ترك برس
تتابع وسائل الإعلام عن كثب التقارب والإشارات الإيجابية المتبادلة بين تركيا ومصر في الآونة الأخيرة وخاصة فيما يتعلق بالأوضاع في شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وجاءت إشارات التقارب بين البلدين بعدما أعلنت مصر الشهر الماضي طرح مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز في 24 منطقة بعضها بالبحر المتوسط.
وأثار مراعاة مصر لحدود الجرف القاري لتركيا خلال طرحها مزايدة للتنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط، استياء كبيرا في وسائل إعلام يونانية.
واحترمت القاهرة في تلك الخطوة حدود الجرف القاري لتركيا، وهو ما أشادت به أنقرة معلنة إمكانية التفاوض على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر وتوقيعه.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أن تركيا ومصر "تسعيان لتحديد خريطة طريق بشأن علاقاتهما الثنائية".
وقالت صحيفة "بروتو ثيما" اليونانية في خبر بعنوان "غدر من مصر"، إن القاهرة سمحت بالتنقيب عن موارد الهيدروكربون في رقعة تحدها المنطقة التي تعتبرها تركيا جرفها القاري.
ولفتت إلى أن موقف مصر في هذا الخصوص، أدى إلى انزعاج أثينا، وأن وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس، توجه إلى القاهرة على وجه السرعة، عقب مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وزعمت أن هناك خلافا بين القاهرة وأثينا بشأن تحديد الشركة التي ستتولى التنقيب عن الهيدروكربون في المنطقة.
في تقرير سابق لها، أشارت وكالة الأناضول التركية إلى أن اليونان تحاول أن تسابق الزمن لإقرار ملفات نجاح لمصالحها في شرق المتوسط، ضمن معارك إعلامية عادة ما تفرض واقعا غير حقيقي، آملا في فرضها بجدول أي مفاوضات بحرية في تلك المنطقة التي تتزايد فيها اكتشافات الغاز الطبيعي.
وهذا واضح مع ترويج وزير الخارجية اليوناني نيكوس دندياس قبل فترة لاتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إيطاليا، غير معلوم التفاصيل رسميا، على أنه "تاريخي"، وتكرار حديثه عن حقوق أنقرة في شرق المتوسط، وهذا ليس بعيد عن الأزمة التاريخية بين اليونان وتركيا بشأن قبرص المقسمة بين تركية ورومية.
وبالنظر لـ"حسابات خاطئة" أخرى لأثينا، وقعت اليونان في 2 يناير/كانون ثان 2020 مع قبرص الرومية وإسرائيل اتفاقا لمد خط أنابيب "شرق المتوسط" (إيست ميد) تحت البحر بطول 1900 كلم، لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا، مع غياب مصر ذات العلاقات المتميزة مع تلك البلدان.
وتدرك اليونان أن "إيست ميد"، وفق تقارير، يمس مساعي وخطط ومشاريع القاهرة لتحويل مصر إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز في شرق المتوسط في المدى البعيد، بجانب حديث مراقبين عن أنه سيواجه عوائق وتحفظات من تركيا وروسيا وإيطاليا، فضلا عن جدواه الاقتصادية الضعيفة ومخاطره الكبيرة.
ولم تضع أثنيا مصالح القاهرة في الاعتبار، متعلقة بسردية أزمتها مع أنقرة، وبالتالي سيكون "إيست ميد" ملفا سياسيا أقرب منه اقتصاديا، ولن تكون اليونان رابحة فيه بشكل مجدٍ، في ظل تعقيدات شرق المتوسط.
فضلا عن أن عدم قدرة أثينا على حسم مفاوضاتها مع القاهرة، في جولتها الثانية عشرة، يكشف عن تشبث اليونان بأطروحات غير قابلة للتنازل، وهو ما سيؤخر حسم أي اتفاق مع القاهرة، التي تبحث بلا شك عن مصالحها.
ولا يغيب عن هذا النطاق، ما أوردته حصريا قناة "الجزيرة مباشر" القطرية، في 4 ديسمبر/ كانون أول 2019، من وثيقتين، لم تعلق عليهما القاهرة ولا أثنيا، تتحدثان عن توصية مصرية برفض الطرح اليوناني لترسيم الحدود، لتمسكه بمواقف قد تؤدي لخسارة مصر مساحات من مياهها الاقتصادية، مع استمرار المفاوضات للتوافق والاستفادة من الموارد.
وتشير وثيقة إلى تقرير للخارجية المصرية، في 2017، يتحدث عن عن لجوء أثينا إلى "مغالطات وإدعاءات وأساليب ملتوية" في المفاوضات عن تعمد "استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري".
وبعيدا عن صحة الوثيقتين من عدمهما، فإن أثينا تبحث دائما عن "انتصارات أحادية" تعزز الجبهة الداخلية وتخصم نقاط من حقوق تركيا على حساب مصر، وتقوى تحركاتها المستقبلية في أي مفاوضات.
ويبدو أن الأمر سيظل في إطار "حسابات خاطئة"، إلا إذا غيرت اليونان وجهتها، وهذا غير متوقع إلى وقت قريب.
من المعروف أن تركيا هي المركز الإقليمي للطاقة في أوروبا، بفضل موقعها الجغرافي بين الدول المصدرة للغاز في آسيا والسوق الأوروبي، وامتلاكها شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.
وفي مطلع ديسمبر/ كانون أول 2019، بعد 4 أيام من توقيع الاتفاق بين أنقرة وطرابلس، جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأكيده على أن الاتفاق حول تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط مع ليبيا، هو "حق سيادي" للبلدين.
آنذاك، أعلن متحدث الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان، أن تركيا دعت الأطراف (بلاد شرق المتوسط)، قبل توقيع الاتفاق، إلى مفاوضات للتوصل إلى تفاهم عادل، وأن تركيا لا تزال مستعدة للتفاوض.
وفيما تؤكد أنقرة أن باب التفاوض لم يُغلق في منطقة شرق المتوسط، يبدو أن قطار التفاهمات ربما يتحرك في أقرب فرصة ممكنة نحو تقارب مصري- تركي يتجاوز، بلغة المصالح، "الحسابات الخاطئة" لأثينا. وفق تقرير الأناضول.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!