ياسين أقطاي - يني شفق
في ظل جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية بكل وحشية، يُقدم مجاهدو القسام في غزة أروع الدروس في البطولة والمقاومة والتضحية.
ومع ابتعاد إسرائيل عن أهدافها المعلنة في عدوانها على غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، يتصاعد جنونها وتزداد همجيتها يومًا بعد يوم، وتستغل كل فرصة سانحة للمزيد من القتل والتدمير. وكنا سنندهش حقًا لو لم يظهر تنظيم "بي كي كي" في هذا الوقت بالذات.
فكل قنبلة تنفجر في غزة تشعل نيران الغضب في قلب تركيا، فتعلن وقوف دولتها وشعبها إلى جانب المقاومة الفلسطينية، وتأخذ أقسى موقف ضد إسرائيل على مستوى الدول، والعالم الإسلامي. ولكن هذه الإجراءات لا تكفي لوقف إسرائيل، بل إنها في واقع الأمر تزيد من غضبها، وتدفعها إلى استخدام أهم ورقة رابحة لديها ضد تركيا، وهي تنظيم "بي كي كي" الإرهابي.
لكن تنظيم "بي كي كي" الإرهابي ليس السلاح الوحيد في يد إسرائيل أو الولايات المتحدة ضد تركيا، ولا يقتصر دوره على كونه أداة تستخدم ضد تركيا فحسب. بل إن أبعاد القضية أعمق من ذلك بكثير.
وفي خطوةٍ مستفزةٍ، ردَّ القاتل نتنياهو على انتقادات أردوغان له بارتكاب إبادة جماعية، بخطابٍ قال فيه بمنتهى الوقاحةٍ " أردوغان الذي قصف قراه لا يمكن أن يعلمنا درسًا في الإنسانية"، مشعلاً بذلك البطاقة التي تم استخدامها ضد تركيا لسنواتٍ. ليشارك نجله بعده مباشرة منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي يحمل عنوان "كردستان حرة". ومؤخرًا وكما لو أنه تلقى تعليماتٍ، شنّ تنظيم "بي كي كي" الإرهابي هجماتٍ شمال العراق، أسفرت عن استشهاد 12 من جنودنا.
بالطبع لم نكتشف أن إرهاب إسرائيل وتنظيم "بي كي كي" الإرهابي وجهان لعملة واحدة، من خلال الهجمات التي شنتها إسرائيل على غزة مؤخرًا. فهذه العلاقة هي علاقةٌ علنيةٌ وواضحةٌ. حيث إن الولايات المتحدة التي تقدم الدعم غير المشروط لإسرائيل، تدعم علناً امتدادات تنظيم "بي كي كي" الإرهابي في شمال العراق وسوريا منذ زمنٍ طويلٍ. وعلى الرغم من تحذيرات تركيا المتكررة، ورغم أنّ الولايات المتحدة نفسها تصنّف "بي كي كي" كمنظمةٍ إرهابيةٍ في وثائقها الرسمية، إلا أنّها لم تمتنع عن تقديم هذا الدعم. وقد برّرت الولايات المتحدة بدون خجل، تقديمها 10 آلاف شاحنة محملة بالأسلحة لعناصر "واي بي جي" الإرهابي في سوريا على مرأى العالم أجمع، بدعوى محاربة داعش.
ولا شك أن الجميع يعرف منذ البداية أن تنظيم داعش الإرهابي هو صناعةٌ أمريكيةٌ بامتياز، وأن سبب اختراعه هو تقديم الدعم لتنظيم "بي واي دي" الإرهابي، لتشكيل قوة منظمة ومسلحة من عناصره الصديقة هناك. ومن المؤكد أن هذه القوة ستستخدم ضد تركيا عند الحاجة، كما هو الحال بالفعل، ولكن السبب الحقيقي لوجودها على المدى الطويل مختلفٌ تمامًا.
لذا فإننا بحاجةٍ إلى النظر إلى خطة إسرائيل التوسعية الشهيرة نحو "أرض الميعاد" الشهيرة. ربما لو اقترحنا ذلك من قبل لقيل إنها مجرد أوهام متآمرين، ولم تؤخذ أفكارنا على محمل الجد. ولكن من الواضح اليوم أن هذا هو السبب المنطقي الوحيد لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل. فعندما قال الرئيس الأمريكي بايدن: "ليس عليك أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، فإنه لم يكن يعبر عن وجهة نظره الخاصة فحسب، بل كان يعبر أيضًا عن ولائه للخطة التي أقسم عليها كل رؤساء الولايات المتحدة بطريقة أو بأخرى.
