فيزالله تونا أيغون - عربي بوست
عُقِدَت انتخابات مجالس المحافظات في العراق آخر مرة عام 2013. وكان من المقرر إقامتها مرةً أخرى في عام 2018، لكنها تأجّلت لعدد من الأسباب مثل قتال تنظيم داعش، والمصاعب الاقتصادية، وغياب الاستقرار السياسي الناجم عن الانتخابات. لهذا جرى تمديد ولايات مجالس المحافظات، التي تولّت المنصب بعد انتخابات عام 2013، إلى أجلٍ غير مسمى. لكن "تظاهرات أكتوبر/تشرين الأول" التي أسفرت عن استقالة الحكومة عام 2019 دفعت بمجلس النواب العراقي إلى اتخاذ قرار بحل مجالس المحافظات، مع السماح للمحافظين بالاستمرار في مزاولة مهامهم. وجرى رفع الأمر إلى المحكمة الاتحادية العليا في العراق، لكن المحكمة أيّدت قرار مجلس النواب.
وبعدها، وفي أعقاب الاحتجاجات، شهد عام 2021 عقد أول انتخابات تشريعية مبكرة في العراق بعد عام 2003. وناقش الرأي العام العراقي فكرة دمج الانتخابات التشريعية مع الانتخابات المحلية، لكن انتخابات مجالس المحافظات لم تنعقد نتيجة غياب الإجماع السياسي والجدل الذي أُثير حول تطبيق نظام الانتخابات الإقليمية المحدود للمرة الأولى. إذ إن النظام الانتخابي الذي صب في صالح التيار الصدري عام 2021 قد جرى استبداله بنظام سانت ليغو للتمثيل النسبي، الذي استُخدم في انتخابات عام 2018 وأدى لاستبعاد بعض أعضاء التيار الصدري من البرلمان. وتحوّلت كل محافظةٍ إلى دائرة انتخابية واحدة نتيجةً لذلك، مما قضى على نقاط ضعف الأحزاب السياسية في التخطيط الجزئي، وألغى بالتبعية أي عقبات كبيرة في طريق الانتخابات.
وعلى الجانب المقابل، أفضى تعديل قانون الانتخابات إلى ضرورة عقد انتخابات مجالس المحافظات بتاريخ لا يتجاوز الـ31 من ديسمبر/كانون الأول 2023. وفي هذا السياق، أعلن مجلس الوزراء العراقي عن عقد انتخابات مجالس المحافظات يوم الـ18 من ديسمبر/كانون الأول عام 2021. ورغم ذلك، استمر الجدل حول ما إذا كانت الانتخابات ستُعقد في تاريخها المقرر أم لا، نظراً للدعاوى التي رفعها البعض احتجاجاً على تعديل القانون أمام المحكمة الاتحادية العليا. حيث أعلنت المحكمة قرارها النهائي في الـ12 من ديسمبر/كانون الأول عام 2023 دون الكشف عن الأسباب، وصرّحت بأنها رفضت الاعتراضات التي وصلتها على القانون، وأنه يمكن عقد الانتخابات في موعدها المقرر. وأسهم قرار المحكمة في اجتياز عقبة تمنع إجراء الانتخابات، لكنه اعتُبِرَ بمثابة وسيلة ضغط لتأجيل الانتخابات في حال حدوث أي جمود سياسي أيضاً.
كيف سارت الانتخابات؟
شارك أكثر من 250 حزباً سياسياً معتمداً وأكثر من 30 تحالفاً في انتخابات مجالس المحافظات داخل 15 محافظة، باستثناء تلك التابعة لحكومة إقليم كردستان، وفقاً للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق. وقبلت المفوضية أوراق 5.904 من المرشحين لشغل 275 مقعداً في مجالس المحافظات. وشهدت محافظات بغداد ونينوى والبصرة أكبر منافسة على صعيد المقاعد والمرشحين، حيث تنافس نحو 25 مرشحاً على كل مقعد في تلك المحافظات.
