ترك برس
تناول مقال تحليلي للكاتب والمحلل السياسي علي أسمر، التنافس المحتدم بين الأحزاب السياسية في تركيا مع اقتراب الانتخابات المحلية وسط استعدادات مكثفة للحزب الحاكم من أجل استعادة البلديات الكبرى، وفي مقدمتها إسطنبول، من المعارضة.
ويرى أسمر أن فوز حزب الشعب الجمهوري ببلدية إسطنبول وبعض الولايات الكبرى الأخرى قاد إلى إجراء تغيرات كبيرة في بنية حزب العدالة والتنمية الحاكم، لكيلا تتكرر خيبة الأمل مرة أخرى وخاصة في إسطنبول إذ يقال "من يخسر إسطنبول يخسر تركيا".
وأضاف في مقاله الذي نشرته صحيفة ديلي صباح: "لذلك نرى الآن استعدادات كبيرة من الرئيس أردوغان وقيادات الحزب لاسترجاع إسطنبول من أكرم إمام أوغلو التابع لحزب الشعب الجمهوري العلماني.
وقد فاز أكرم إمام أوغلو على نظيره بن علي يلدرم الذي كان مؤمنا بالفوز، بسبب تاريخه وخبرته الطويلة في قطاع الخدمات، ولكن هذه المرة جرت الرياح بما لا تشتهي سفن الحزب الحاكم".
وأوضح أن انتقال إدارة إسطنبول إلى حزب الشعب الجمهوري له أسباب عديدة، منها اختيار الشخص المناسب للمكان غير المناسب لأن بن علي يلدرم شخص ناجح وتقلد العديد من مناصب الدولة، لكنه لم يستطع مجابهة المرشح الشاب أكرم إمام اوغلو الذي يتقن استخدام وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي، ويتقن الخطاب والكلام مع الطبقة الشابة في اسطنبول، ومن الأسباب أيضا الاستخفاف بشخصية أكرم إمام اوغلو، بسبب تاريخه المتواضع في رئاسة بلدية منطقة "بيليك دوزو" في اسطنبول.
وقال إنه بعد نتائج الانتخابات السابقة أجريت تغيرات كبيرة في الحزب، ورأينا إجراءات بمثابة النفضة للحزب، بسبب قدم حزب العدالة والتنمية احتاج إلى نفضة أقصت بعض الشخصيات، ورفعت شخصيات أخرى، ووضعت النقاط على الحروف، فلا يوجد مكان للمستهترين.
إما أن تعمل بجد أو تغادر، ولهذه الأسباب برزت شخصيات جديدة على الساحة والآن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقوم بزيارات متتالية إلى إسطنبول بهدف التشاور مع أعضاء الحزب لاختيار المرشح القادر على الفوز على أكرم إمام أوغلو مرشح حزب الشعب الجمهوري، فإمام أوغلو مع إخفاقاته الكبيرة في إدارة بلدية إسطنبول هو أقوى من السابق فلقد استخدم كل إمكانيات وميزانيات البلدية لكي يثبت نفسه أمام سكان إسطنبول.
خمس شخصيات مرشحة لمنافسة أكرم إمام أوغلو
وتابع الكاتب:
تُجْرَى مشاورات كثيرة حول اسم المرشح الذي سينافس أكرم إمام أوغلو، وحسب قراءتي للمشهد التركي يوجد خمسة أسماء على طاولة أردوغان، الشخصية الأولى هي "عادل كارايسمايلوجلو" وزير المواصلات السابق، وهو شخصية ناجحة خدميا، لكن سنه الكبير سيكون عائقا لترشيحه على ما اعتقد، لأن الحزب الحاكم لن يكرر الخطأ الذي ارتبكه عند ترشيح بن علي يلدرم.
الشخصية الثانية هي "فخر الدين قوجة" وزير الصحة الحالي، الذي استطاع إدارة أزمة كورونا بحنكة وذكاء، وأبلى بلاءً حسنا في القطاع الصحي وبسبب نجاحه منقطع النظير في القطاع الصحي لا أعتقد أن يتم ترشيحه لرئاسة البلدية، لعدم وجود شخصية تستطيع أن تشغل منصبه كوزير للحصة في تركيا حاليا، أما الشخصية الثالثة فهي محمد أرغون توران رئيس بلدية الفاتح وهو من مواليد إسطنبول وشخص محبوب، ولكن هو أيضا كبير في السن ومن الممكن ألا يستطيع احتواء الجيل.
هذا الجيل الذي يصعب التعامل معه حسب بعض الخبراء الاجتماعيين والنفسيين، الاسم الرابع هو "محمد توفيق غوكسو"، رئيس بلدية أسنلر، وهي منطقة كبيرة في إسطنبول، ويعرف عنه الولاء التام للرئيس أردوغان، وهو من المتكلمين يتقن فن الخطابة وكثيرا ما ينتقد أكرم إمام أوغلو، ولهذا السبب علاقته مع إمام أوغلو متوترة دائما، وإذا قارناه بالأسماء السابقة نرى أنه يتقدم عليهم، بسبب خبرته الطويلة في إسطنبول ومناظراته الكثيرة مع أكرم إمام أوغلو.
أخيرا لدينا "مراد كوروم"، وهو وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي السابق، وهو شخصية مقربة من الرئيس أردوغان، ومن جانب آخر شخصية لها خبرة في قطاع الخدمات بالإضافة لذلك هو شخصية احتوائية مسالمة وحاصل على احترام وحب الجميع، والأهم من ذلك عمره 47 عاما أي أنه شاب مقارنة بالأسماء الأخرى، ومن الممكن أن يجذب الشباب في إسطنبول الذين كانوا سببا في فوز أكرم إمام اوغلو سابقا.
ولكل هذه الأسباب أعتقد أن مرشح حزب العدالة والتنمية سيكون السيد مراد كوروم، حيث لاحظت زياراته المتعددة المتتالية إلى إسطنبول بالإضافة إلى بعض اجتماعاته مع الشباب في إسطنبول واهتمامه بموضوع التحول العمراني هذا الموضوع الذي يعتبر حاليا "تريند" في تركيا بسبب الأخبار التي تنشر من حين لآخر حول زلزال إسطنبول المدمر.
ملامح المعركة الانتخابية للوصول إلى إسطنبول
المعركة الانتخابية بين مراد كوروم أو مرشح حزب العدالة والتنمية وأكرم إمام أوغلو ستكون صعبة، لأن الاثنين لديهما نقاط قوة وضعف، ولا نعلم من سيتقن استخدام نقاط قوته على الآخر. يتميز كوروم بتاريخه الغني بقطاع الخدمات والكوارث البيئية والزلازل، ولكن من نقاط ضعفه أنه عاش حياته في أنقرة، وهو شخصية يهتم بالعمل والنتائج، ولا يهتم كثيرا بالتسويق والمظاهر على عكس أكرم إمام أوغلو الذي يتقن فن المظاهر واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي ببراعة حيث ينشر يوميا مقاطع فيديو تخاطب الشباب التركي في إسطنبول، ويعدهم بالعلمانية والحرية ومستقبل افضل، وكان من أوائل الشخصيات السياسية التي انضمت إلى منصة "تيك توك" هذه المنصة التي استطاعت بزمن قياسي جذب الشباب التركي.
لكن إمام أوغلو لديه العديد من المشكلات والدعاوي القضائية التي فتحت بحقه، وإلى الآن لم يتم البت بها بالإضافة إلى أنه خلال خمس سنوات لم يستطع تحقيق أهدافه ووعوده مما أثار غضب الكثير من محبيه، واشتهر أيضا إمام أوغلو بحبه للعطلات والاستجمام، فكلما عانت إسطنبول من كارثة كسيل أو فيضان أو زلزال كان إمام أوغلو خارج المدينة في رحلة استجمامية مما زعزع ثقة الكثير من الناس به.
تحالفات وخلافات حزبية!
تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية استطاع أن يتماسك بعد الانتخابات الرئاسية، لكن تحالف الأمة المعارض، المعروف "بالطاولة السداسية" تفكك بمجرد خسارته في الانتخابات الرئاسية، فالذي كان يجمع أعضاء الطاولة هو إسقاط أردوغان فقط، ولم ينجحوا بذلك والآن ظهرت خلافات عميقة بين الأحزاب المعارضة خاصة الفجوة بين حزب الجيد بقيادة ميرال أكشينار وحزب الشعب الجمهوري بقيادة أوزغور أوزيل، الذي تقلد منصب رئاسة الحزب منذ فترة قريبة، خلفا لكمال كليتشدار أوغلو الذي هزم أمام الرئيس أروغان في الانتخابات الرئاسية مؤخرا، وأعتقد أن السبب الرئيسي لخلافات تحالف الأمة هو اختلاف الأيديولوجية الحزبية لكل حزب بالإضافة إلى أسلوب "البازارات" أي المساومات على المناصب والمقاعد عكس تحالف الجمهور الذي يركز فقط على خدمة الشعب التركي.
التحالفات السياسية حاضرة بقوة في هذه الانتخابات، حيث نشهد زيارات مكثفة بين رؤساء الأحزاب التركية لإنشاء تحالفات انتخابية، هدفها الحصول على أكبر عدد من البلديات، وهنا يجب ألا نهمل الأحزاب ذات الطابع الكردي التي كانت سببا مباشرا لفوز أكرم إمام أوغلو في بلدية إسطنبول في الانتخابات الأخيرة، ورأينا أيضا صعود الأحزاب القومية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهذا ما يعني أنها ستكون حاضرة أيضا في الانتخابات المحلية، كل هذه الأسباب تعقد المشهد حيث لا ندري من سيكون مع من، ومن سيتخلى بآخر لحظة عن من، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل بقوله "24 ساعة مدة طويلة جداً في السياسة التركية"،
ولكن في النهاية، الشعب التركي هو من ستكون له الكلمة الأخيرة في هذه المعركة، فإما أن يعيد إسطنبول لكنف الحزب الحاكم أو يمنح المعارضة إدارة إسطنبول لمدة خمس سنوات إضافية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!