ترك برس
أكد السياسي التركي ياسين أقطاي، النائب السابق في حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن القوى التي احتلت أفغانستان خلقت تصورًا عن حركة طالبان مفاده أنهم بمجرد وصولهم إلى السلطة، سيسفكون دماء الشعب الأفغاني.
ولفت أقطاي إلى أن طالبان تولت الحكم في البلاد قبل عامين ونصف، بعد أن طردت قوة عظمى عالمية قاتلتها لأكثر من عشرين عامًا من البلاد، لم تكن تسعى إلى إعادة تأسيس الحكم السابق في أفغانستان.
وذكر السياسي التركي في مقال بصحيفة يني شفق أن هذا الوضع يقلب كل التصورات والتوقعات التي حاولت وسائل الإعلام الغربية الترويج لها حول حركة طالبان لسنوات.
وأضاف: "في الواقع، كان هناك تصور عن طالبان مفاده أنهم بمجرد وصولهم إلى السلطة، سيسفكون دماء الشعب الأفغاني الذي يُعرف بأنه أحد أكثر الشعوب التي تسفك دماءه بسهولة.
كان هناك أيضًا توقع بأن طالبان ستحاسب كل بقايا النظام السابق الذين تعاونوا مع الغزاة خلال أيام الاحتلال، والذين تسببوا في مقتل 400 ألف شخص، وربما دون محاكمة".
وتابع: "لقد أنشأ المحتلون هذا التصور بشكل قوي للغاية قبيل مغادرتهم أفغانستان، لدرجة أن صورة الناس الذين تعلقوا بعجلات وأجنحة طائرات المحتلين حين مغادرتهم البلاد، وركضوا يائسين وراء الطائرة المتحركة، طبعت ورسخت في أذهان الجميع.
ومنذ سنوات، دأبت جهات على إلقاء اللوم على طالبان وتصويرها كالمنظمات الإرهابية الأخرى التي ترتكب جرائم وحشية مثل داعش، ولكن من المعلوم أن عنف داعش هو عنف غير منظم أو مقيد ولا علاقة له بالشريعة ولا بالإسلام، بل هو عمل صناعي تم إنتاجه من قبل تلك الجهات".
وأوضح أن "هناك سبب آخر لهذه النظرة النمطية وهو التجارب المعتادة التي تشير إلى أن جميع الثورات أو التغييرات في الأنظمة التي حدثت في الغرب أو الشرق لم تحدث بدون إعادة إحياء الماضي. فإذا نظرنا إلى أي ثورة سنرى أن عمليات الإعدام والتصفيات فيها كانت حدثاً روتينياً لا مفر منه، فبعد الثورة الفرنسية، أو الثورة البلشفية في أكتوبر 1917، أو الثورة الإيرانية، تم إعدام جميع الأشخاص المرتبطين بالنظام السابق على منصات الإعدام التي تم إنشاؤها سواء بمحاكمة أو بدونها، وليس المرتبطين بالنظام السابق فحسب "فالثورة تأكل أبناءها أيضاً".
"في الواقع، كانت الثورات عبارة عن تغييرات في السلطة، ولم يكن أي منها ثورة حقيقية. فلا ثورة في تفوق عرق على عرق آخر، أو جماعة عرقية على عرقية أخرى، أو طبقة اقتصادية على طبقة اقتصادية أخرى، أو منظمة مسلحة على منظمة مسلحة أخرى. إذا كنت ترغب في رؤية ثورة حقيقية فعليك أن تنظر إلى الثورة الروحية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي جعل من ألد أعدائه وخصومه أصدقاء وإخوة له، بل جعلهم أتباعه وأصحابه، هذه هي الثورة الحقيقية. إنها سياسة صداقة، النهج الذي يحيي أعداءك من خلال دعوتك ونهجك وسلوكك، بدلاً من قتلهم".
وتابع المقال: "يؤكد قادة طالبان أن موقفهم من نسيان الماضي والعفو عن الجميع هو التزام ديني إسلامي، حيث اتبعوا نهج النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة، حين عفا عن أعدائه ولم ينتقم منهم، وقد أصدر مولوي محمد يعقوب مجاهد، ابن مؤسس طالبان "الملا عمر" البالغ من العمر 30 عاما، والذي تولى منصب وزير الدفاع في الحكومة الجديدة، نفس التعليمات لقادة طالبان الذين دخلوا كابول كما أصدر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثناء فتح مكة، عفواً عاماً، أنَّ كُل من دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن، وأمر ألا يقاتل العزَّل وألا تنتهك حرمة البيوت ولا تنهب.
وبالفعل التزمت طالبان بهذه الشروط على أتم وجه، وسرعان ما اختفت مخاوف الجميع من حدوث قتل أو نهب، كما أن الهجرة الأفغانية الجماعية المتوقعة بعد سيطرة طالبان لم تحدث أيضاً.
ولو حدث عكس ذلك ، أي لو حدثت تلك المخاوف المتوقعة، لكان عدد المهاجرين الأفغان غير الشرعيين الذين نواجههم اليوم قد بلغ عشرة أضعاف ما هو عليه الآن. وبذلك تكون طالبان قد قدمت خدمة جليلة في مجال الهجرة غير النظامية، التي تعاني منها العديد من الدول. ولكن من الواضح أن طالبان لا تفعل ذلك فقط لمنع الناس من الهجرة. بل إن دافعها الرئيسي هو الالتزام بتعاليم الإسلام وأخلاقه، وجعل الشعب الأفغاني، الذي هو في الأساس مسلم، أكثر ارتباطًا وتعلقاً بالإسلام.
أصدرت طالبان عفواً عاماً وسمحَتْ للموظفين السابقين من رجال النظام السابق بالاستمرار في عملهم في الدوائر الرسمية والحكومية، وفي الجيش أيضاً. ولم يتم تسريح أي منهم، كما يحدث في التغييرات السياسية التي اعتدنا رؤيتها في البلاد العادية. وقد أدى هذا إلى زيادة التعاطف الاجتماعي تجاه طالبان.
وقد أكد مولوي يعقوب في تصريحات مثيرة للدهشة أن مسؤولين بارزين في النظام السابق، مثل أشرف غني وحامد كرزاي، وعبد الله عبد الله، يمكنهم العيش بحرية في كابول.
إن أنيس حقاني، ابن جلال الدين حقاني الأصغر، وهو أحد أبرز قادة الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، حين أجرى مقابلة مع قناة "تي آر تي وورد" أجاب على أسئلتهم بحكمة تفوق عمره، مستشهداً بتوجيهات سيدنا عمر بن الخطاب في الرحمة والعفو حتى مع الأعداء.
أنيس بن جلال الدين حقاني، الذي يتحدث عن أهمية الرحمة والعفو، قد عاش تجربة قاسية في حياته، فقد قُتل أربعة من إخوته على يد الأمريكيين، وهو نفسه سُجن لمدة خمس سنوات، منها أربع سنوات في زنزانة انفرادية، وتعرض خلالها للتعذيب الشديد. أما الآن، فكل ما يفكر فيه هو سلام أفغانستان ووحدتها وتماسكها، وبالطبع تنميتها واستقلالها.
وهو يرى في البلاد كل يوم أفراداً من النظام السابق الذين تعاونوا مع المحتلين، وتسببوا له بكل هذه الآلام، لكنه لا يُكنُّ لهم أدنى مشاعر الانتقام أو الكراهية. ويقول في هذا الصدد: "ما عانيناه هو جزء من امتحاننا، وسنكافأ إذا بقينا على طريق الحق، ولكن إذا جعلنا المسألة شخصية فسنكون قد انحرفنا عن طريق الشريعة."
إن هذه التجربة الملحمية، التي واجهتها أفغانستان وطالبان، هي بطولة أعظم حتى من طرد الأمريكيين من البلاد.
أما تقاليد الفلسفة الغربية، التي تروج للتسامح والعطاء، فهي مجرد كلمات فارغة. ففي الواقع، يمارس الغرب الإبادة الجماعية والنزعة الانتقامية والعنصرية. أما العالم الإسلامي، فهو يجسد روح البطولة والملحمة، بلا أي فلسفة جوفاء. وهذا واضح لمن يستطيع أن يرى الحقيقة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!