ترك برس
أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، مطلع فبراير/ شباط الجاري، زيارة إلى العاصمة الليبية طرابلس هي الأولى من نوعها منذ توليه مهام منصبه في يونيو/حزيران الماضي، ووصفت بأنها تهدف لـ "ضرب أكثر من عصفور بحجرة واحدة"، بحسب مراقبين.
وزار هاكان فيدان طرابلس مع وفد يرافقه، والتقى 3 من أطراف الأزمة الليبية الـ5، وهم رؤساء كل من الحكومة: عبد الحميد الدبيبة، والمجلس الرئاسي: محمد المنفي، والمجلس الأعلى للدولة: محمد تكالة، ولم يلتقِ بالطرفين الآخرين وهما اللواء المتقاعد خليفة حفتر، وحليفه السياسي رئيس البرلمان عقيلة صالح.
وتزامنت هذه الزيارة مع ما يمكن وصفه بالتحديات التي تواجه مبادرة المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي، المتمثلة في دعوته إلى حوار خماسي لتسوية الخلافات المانعة من إجراء الانتخابات، وهي المبادرة التي ترفضها أطرافٌ في الأزمة حتى الآن.
وفور وصوله إلى طرابلس، التقى وزير الخارجية التركي قادة عسكريين أتراكا، في مقر قيادة القوات العسكرية المشتركة التركية الليبية، وهي القوات التي ألحقت الهزيمة بقوات اللواء حفتر في جنوب العاصمة والمدن الواقعة غربها عام 2020.
دور محوري
وتطمح تركيا لتثبيت نفوذها العسكري والسياسي في ليبيا، حسب مراقبين، تمهيدا لما وصف بانطلاق إستراتيجي تركي نحو أفريقيا، باعتبار ليبيا بوابتها الشمالية، حيث أعلن فيدان في تصريحات من طرابلس أنه بحث مع الدبيبة ملفات سياسية وأمنية تتعلق بليبيا والدول الإقليمية، بينها مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، بحسب تقرير لـ "الجزيرة نت".
ولا يستبعد وجود تنسيق أميركي تركي، يهدف لمنافسة الدور الروسي المتنامي في القارة السمراء في السنوات الأخيرة، حيث انعكس ذلك في تأكيد فيدان أن زيارته طرابلس تهدف إلى دعم المسار الديمقراطي وتوحيد الصف الليبي، لتحقيق الاستقرار في البلاد وكامل المنطقة، عبر دعم إطلاق حوار وطني بين مختلف الأطراف الليبية، لتسهيل الوصول لأرضية قانونية توافقية لإجراء انتخابات يشارك فيها الجميع.
وفي تصريحات لمنصة "حكومتنا" الرسمية التابعة للحكومة، وصف فيدان العلاقة بين بلاده وليبيا بأنها "تاريخية وعميقة"، وأكد للدبيبة على "وحدة ليبيا واستقرارها"، واعتبرت مصادر لشبكة الجزيرة القطرية أن تصريحات فيدان تتماشى مع موقف الدبيبة ومواقف دولية وأممية تطالب بإجراء الانتخابات وإنهاء المراحل الانتقالية، ولعل هذا ما دعا رئيس الحكومة إلى إعلان أن "تركيا تدعم استقرار ليبيا والجهود الدولية لإجراء الانتخابات".
كما أشاد رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي عقب لقائه الوزير التركي بما وصفه "دور تركيا المحوري في دعم الاستقرار في ليبيا"، ودعم الجهود الدولية لإجراء الانتخابات في أقرب الأوقات.
ولم تخل مباحثات فيدان في طرابلس من الحديث عن العلاقات الاقتصادية بين بلاده و ليبيا، حيث ناقش استكمال المشاريع التركية المتوقفة، وعودة الخطوط التركية إلى المطارات الليبية.
كما أكد فيدان أنه ناقش مع الدبيبة التطورات في القارة الأفريقية، التي شهدت دول جنوب الصحراء فيها حروبا وانقلابات عسكرية، ويتدفق منها اللاجؤون نحو شمال ليبيا، بغية الانطلاق نحو جنوب أوروبا.
علاقات تاريخية
ولسنوات طويلة، ارتبط نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي بعلاقات وثيقة مع تركيا، وخصوصا مع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي زار طرابلس حينما كان رئيسا للحكومة عام 2009، مصحوبا بملفات عشرات الشركات التركية، للحصول على عقود إنشاء مشاريع البنية التحتية والإعمار.
وما زالت الشركات التركية في مجال الإعمار والبنية التحتية في ليبيا مستمرة حتى الآن في أعمالها، عقب تسوية خلافاتها مع الجانب الليبي فيما يتعلق بتلك المشاريع، بسبب الأحداث التي شهدتها البلاد طوال السنوات الماضية.
وعقب توقيع اتفاق الصخيرات وانبثاق حكومة الوفاق الوطني عنه، كانت أول زيارة خارجية لرئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة حينها فايز السراج، مع اثنين من أعضاء المجلس الرئاسي وهما محمد عماري وأحمد حمزة، إلى أنقرة يوم 8 يناير/كانون الثاني عام 2016، للقاء رئيس الحكومة التركية في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو.
وعقب هجوم قوات حفتر على طرابلس في أبريل/نيسان عام 2019، تدخلت تركيا عسكريا في ليبيا بطائراتها المسيرة وضباط جيشها لصالح حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا، واستطاعت هزيمة قوات حفتر وإجبارها على الانسحاب من جنوب العاصمة وكامل الغرب الليبي.
وشاركت قوات تركية خاصة من الجيش التركي، يقودها ضباط ذوو رتب عليا إلى جانب جهاز المخابرات التركي في معركة طرابلس، وكان للطيران المسير التركي الدور الأبرز في حسم المواجهات لصالح حكومة الوفاق، التي بسطت سيطرتها على كامل مدن ومناطق غرب ليبيا.
وعقب انتهاء معركة طرابلس في يونيو/حزيران عام 2020، تمركزت قوات تركية في قاعدة الوطية الجوية جنوب غرب العاصمة، وقاعدة الخمس البحرية شرقها، وفي قاعدة امعيتيقة داخل العاصمة، ومازالت موجودة في مواقعها حتى الآن.
ووفق أحد قادة حكومة الوفاق، فقد لعبت العلاقات الروسية التركية دورا حاسما في إيقاف الحرب، ورسم خط فاصل في وسط ليبيا منعت قوات الطرفين من تجاوزه، ليقرر المجتمع الدولي بعدها ترتيب المشهد الليبي بتسوية جنيف السياسية في فبراير/شباط عام 2021.
ومنذ تدخلها عسكريا في ليبيا، باتت تركيا تلعب دورا محوريا في الأزمة الليبية، بحضورها الرئيسي في كافة المؤتمرات الدولية التي تناقش تطورات الأزمة، وتجلى ذلك بشكل صريح في اتفاق جنيف السياسي بين أطراف الأزمة في مرحلة ما بعد الحرب، وهي التسوية التي أفرزت حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الحالي.
وعقب توليه رئاسة الحكومة، زار عبد الحميد الدبيبة تركيا مرات عدة، ورفع من وتيرة العلاقة بينها وبين بلاده بشكل قوي.
حظوة اقتصادية
وفي مقابل تعزيز علاقتها مع الغرب الليبي، قامت السلطات التركية ممثلة في جهاز مخابراتها ووزارة خارجيتها بالتواصل مع حفتر وأبنائه ورئاسة البرلمان الليبي في المنطقة الشرقية من البلاد.
وخلال إحدى زيارتيه إلى تركيا في أغسطس/آب عام 2022 أعلن عقيلة صالح أن "هناك أهمية لدعم تركيا للجهود المبذولة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا".
وعقب طوفان درنة في سبتمبر/أيلول الماضي، حظيت الشركات التركية بعقود لمشاريع إعادة إعمار المدينة، وكان ذلك عقب تحسن العلاقات بين تركيا من جهة ومصر والإمارات من جهة أخرى، وهما دولتان حليفتان لحفتر وأبنائه الذين يبسطون سيطرتهم على درنة، إضافة إلى رغبة تركيا في التمدد في مدن الشرق الليبي، الذي يشكل خصوصية لها بسبب تشاطؤ سواحل بعض مدنه مع مياهها الإقليمية.
ويصل حجم التبادل التجاري بين ليبيا وتركيا إلى 4 مليارات دولار، تشكل الطاقة والخدمات اللوجيستية والإنشاءات أبرز ركائزه، وخصوصا مع الأجهزة التنفيذية الليبية، كأجهزة تنمية وتطوير المراكز الإدارية، وتنفيذ مشروعات المواصلات والمرافق.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!