب أن الأتراك عرضوا أموالًا على الأرمن أصحاب العقارات في الحي الأرمني، وأن ذلك حصل عدة مرات، حيث عرضوا منحًا بقيمة 3000 دولار لأغراض مختلفة، ولكن السكان رفضوها باعتبارها رشوة مقابل السكوت عن المذبحة كما يزعم.
كما زعمت "تي بي أس" أن هناك محاولات لامتلاك العقارات الأرمنية مثل محاولة شراء أحداها بمبلغ عرضه أحد المسلمين يعادل 3 أضعاف الثمن الحقيقي للعقار، وبعد التقصي تبين أن الأتراك هم من يمولون الشراء.
ويزعم التقرير أنه بأعقاب ذلك التقى كبار الجالية الأرمنية واتخذوا إجراءات تهدف لمنع تسرب العقارات للأتراك، كما قال الكاتب فالخوف يسيطر على الأرمن من استيلاء الأتراك على عقاراتهم.
أحد التجار الأرمن الذي رفض الكشف عن اسمه، قال بأن الأتراك سلموا الوقف الأردني وثائق قديمة أجزاء منها مهترئة ومنها كواشين طابو وحجج ملكية تتعلق بالحي الأرمني النصراني، وقد كشف التاجر صورًا لوثائق منها لوكالة الأنباء الإسرائيلية وقال إن الأتراك طلبوا من الوقف التحقق منها كي تستخدم لشراء العقارات ويتكفل الأتراك بالتكاليف دون أن يبين ما هو هدف الأتراك من هذا العمل في حين أن التاجر يقول إن بعض أصحاب العقارات علموا أنهم سيحصلون على وثائق قريبًا ومجانًا مما يشير بوضوح إلى أن الهدف التركي هو مساعدة المقدسيين على حماية أملاكهم من التهويد والاستيطان وليس كما تزعم وكالة الانباء الإسرائيلية، وهي تقوم بذلك مع المسلمين والنصارى على حد سواء وهو ما يزعج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية جدًا.
مع ذلك تزعم وكالة الأنباء الإسرائيلية أن المقدسيين الأرمن قلقون من سعي الأتراك لشراء عقاراتهم واستخدامها لابتزازهم كي يتنازلوا عن ادعاء المحرقة، ولتبرير مزاعم الوكالة قالت إنه رغم ذلك عبر الأرمن عن ثقتهم الكبيرة بأن الأتراك لن يواجهوهم مباشرة بسبب حساسية الموضوع والمكان، وذلك كتخريج للرواية المزعومة في ظل عدم وجود جهة أرمنية تثبت مزاعم القناة، وفي إشارة إلى السبب الحقيقي وراء مزاعم وكالة الأنباء الإسرائيلية ذكر الكاتب أن النشاط التركي يتزايد في القدس عمومًا، مثل الدعم للإخوان المسلمين كما يزعم، والمواقف التي وصفها بالمتطرفة لتركيا التي تقلق إسرائيل كما يقول، ويضيف أنه في تقدير الاستخبارات السنوي الأخير صنفت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تركيا كعدو.
وقال أيضًا إن أطرافًا إسرائيلية طرحت عدة مرات الاعتراف بما أسمته (محرقة الأرمن) كرد على الأنشطة التركية ضد إسرائيل، والتي تشمل كما يقول استضافة قيادة (الإرهاب) التابعة لحماس على حد قوله، وأضاف أن إسرائيل امتنعت تاريخيا عن الاعتراف بـ(محرقة الأرمن) خوفًا على علاقتها مع تركيا، وهو ما يشير إلى أن الضمير الإسرائيلي قد استيقظ فجأة بعد تراجع العلاقة مع تركيا، وهو ما يبرر مثل هذه الفبركات من جهة وكالة أنباء إسرائيلية ضد تركيا.
ومما يؤكد النوايا السيئة للوكالة وللكاتب الإسرائيلي وأن المسألة الأرمنية مجرد وسيلة رخيصة لمهاجمة تركيا يقول ويضيف أنه في السنوات الأخيرة زاد تدفق السياح الأتراك للبلدة القديمة في القدس بعد أن تم وضع المساجد فيها ضمن البرامج السياحية وبعد أن ساهمت الحكومة التركية بتكاليف السفر لشرقي القدس كما يقول، ويضيف أن جمعيات تركية تنشط شرقي القدس اليوم وتساعد أنشطة للإخوان المسلمين كما يزعم وتساعد رجال الدين في شرقي المدينة، وذكر أن مؤسسة "ميراثنا" التركية زادت كثيرًا من نشاطها في القدس في مجالات التعليم والثقافة والعقارات والإغاثة وتمول مشروع قوافل آلاف المصلين للأقصى وتمول افطارات الصائمين في رمضان.
وذكر كذلك أن "الوكالة التركية شبه الحكومية تيكا TIKA النشطة جدًا في المشاريع شرقي القدس، قد رممت عشرات المساجد والمنازل ومنحت قروض ومنح للمقدسيين لتعزيز بقائهم في القدس، وأضاف أن المسؤول عن الترميم والتمويل م.ح وهو مقاول مقدسي، ويقول: قد أفاد أحد أصحاب العقارات التي تم ترميمها لوكالة TPS أن المقاول يتلقى الأموال من تركيا مقابل الترميم مما يحول دون علاقة مباشرة بين أصحاب العقارات والأتراك حتى لا تلاحقهم سلطات الاحتلال، ومن أعمال المقاول م.ح ترميم مصلى باب الرحمة، وزعم الكاتب في الختام أن وكالة الأنباء الإسرائيلية TPS توجهت باستفسارات للسفارة التركية ولمؤسسة تيكا حول ما ذكر في التقرير ولم تتلق أي رد حتى الآن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس