إسماعيل ياشا-عربي21
دخلت العلاقات التركية الأمريكية المتدهورة منعطفا جديدا بعد وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أحداث عام 1915 بـ"الإبادة الجماعية التي تعرض لها الأرمن على يد العثمانيين". ومن المتوقع أن يلقي هذا الانحياز للرواية الأرمينية ضد تركيا ظلاله على مستقبل العلاقات بين البلدين، وأن يؤدي إلى تعزيز مشاعر الكراهية لدى الأتراك تجاه الولايات المتحدة.
صورة أمريكا في الشارع التركي لم تكن بيضاء قبل بيان بايدن لعدة أسباب، على رأسها الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية التي تستهدف أمن تركيا واستقرارها. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن وصف الرئيس الأمريكي أحداث 1915 بـ"الإبادة الجماعية" سيزيد تلك الصورة السوداء قتامة.
شركة "آريدا" للدراسات أجرت استطلاعا للرأي بعد بيان بايدن الذي أغضب معظم الأتراك، وأظهرت النتائج أن 94.5 في المائة من الأتراك لا يرون الولايات المتحدة كأحد أصدقاء تركيا، فيما ينظر 5.5 في المائة فقط إلى واشنطن على أنها صديقة لبلادهم. كما يقول 93.3 منهم إن أمريكا ليست حليفا ولا شريكا استراتيجيا لتركيا، فيما يعتقد 6.7 في المائة بأن واشنطن من حلفاء أنقرة.
هذه الأرقام نتيجة طبيعية لمواقف الولايات المتحدة من تركيا. ومن المؤكد أن إدارة بايدن كانت على علم بأن الاعتراف بـ"الإبادة الأرمينية" المزعومة سيثير غضب الأتراك، سواء كانوا مؤيدين للحكومة أو معارضين لها. وبالتالي، يشير بيان بايدن إلى أن واشنطن غير معنية بتحسين صورتها في الشارع التركي. ولكن بايدن ذاته قد صرح خلال حملاته الانتخابية بأنه سيزيد دعم الولايات المتحدة للمعارضة التركية من أجل إسقاط رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان عبر صناديق الاقتراع. وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: "لماذا تثير واشنطن غضب الأتراك بمن فيهم المعارضون للحكومة وتوحِّدهم، في الوقت الذي تريد فيه دعم المعارضة ضد الحكومة؟".
الدعم الذي ستقدمه إدارة بايدن إلى المعارضة التركية لن يكون بالتأكيد بشكل مباشر أو يحرج المتلقين لدى المجتمع التركي، ولذلك يمكن لواشنطن أن تتخذ موقفا معاديا لتركيا، كاعترافها بـ"الإبادة" المزعومة، وفي ذات الوقت تدعم المعارضة التركية بمختلف الطرق. وهي ليست بحاجة إلى تحسين صورتها لدى الأتراك، بل يكفيها توحيد المعارضة وتحريض الشارع التركي ضد الحكومة، علما بأنها تملك خبرة طويلة في استخدام أساليب الحرب النفسية اكتسبتها أيام الحرب الباردة.
قد يبدو للوهلة الأولى اتهام الولايات المتحدة بدعم المعارضة التركية وتحريض الشارع التركي ضد الحكومة نوعا من الخيال أو نتاج العقلية المؤامراتية، إلا أن هناك أدلة واضحة على ذلك، أولها تصريحات بايدن ذاته حول ضرورة زيادة الدعم الأمريكي للمعارضة التركية لإسقاط حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة، على غرار إسقاطه في الانتخابات المحلية في إسطنبول وأنقرة.
الإعلام الموالي للمعارضة التركية يقود منذ فترة حملة شرسة لتحريض الشارع التركي ضد الحكومة من خلال الأخبار الكاذبة وإثارة العنصرية ومعاداة اللاجئين. ونشرت إحدى الصحف المعارضة، الثلاثاء، تقريرا بعنوان عريض ادَّعت فيه أن أحد أصحاب المطاعم تلقى من الحكومة 4.63 ليرة تركية فقط كمساعدة للمتضررين من جائحة كورونا، إلا أن الحقيقة سرعان ما ظهرت وتبين أن الحكومة دفعت إلى الرجل 3004.63 ليرة تركية.
كما زعم أحد الصحفيين المعارضين بأن الحكومة دفعت إلى كل أسرة سورية لاجئة 3455 ليرة تركية قبيل الإغلاق التام لمكافحة كورونا، في الوقت الذي زادت فيه على إكرامية العيد للمتقاعدين الأتراك 100 ليرة تركية فقط.
كل ما نشرته تلك الصحيفة وما ذكره ذاك الصحفي أكاذيب هدفها تحريض الشارع التركي ضد الحكومة، وهي جزء من الدعاية السوداء والحملة التي يشنها الإعلام الموالي للمعارضة ضمن استراتيجية إغراق المجتمع بمشاعر الكراهية ضد اللاجئين، ومعلومات خاطئة تحجب الحقائق، وترسم صورة سوداوية عن وضع البلاد ومستقبلها. ومن المؤسف أن هؤلاء يجدون مساحة واسعة لترويج أكاذيبهم بسبب خوف الحكومة من أن تُتهم بالتضييق على حرية التعبير وحرية الصحافة.
إدارة بايدن ستصل إلى مبتغاها إن نجحت المعارضة التركية في إسقاط الحكومة التركية، وإعادة تركيا إلى بيت الطاعة الأمريكي، وبعد أن تحقق ذلك فلا يعنيها كثيرا لون صورتها لدى الأتراك. إلا أن حزب العدالة والتنمية قد يقلب السحر على الساحر، إن نجح في استغلال صورة أمريكا السوداء، وتأجيج المشاعر الوطنية، وتمكين الناخب التركي من رؤية الارتباط بين إدارة بايدن والمعارضة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس