ترك برس
أشار خبراء إلى وجود ملفات لا زالت عالقة بين تركيا ومصر ولم تُحسم رغم زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى القاهرة منتصف فبراير/ شباط الماضي، مؤكدين على أن مصير بعض هذه الملفات سيتضح مع مرور الزمن والمحطات المقبلة في علاقات البلدين والتي أبرزها زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة خلال أبريل/ نيسان المقبل.
مصادر تركية وأخرى مصرية أكدت أن زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى القاهرة الأربعاء الماضي، "جاءت في إطار الحرص على ترفيع العلاقات بين مصر وتركيا ولكن من دون تحقيق تقدم ملموس في هذا المسار"، بحسب ما نقله تقرير لصحيفة "العربي الجديد".
وقالت المصادر المصرية إن "الجانب المصري حرص خلال زيارة أردوغان إلى القاهرة، على التأكيد على عمق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين مصر وتركيا على الرغم من القطيعة التي استمرت 11 عاماً، والإشارة إلى التطلع للتعاون في مجالات أخرى على الصعيد الإقليمي، خصوصاً في الملفات الرئيسة، مثل ليبيا والسودان وسورية وشرق المتوسط". ووصف الزيارة بأنها "بروتوكولية تمهيداً لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لأنقرة".
توجهات عديدة حيال استعادة العلاقات بين مصر وتركيا
وأوضحت المصادر أن "ملف استعادة العلاقات بين مصر وتركيا يخضع إلى أكثر من توجه داخل دوائر النظام المصري، وهو ما يشكل أزمة تتركز في عدم وجود رؤية واضحة لدى الإدارة المصرية حول أولويات المصالح العليا للبلاد". ولفتت المصادر إلى أن "جناحاً قوياً داخل هيئة الأمن القومي، يعتقد بشدة أنه من الضروري إنجاز مسألة استعادة العلاقات مع أنقرة بشكل يسمح بتنسيق المواقف السياسية، بناء على رؤية استراتيجية موحدة تجاه القضايا الإقليمية، وهو ما يصب في مصلحة مصر"، بحسب ما نقله تقرير لـ "العربي الجديد".
وأضافت أن "ذلك التوجه، يرى أن مصر ضحت بمصالح عديدة على رأسها موارد الغاز الطبيعي في شرق المتوسط، والتي كان من الممكن أن تُدر مليارات الدولارات خلال الأعوام الماضية، بسبب تشدد فريق داخل السلطة، في مباحثات استعادة العلاقات مع تركيا، في ما يخص قضايا صغرى، مثل ملف المعارضين المصريين المقيمين في تركيا"، واصفة زيارة أردوغان إلى مصر بأنها "خطوة متأخرة لكنها أفضل من لا شيء".
في المقابل، قالت المصادر التركية إن "استعادة العلاقات الطبيعية مع مصر، تتوقف على أمر مهم، وهو إنجاز اتفاق تعيين الحدود البحرية بين البلدين، ما يسمح باستغلال الموارد الطبيعية الموجودة في المنطقة بما يحقق مصلحة الطرفين".
مسار بطيء لعودة العلاقات المصرية التركية
الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة إسطنبول أيدن، عمار فايد قال إن "تقدم العلاقات المصرية التركية، يسير بشكل بطيء وإن كان مستمراً".
وأضاف أن تركيا "جادة في تطوير العلاقة، وراغبة في ذلك، لكنّ مصر ما تزال حذرة، وربما تكون بصورة ما خائفة". وتابع: "في رأيي، لم تعد مسألة الإخوان المسلمين أساسية في تقرير مستقبل العلاقة، والآن أصبحت الخلافات الجيوسياسية هي محل الاعتبار والأولوية في نقاشات الجانبين، ولا أتوقع تجاوز الخلافات قريباً، خصوصاً حول ليبيا، وحول الدور التركي في سورية والعراق. لكن الزيارة لا شك تعطي دفعة لجهود بناء تفاهمات".
وتوقع أن "مصر لن تقدم على أي خطوة تضر بشراكتها مع اليونان وقبرص ومن ورائهما فرنسا، ولن تقر بالنفوذ التركي في ليبيا أو السودان. وعلى الأرجح، ستعمل مصر على بناء علاقة عمل براغماتية تخدم أهداف ومصالح تكتيكية. لكن التنافس الجيوسياسي مع تركيا لا يبدو من الممكن تجاوزه على الأقل في المستقبل المنظور".
من جهته، قال السفير المصري السابق في تركيا، عبد الرحمن صلاح، إن "زيارة أردوغان إلى القاهرة، هي محاولة للعودة بالعلاقات مع مصر لما كانت عليه قبل 11 سنة، وهو ما لاقى ترحيباً من مصر لتعظيم توافق المصالح بين البلدين ثنائياً وإقليمياً، وتقليل إدارة الخلافات التي ما تزال قائمة بينهما".
وأضاف أن "الزيارة تأتي في توقيت يحتاج فيه كل من البلدين للآخر في مواجهة ما يدور حولهما من إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقة، سواء بفعل تطورات الصراع والمنافسة داخل النظام الدولي مثل الحرب الأوكرانية والتنافس الأميركي - الصيني، أو المنافسة الإقليمية على إعادة رسم خريطة توزيع القوى في المنطقة بين السعودية والإمارات وإيران وإسرائيل، والتي تتجاهل أحياناً المصالح الاقتصادية لكل من مصر وتركيا، مثل فكرة طريق النقل البري بين الهند وأوروبا مروراً بالإمارات والسعودية وإسرائيل".
أردوغان يحتاج للتنسيق مع مصر
ولفت صلاح إلى أن "حرب غزة أتت لتسهم في تعقيد التفاعلات الإقليمية، مثل تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية في إطار صفقة ثلاثية سعودية - إسرائيلية - أميركية تضمن أيضاً أمن السعودية، وتحقق وعود أميركية مستقبلية بدولة فلسطينية كبديل عن اتفاق سلام لا يمكن الوصول إليه في الوقت الراهن. وهنا يحتاج أردوغان التنسيق مع مصر للعب دور مؤثر في تلك التفاعلات للحفاظ على صورة تركيا كقوة إقليمية، سواء في مواجهة الغرب أو في نظر الشعب التركي".
بدوره، قال الأكاديمي والمحلل السياسي التركي، جاهد طوز: "طبعاً بعد قطع العلاقات بين تركيا ومصر سنوات طويلة، جاءت هذه الزيارة، لتولي أهمية كبيرة جداً فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين".
وأضاف أن "تركيا ومصر دولتان مهمتان في المنطقة من ناحية الحجم الكبير، وأيضاً بسياستهما من الناحية العسكرية والاقتصادية على مستوى الإقليم، ولذلك يمكننا أن نقول إن هذه الزيارة لا تؤثر فقط على العلاقات الثنائية، ولكنها تؤثر على المنطقة كلها بسبب حجم ونفوذ الدولتين في الإقليم".
وتابع: "في ما يتعلق بالملفات الرئيسة بين البلدين، فإن أول وأهم الملفات التي تمت مناقشتها، هو غزة، لبحث كيفية اتخاذ إجراءات لوقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة وأيضاً كيفية إدخال المساعدات إلى القطاع". وقال: "الملف الثاني هو كيفية بحث تطوير العلاقات بين الدولتين، لأنها ليست زيارة تطبيع علاقات، ولكن تطوير العلاقات".
بدوره قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عصام عبد الشافي إن "هناك مجموعة من القضايا الأساسية التي تجمع بين مصر وتركيا كدولتين، أو كنظامين في هذه المرحلة، الأولى هي العلاقات الثنائية بين الدولتين، التجارية والاقتصادية، وهذه العلاقات لم تتأثر كثيراً بالتوتر في العلاقات السياسية بينهما".
وأضاف أن "الملف الثاني المهم، هو الوضع في السودان، خصوصاً أن الحكومتين في مصر وتركيا تدعمان ولو من بعيد، حكومة (عبد الفتاح) البرهان والجيش السوداني".
وتابع: "المهم أيضاً ملف الوضع في ليبيا، خصوصاً أن العلاقات بين الدولتين توترت بشكل كبير في هذا الملف بعد توقيع تركيا اتفاقية ترسيم الحدود والاتفاقية البحرية في المياه الاقتصادية، وكذلك اتفاقية التعاون الأمني والعسكري مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا".
وقال عبد الشافي إن "من الملفات المهمة أيضاً، ملف تعيين الحدود البحرية بين مصر وتركيا لأن ذلك مرتبط بملف الغاز في شرق المتوسط، ونعلم تماماً أهمية هذا الملف بالنسبة لتركيا".
وأضاف: "توقعاتي أنه لن يتم حسم الكثير من الملفات بعد الزيارة، رغم تعدد الزيارات والتصريحات على مستوى الوزراء وعلى مستوى وزراء الخارجية خلال العامين الماضيين، وعلى مستوى رؤساء الأجهزة الاستخباراتية، ولا أعتقد أيضاً أنه ستكون هناك نتيجة كبيرة فيما يتعلق بملف شرق المتوسط وتعيين الحدود البحرية". ولفت إلى أنه "يمكن أن يكون هناك تنسيق للجهود في ملف غزة وليبيا سياسياً واقتصادياً، ولكن لا أعتقد أن الطرفين يمتلكان القدرة على الحسم في هذا الملف".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!