ترك برس
مع إعلان القضاء التركي إعادة "آيا صوفيا" من متحف إلى مسجد كما كان عقب فتح القسطنطينية على يد السلطان محمد الفاتح، يتوالى حديث الإعلام والمؤرخين حول المعبد التاريخي الذي يُصنّف بين أبرز المعابد والمعالم التاريخية حول العالم.
و"آيا صوفيا" هو صرح فني ومعماري فريد، يقع في منطقة "السلطان أحمد" بإسطنبول، ظل كنيسة خاضعة للإمبراطورية البيزنطية لعقود قبل أن يحوله السلطان العثماني محمد الثاني المعروف بالفاتح إلى مسجد بعد فتحه إسطنبول عام 1453.
واستُخدم "آيا صوفيا" لمدة 481 سنة مسجدا، ثم تحول إلى متحف في 1934، على يد مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك.
وفي الوقت الذي تنتقد فيه بعض دول العالم، ولا سيما الغربية منها، قرار تركيا بإعادة افتتاح "آيا صوفيا" للعبادة، تتجه الأنظار إلى ما تعرض له المعبد التاريخي، من نهب وسرقة وتخريب على يد القوات الصليبية، خلال الحملة الصليبية الرابعة، بهدف انتزاع القدس من أيدي المسلمين في زمن الحروب الصليبية.
وبعد أكثر من عقدين على فتح العثمانيين القسطنطينية، يخاطب الفيلسوف اليوناني والمؤرخ جورج ترابيزونتيوس السلطان محمد الفاتح قائلاً: "مقر الإمبراطورية الرومانية هو القسطنطينية؛ لذلك أنت الإمبراطور الشرعي للرومان، وإمبراطور الرومان هو أيضا إمبراطور الأرض كلها"، مؤكدا المفارقة الكبيرة بين المدينة التي انتقلت السيادة عليها من البيزنطيين إلى العثمانيين في منتصف القرن 15، والإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما ومرجعيتها الدينية "الفاتيكان"، بحسب تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.
وشهدت بداية القرن 13 من الميلاد قيام لكن وجهة المقاتلين الصليبيين تحولت إلى العاصمة البيزنطية (القسطنطينية)، وقام الجنود الصليبيون بنهب المدينة، وقتل العديد من سكانها، مما فاقم "الانشقاق العظيم" بين الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية (وعاصمتها القسطنطينية) والكنيسة الكاثوليكية الرومانية ومقرها "الفاتيكان".
وفي مؤلفه الشهير "تاريخ الحروب الصليبية" (1954)، كتب مؤرخ القرون الوسطى البارز ستيفن رونسيمان "لم تكن هناك جريمة ضد الإنسانية أكبر من الحملة الصليبية الرابعة".
وفي طريق الحملة إلى الشرق، وبسبب الإنفاق الحربي الكبير، حاصر الصليبيون مدينة زادار (الواقعة في كرواتيا حاليا) ونهبوها رغم أنها كاثوليكية، مما أثار غضب البابا الذي دعا إلى الحملة، لكنه لم يعترض بالطريقة نفسها على غزو القسطنطينية أملا في غنائم مالية وعسكرية من بيزنطة تدعم السير إلى القدس، حسب المصادر التاريخية.
ونهبت الحملة الصليبية العاصمة البيزنطية، لكن لم تحصل على دعم عسكري، وآثر كثير من الجنود التمتع بثروات المدينة المنهوبة، ولم يكملوا الطريق إلى القدس، وفشلت الحملة في مهمتها الأساسية، لكن الضحية هذه المرة كانت الإمبراطورية البيزنطية، التي انقسمت لـ3 مناطق: طرابزون، وإبيروس، ونيقية، التي استعادت القسطنطينية مرة أخرى في 1261.
ولمدة 3 أيام بعد دخول الصليبيين القسطنطينية، تمت سرقة وتدمير ونهب العديد من القطع الفنية اليونانية والرومانية والبيزنطية، ونهبت ممتلكات كثير من السكان. ورغم تهديد البابا بالحرمان دمّر الصليبيون كنائس وأديرة المدينة ونهبوها، واقتسموا الغنائم مقاتلو البندقية والفرسان الصليبيون الآخرون.
وفي تأريخه للحدث، كتب المؤرخ الأميركي من أصل يوناني المختص في التاريخ البيزنطي سبروس فريونيس "دمر الجنود اللاتينيون أعظم مدينة في أوروبا بطريقة لا توصف، ولـ3 أيام قتلوا واغتصبوا ونهبوا ودمروا على نطاق لم يتصوره المخربون والقوطيون القدامى".
واعتبر فريونيس في كتابه "بيزنطة وأوروبا" أن الجنود فوجئوا بثروات هائلة لم يتوقعوها، ورغم تقدير سكان البندقية للفن وإنقاذهم العديد من القطع الفنية، فإن الفرنسيين وغيرهم خرّبوا العديد من القطع الفنية، بما في ذلك "آيا صوفيا"، حيث عبر الصليبيون عن كراهيتهم للإغريق عبر "تدنيس أعظم كنيسة في العالم المسيحي، وحطموا الأيقونات الفضية المسيحية والكتب المقدسة في آيا صوفيا، وأجلسوا على العرش البطريركي عاهرة، وهم يحتسون الخمر في أواني الكنيسة المقدسة".
ويضيف فريونيس "كان اليونانيون مقتنعين بأنه حتى الأتراك -لو استولوا على المدينة- لن يكونوا قاسيين مثل المسيحيين اللاتينيين"، وأدت هزيمة البيزنطيين أمام الزحف الصليبي، كما يقول المؤرخ الأميركي من أصل يوناني، إلى تسريع الانحطاط السياسي. "وهكذا، أسفرت الحملة الصليبية الرابعة والحركة الصليبية عموما، في نهاية المطاف، عن انتصار الإسلام، وهي النتيجة التي كانت عكس أهدافها الأصلية تماما" حسب تعبيره.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!