وفي هذه البيئة شديدة التنافسية، أدلت قوات الأمن المسؤولة عن ضمان أمن الانتخابات العراقية بأصواتها في "تصويت خاص" انعقد يوم الـ17 من ديسمبر/كانون الأول 2023. بينما استخدم الناخبون على الجانب المقابل أجهزة التصويت الإلكترونية، التي بدأ العمل بها للمرة الأولى في الانتخابات التشريعية عام 2018، وذلك للإدلاء بأصواتهم صباح يوم الـ18 من ديسمبر/كانون الأول 2023. وكانت القدرة على مطابقة الهوية والبصمة مع بطاقة الاقتراع عبر هذه الأجهزة واحدةً من أهم المخاوف المرتبطة بتأمين هذه الانتخابات. وقد أثار استخدام تلك الأجهزة في انتخابات عام 2018 جدلاً على مستوى البلاد.
ما المتوقع من هذه الانتخابات؟
مع إتمام هذه الانتخابات، ستتحدّد إدارات المحافظات بناءً على مجالس المحافظات المنتخبة للمرة الأولى منذ عام 2019. وفي هذا السياق، سنجد أن نقاشات "تقوية المركز" ضمن إطار الجدل الجاري حول الفيدرالية -المبنية على دستور عام 2005- قد تُتيح للحكومات المحلية فرصة العمل مرةً أخرى. وربما يؤدي هذا الوضع إلى عودة حالة العلاقات المركزية-المحلية التي كانت موجودةً قبل عام 2019، مع زيادة سلطة الحكومات المحلية.
ومن ناحيةٍ أخرى، سيؤدي إلغاء الدوائر الانتخابية الأصغر إلى منافسة بين مختلف الأحزاب السياسية على تمثيل هوياتها الخاصة وكذلك الهويات المتماشية مع التركيبة السكانية للمحافظة. وتتجلى هذه الديناميكية بوضوح خاص في محافظات كركوك، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين التي تتعايش فيها مختلف الهويات معاً. كما يتجلى ذلك في محافظات الأنبار، والنجف، والبصرة، وذي قار التي تشهد منافسة حتى داخل المجموعات السكانية ذات الهويات الأكثر تجانساً. ولهذا فإن سياسات الهوية التي تراجعت أهميتها بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابي قد تعاود الظهور مرةً أخرى، وخاصةً كنتيجةٍ للنظام الانتخابي الحالي. وربما يؤدي هذا الوضع إلى عودة ظهور التوترات القائمة على الهوية في العراق.
ويُمكن القول إن تجاهل السياسات القائمة على الهوية لجزء من إحدى الهويات -أو كلها- هي حقيقة تسبب هشاشة في مستقبل البلاد. وخير مثال على هذا الوضع هو حقيقة أن أعضاء الإطار التنسيقي الشيعي، الذين حصلوا على حق التمثيل في مجالس المحافظات بعد الانتخابات، قد اجتمعوا واختاروا تشكيل مجموعةٍ موحدة في مجالس المحافظات. وقد تنشأ في هذه الحالة مشكلة تمثيل للسنة والأكراد والتركمان، على غرار الهشاشة التي سببها إقصاء التيار الصدري عن السياسة.
وعلى الرغم من كل هذه المخاطر، ربما تؤدي إقامة الانتخابات إلى إتاحة الفرص أمام فترة الاستثمار التي بدأت في ولاية السوداني. ويُمكن أن يؤدي الأداء الفعّال للحكومات المحلية إلى تمكين الاستغلال الفعّال لأدوات الاستثمار ضمن ميزانيات المحافظات. وبالنسبة للعراق الواقف عند مفترق الطرق، يُمكن القول إن البحث عن الإجماع أو الصراع بين الأحزاب السياسية سيكون من العوامل الحاسمة في تشكيل مستقبل البلاد القريب بعد الانتخابات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس