ترك برس
رأى الكاتب والصحفي التركي سلجوك تورك يلماز، أن هناك سياسة جديدة تتبعها المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل تجاه العالم الإسلامي، وأنه سيكون هناك صراع شديد للسيطرة على المناطق الاستراتيجية.
وقال تورك يلماز إنه في ظل سعينا لفهم مناطق الصراع في العالم الإسلامي، غالبًا ما نلجأ إلى التقييمات ذات المحور الطائفي، وينطبق هذا الأمر على اليمن أيضًا. ونتيجة لذلك غالبًا ما يتم تفسير الحرب الأهلية اليمنية وهجمات المملكة العربية السعودية على هذا البلد على أنها صراعات مذهبية.
وعلى سبيل المثال - يضيف الكاتب في مقال تحليلي بصحيفة يني شفق - تندرج التقييمات التي تستند إلى أوجه التشابه بين الحوثيين والشيعة في هذه الفئة. ومع أن أهمية الاختلافات المذهبية واضحة في التوتر بين المملكة العربية السعودية وإيران، إلا أن علينا الاعتراف بأن هذا العامل وحده لن يكون حاسمًا.
وأوضح تورك يلماز أنه لفهم الدمار الذي أحدثته بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل في العالم الإسلامي لا بد من الأخذ بعين الاعتبار الاستعمار الأوروبي في القرن التاسع عشر. فهو لا يقل أهمية عن التقييمات ذات المحور المذهبي.
"فالأفكار المضللة التي تدعو إلى النظر إلى الذات بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين تحول دون فهم العديد من الأحداث. فمثلًا عندما نعلم أن عدن كانت المستعمرة الوحيدة لبريطانيا في شبه الجزيرة العربية، يتضح لنا سبب اهتمام بريطانيا والولايات المتحدة بهذا البلد.
كما أن دعم المملكة العربية السعودية لدول المنطقة التي كانت تحت الحماية أو الاستعمار البريطاني ضد الحوثيين، يشير إلى أن هجمات الولايات المتحدة وبريطانيا اليوم ليست من قبيل المصادفة. فالاستمرارية بين أحداث الماضي والحاضر تفسر العديد من الأسئلة".
وتابع: "وفقًا للمعلومات التي حصلنا عليها من مصادر مختلفة، فإن الملكة إليزابيث الثانية رغبت في إحياء مجد بريطانيا القديم عندما زارت عدن ـ المستعمرة البريطانية ـ في عام 1954. كانت هذه المدينة الواقعة في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، مستعمرة للإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت، وإحدى أكثر موانئها ازدحامًا وأهمية".
وذكر أن عدن كانت المستعمرة البريطانية الوحيدة في العالم العربي. أما المناطق الأخرى الخاضعة للسيطرة البريطانية في الشرق الأوسط، مثل مصر وفلسطين والخليج العربي، فقد تم تطبيق أنظمة الانتداب أو الحماية عليها. ويمكن اعتبار أنظمة الانتداب والحماية التي ظهرت في القرن العشرين استمرارًا للحكم الاستعماري. ففي فلسطين على سبيل المثال، تم تطبيق نظام الانتداب البريطاني، وظهرت إسرائيل في ظل هذا النظام.
واحتلت بريطانيا عدن لأول مرة عام 1839، في ذلك الوقت كانت الجيوش العثمانية تقاتل ضد الإمبراطورية البريطانية. ووضعت بريطانيا المناطق المحيطة بجنوب اليمن تحت الحماية، وبينما كانت عدن ومحيطها مستعمرات مباشرة، كانت مناطق مهمة من جنوب اليمن خاضعة لنظام الحماية. وهكذا نشأت الانقسامات في اليمن. واستمر الحكم العثماني في شمال اليمن لفترة أطول.
وتابع الكاتب: "عندما يتم إخفاء مثل هذه الحقيقة والتي تكمن وراء الانقسام التاريخي بين شمال وجنوب اليمن، يصبح من المحتم تقييم المشاكل من خلال الانقسامات المذهبية. إذا تجاهلنا آثار الميراث الاستعماري البريطاني كأساس للتقسيم الحالي، فسيصبح فهم الأحداث أكثر صعوبة.
في عام 1937 أعلنت بريطانيا عدن رسميًا مستعمرة ملكية. كانت المدينة الواقعة على مقربة من البحر الأحمر، محطة وقود حيوية وميناء تجاريًا مهمًا بين أوروبا وآسيا، وخاصةً لمستعمرة الهند البريطانية.
وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، تصاعدت القومية العربية على أساس مناهضة الاستعمار. وحظيت المقاومة الوطنية في اليمن بدعم الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وبعد سنوات من القتال اضطرت آخر مجموعة من القوات البريطانية أخيرًا إلى الانسحاب من عدن في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر1967. وبذلك ولدت جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وعاصمتها عدن.
واليوم بات من الضروري تقفي آثار الماضي في مناطق النزاع في العالم الإسلامي بمنظور جديد. علينا أن نهتم بآثار الحقبة الاستعمارية في مصر والسودان واليمن وفلسطين والعراق وسوريا، على الأقل بقدر اهتمامنا بالاختلافات المذهبية، فسيساعدنا ذلك على فهم هذه الأحداث بشكل أفضل.
في الواقع تعاني جميع المناطق التي كانت تحت سيطرة بريطانيا في الماضي تقريبًا من الأزمات. وقد أشار الرئيس رجب طيب أردوغان سابقًا إلى هذا الأمر عندما تحدث عن "عودة الجيوسياسة". وهذا يعني بالطبع العودة إلى الماضي، حيث يمكننا أن نجد آثار الاستعمار في جميع المناطق المضطربة تقريبًا في منطقتنا. وهذا مهم أيضًا لفهم الخلافات المذهبية والطائفية.
من الواضح أن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسرائيل يتبعون سياسة جديدة تجاه العالم الإسلامي. ويبدو أن هذه الدول تريد استعادة الهيمنة على جميع المناطق الاستراتيجية في المنطقة. وهذا هو بالضبط ما تعنيه "عودة الجيوسياسة". سيكون هناك صراع شديد للسيطرة على المناطق الاستراتيجية".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!