إنها صورة لحكام النظام العالمي الحالي، الذين فرضوا العلمانية على العالم بأسره، وخاصة تركيا والعالم الإسلامي. ويبدو واضحًا أن خطة هؤلاء الحكام هي إنشاء دولة إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات. فدعم الولايات المتحدة لإسرائيل وحزب العمال الكردستاني، على الرغم من كلّ الخسائر التي تكبدتها في السمعة والتعاطف والاهتمام والصورة، لا يبدو منطقياً إلا إن فسرناه كجزء من هذه الخطة.
إن اهتمام الولايات المتحدة أو إسرائيل بتنظيم "بي كي كي" الإرهابي لا ينجم أبدًا عن حبهم للأكراد. فكيف يمكن لقتلة الأطفال الرضع والأطفال في الحضانة وحتى الأطفال في رحم أمهاتهم بدم بارد أن يعرفوا معنى حب الإنسان؟ فتنظيم "بي كي كي" بالنسبة لهم مجرد أداة للانتشار في هذه المنطقة، وهم بحاجة إلى هذه الأداة. إن حب الصهاينة للأكراد لا يتعدى حبهم لأدواتهم التي يستخدمونها.
فكيف يتسنى لليهود، الذين لا يتجاوز عددهم في جميع أنحاء العالم 12 مليونًا، أن يسيطروا على جميع الأراضي من النيل إلى الفرات حتى لو استولوا عليها؟ إن نصف هؤلاء اليهود لا يعيشون في إسرائيل، ومن الصعب جداً إقناعهم بالانتقال إلى هناك. فكيف يمكنهم الحفاظ على سلام وأمان واستقرار دولة تمتد من النيل إلى الفرات وتضم 6 ملايين يهودي، معظمهم منزعجون من سياسات الصهيونية في إسرائيل؟ بل كيف يمكن أن تنتشر قوة الصهيونية في هذه المنطقة؟
هذا السؤال هو المفتاح لفهم كل ما حدث في السنوات الأخيرة من أنشطة الإرهابية واضطرابات وحروب تم خلقها في المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات. فليس لدى اليهود القدرة على الانتشار والسيطرة على هذه الأراضي بنفسهم مهما بلغت قوتهم. لذلك يحتاجون إلى سكان يمكنهم استخدامهم كخدم وعبيد.
وهكذا تسعى العصابات الصليبية الصهيونية بدعم من الولايات المتحدة إلى جعل الأكراد عبيدًا لهم من خلال تنظيم "بي كي كي" الإرهابي. وبالتأكيد سيتم استخدام مجموعات سكانية أخرى في أجزاء أخرى من هذه الأرض. فعدد اليهود لن يكون كافياً أبدًا لملء أرض الميعاد، أو الهيمنة عليها بمفردهم،. وفي الواقع رغم صغر مساحة الأرض التي يحاولون احتلالها الآن، فإنهم لا يستطيعون حتى السيطرة على غزة أو الضفة الغربية، كما لم يتمكنوا من السيطرة على سيناء في الماضي. مهما بلغت قوتهم فلن تكون كافية، فعدد شعبهم لا يكفي، وقوة قلوبهم لا تكفي.
في الفترة ما بين عامي 1917 و1947، تمكنت العصابات الصهيونية الصليبية، برعاية بريطانيا، من إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين. والآن تعتقد الولايات المتحدة الأمريكية أنها تستطيع تحقيق نفس النتيجة في جزء آخر من هذه المنطقة، بالتعاون مع تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، وباستخدام نفس الأساليب. ومن خلال ذلك سيتم استرداد الأرض الموعودة في المنطقة الممتدة من النيل إلى الفرات.
وبأيدي من؟ بأيدي أحفاد صلاح الدين الأيوبي، أسد الشرق الذي حرر القدس من الاحتلال الصليبي. إنه انتقام مزدوج.
فهل سيقع أحفاد صلاح الدين في هذا الفخ؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس