ترك برس
أشار الباحث الفلسطينيّ المُتخصِّص في الشؤون العربية والإقليمية أمجد أحمد جبريل، إلى وجود ثلاثة تحدّيات أمام تسارع التقارب المصري التركي وتأثيره على وقف حرب غزة.
وقال جبريل في مقال بصحيفة العربي الجديد إنه على الرغم من "الرمزيات" والإشارات "الإيجابية" الكثيفة التي ظلّلت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مصر (14/2/2023)، فإن نتائجها الأولية، قد تبقى محصورة في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين.
ويرى الكاتب أن الزيارة، في حد ذاتها، لم تشكّل "تحوّلاً جذريًّا" في مسار السياسات العربية أو التفاعلات الإقليمية، سيّما تجاه "حرب الإبادة" الإسرائيلية الراهنة على قطاع غزّة، التي تمثّل "اختباراً حاسماً"، بالنسبة لأدوار الفاعلين في إقليم الشرق الأوسط، (خصوصاً مصر وتركيا وإيران)، ومدى قدرتهم على "تحجيم" تغوّل الدور الإسرائيلي، انطلاقاً من سلوكها "المنفلت"، في فلسطين ولبنان وسورية، خصوصاً في المدى المنظور.
وأوضح أنه في إطار تقويم التقارب التركي المصري الراهن، وتداعياته المحتملة على حرب غزّة، وعلى إقليم الشرق الأوسط عموماً، ثمة خمس ملاحظات؛ تتعلق أولاها بدوافع مبادرة الرئيس أردوغان زيارة مصر وتوقيتها؛ إذ تبدو واضحةً محورية البعدين الاقتصادي والاستراتيجي لتطوير العلاقات، كما يظهر من تشكيلة الوفد المرافق لأردوغان، وتصريحه إنه اتفق مع نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي، على زيادة التبادل التجاري بين البلدين إلى 15 مليار دولار سنويّاً، وضخّ استثمارات تركية في مصر بنحو ثلاثة مليارات دولار.
وإلى ذلك - يضيف جبريل - ثمّة ثلاثة مؤشرات على تحسّن العلاقات التركية المصرية: أولا، محورية البعد الأمني/ العسكري في العلاقات؛ كما تجلّى في إعلان وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، تزويد مصر بطائرات مسيّرة (4/2/2024)، وتأكيده "ضرورة ارتباط بلاده بعلاقات جدّية مع مصر، من أجل الأمن في البحر الأبيض المتوسط".
ثانيا، انتعاش السياحة بين البلدين؛ إذ كشف وزير الخارجية التركي (14/10/2023) عن استقبال بلاده 277 ألف سائح مصري عام 2022، كما تزايد السياح الأتراك في مصر، بعد تطبيقها نظام حصول الأتراك على تأشيرة الدخول في المطارات والمعابر الحدودية.
ثالثا، تُجسّد زيارة الرئيس التركي مسجد الإمام الشافعي في القاهرة الأبعاد الثقافية والتاريخية في العلاقات التركية المصرية، التي تستند إلى تاريخ طويل من "الخبرات المتشابهة"، سيّما في "الحقبة العثمانية" (1517-1805)، التي أدخلت أساليب "العمارة العثمانية" في عدة مساجد مصرية (خصوصًا محمد علي، وسليمان باشا، ويوسف آغا الحين، وسنان باشا وسيدي عقبة بن عامر)، إضافة إلى تنقلات طلّاب العلم والعلماء بين القاهرة وإسطنبول، و"التقارب الثقافي" بين تقاليد/ عادات الشعبين التركي والمصري في الطعام والملبس والشؤون الحياتية.. إلخ، الأمر الذي انعكس على استمرار السياحة والسفر بين الجانبين، حتى في خضم أوقات "الخلاف السياسي".
وبحسب الكاتب، تتعلق الملاحظة الثانية بحرص الجانبين، المصري والتركي، على إبراز تصدّر الوضع في غزة جدول أعمال مباحثات الرئيسين، مع تأكيد أردوغان أن بلاده ترفض تهجير سكّان قطاع غزّة، وتقديره رفض مصر "التهجير القسري". وعلى الرغم من "التصعيد اللفظي" الذي انتهجه الرئيس التركي بعد خطابه (25/10/2023)، وقال فيه إن "حماس ليست منظمة إرهابية"، فإن زيارة أردوغان مصر، في هذا التوقيت بالذات، تشكّل دعماً واضحاً لمواقف النظام المصري تجاه الحرب وقضية فلسطين إجمالاً.
وإذا صحَّ إطلاق وصف "البطّة العرجاء" على النظام المصري، فإن السياسة التركية تجاه حرب الإبادة الإسرائيلية الراهنة على غزّة تبقى "مخيّبة للآمال"، مقارنة بالموقف التركي إبّان حرب غزّة الأولى (2008-2009)، وصلابة موقف أردوغان (في منتدى دافوس، في مواجهة الرئيس الصهيوني الأسبق شيمون بيريز)؛ الموقف الذي تزامن مع ذروة نجاح تجربة حزب العدالة والتنمية (2003-2013)، قبل أن تعود السياسات التركية، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة (15/7/2016)، إلى متلازماتها المعهودة ("الاستقطابات/ الانقسامات الداخلية الحادّة"، و"الأزمات المالية/ الاقتصادية الممتدة"، والهوس بالقيادات "الكاريزمية"، التي يراها قطاعٌ معتبر من الأتراك "قادرة على اجتراح المعجزات"). وفق تعبير الكاتب.
وتابع المقال:
تتعلق الملاحظة الثالثة بتأثير العامل الإسرائيلي في الموقفين، المصري والتركي، الذي يدفع البلدين إلى "التكيّف الفعلي" مع الضغوط الأميركية/ الإسرائيلية، و"الحذر الشديد" من التصدّي لها، عبر كسر حصار غزّة، وإيصال المساعدات الإنسانية والإغاثية. أضف إلى ذلك أن استمرار "سلبية" المواقف العربية والإقليمية من حرب غزّة، وما سبقها من تسارع التطبيع مع إسرائيل وتهميش قضية فلسطين، يكشف الإحجام الإقليمي عن الضغط على مصر لفتح معبر رفح، والارتقاء إلى مستوى "التحدّي الإسرائيلي" لأمن مصر القومي ومصالحها الحيوية.
وربما يمثّل سلوك النظام المصري من حروب غزّة المتتالية، "النهاية المنطقية"، لاتفاقيات كامب ديفيد. وعلى الرغم من قيام مصر ببعض الحراك الدبلوماسي أحيانا، لاقتناص "أدوار محدودة" غالبا، فإن السياسة المصرية دخلت في أزمة هيكلية/ وجودية منذ توجّه الرئيس أنور السادات نحو التسوية مع إسرائيل؛ إذ أصبح توجّه السياسة المصرية برمّته "تابعاً"، وليس قادراً على امتلاك "زمام المبادرة"، سواء على الصعيد العربي أم الأفريقي أم الإقليمي، (ناهيك عن الدولي بالطبع).
ولم يعد مفاجئاً لأحد، في أزمات القضية الفلسطينية خصوصاً، أن يتجلّى، مراراً وتكراراً، "عجز" النظام المصري عن اجتراح تكتيكات أو أدوات، لكي لا أقول سياساتٍ أو استراتيجيات، تتناسب مع مكانة مصر وتاريخها وموقعها المركزي عربياً وإقليميا، في مقابل تحرّك دول عربية أخرى، خصوصا قطر والكويت والجزائر، في محاولة لملء "الفراغ الاستراتيجي العربي" الناجم أساسا عن تآكل الدور المصري (والعراقي والسوري)، الذي نجحت القوى الإقليمية، سيما إسرائيل وإيران وتركيا وإثيوبيا، في توظيفه خدمة لمصالحها ومشاريعها الإقليمية، (المتداخلة غالبا مع مصالح الأقطاب الدولية، الأميركية والصينية والروسية).
تتعلق الملاحظة الرابعة بآفاق التقارب بين أنقرة والقاهرة؛ فلا شكّ أن تعزيز العلاقات العربية الإقليمية تطوّر إيجابي، من حيث المبدأ، سيّما إذا كان يقوم على "عزل" الفاعل الإسرائيلي، الأكثر تأثيراً وفاعلية في الشرق الأوسط، بحكم طبيعة "العلاقة الخاصة" التي تربط إسرائيل بالولايات المتحدة، منذ حرب 1967، والتي تمكّن الوكيل الإسرائيلي (للمفارقة) من الضغط على الراعي الأميركي، سيما في المراحل الانتقالية أو المفصيلة التي يشهدها النظامان الإقليمي والدولي، (مثل حرب الإبادة الراهنة على غزة 2023- 2024).
وعلى الرغم من وصف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، زيارة أردوغان بـ "صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين"، وترقّب زيارة السيسي تركيا في أبريل/ نيسان المقبل، للمشاركة في مجلس التعاون الإستراتيجي التركي المصري، فإن غلبة سمات الشخصنة وضعف البنية المؤسّسية في المنطقة وترهل أغلب المنظمات الإقليمية (مثل جامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي) عوامل تؤكد أن الوصول إلى "هوية إقليمية" تقوم على المصالح المشتركة والاعتماد الأمني المتبادل في إقليم الشرق الأوسط لا يزال بعيد المنال.
وإلى ذلك، ثمّة تحدّيات أمام تسارع التقارب المصري التركي وتأثيره على وقف حرب غزة؛ أولها أن العامل الاقتصادي لا يكفي بمفرده لصناعة "شراكة استراتيجية" بين مصر وتركيا، ولا بد من "تقارب سياسي"، حتى يتعاون البلدان لتنفيذ سياسات إقليمية، تحفظ مصالح شعوب المنطقة.
وثانيها "أفول" زعامة الرئيس أردوغان في نظر كثيرين، على نحو ما تكشفه انتقادات عدة أحزاب تركية معارضة، وخصوصاً السعادة والمستقبل؛ إذ انتقد رئيس الوزراء الأسبق، وزعيم حزب المستقبل، أحمد داود أوغلو (18/2/2024)، زيارة أردوغان مصر، ولقاءه السيسي، "الذي دمّر الديمقراطية في بلده".
وثالثها تردّد أنقرة في فرض عقوباتٍ على إسرائيل، والاكتفاء بالخطب الحماسية، وغموض فكرة "الدول الضامنة"، (أي الانتقال من الدبلوماسية العادية التي أثبتت فشلها في تنفيذ حلّ الدولتين خلال 30 عاماً، إلى "الدبلوماسية القسرية" عبر وجود ضامنين لكل طرف، سواء في تنفيذ وقف إطلاق النار أو عملية سلام مستقبلية)، ناهيك عن غياب دعم القوى الدولية لفكرة "الضامن".
ورابعها امتلاك مصر وتركيا رؤية إقليمية بشأن كيفية تقليص تأثير البعد الدولي، في توظيف صراعات الشرق الأوسط، وتعزيز "الاستقلالية الإقليمية" في إيجاد حلولٍ لهذه الصراعات، عبر تعاون عربي تركي إيراني، مع تطوير رؤية "توافقية/ تكاملية إقليمية" على عزل إسرائيل والضغط عليها، عبر وقف كل مستويات التطبيع معها، ودعم الجهود المدنية العالمية لمقاطعتها ونبذها، بالتوازي مع بلورة استراتيجية إقليمية فعّالة لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني وصموده على أرضه.
تتعلق الملاحظة الأخيرة بضرورة أن تتخلّص فصائل المقاومة الفلسطينية، خصوصاً حركة حماس، من "أوهام/ مبالغات" الرهان على الخارج، الدولي والإقليمي، لتحقيق أهداف فلسطينية، وأن تعتمد على نفسها ومجتمعها وشعبها فقط، سيّما بعد تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري (17/2/2024)، أن حركة حماس "خارج الإجماع الفلسطيني"، بعد أيام قلائل، من زيارة أردوغان مصر.
يبقى التأكيد على أمرين؛ أحدهما أن التقارب التركي المصري هو "تقارب الضرورة"، المحكوم بالمتغيّرات الدولية والإقليمية، بعد استيعاب الجانبين كلفة الانخراط في "تنافس صراعي إقليمي"، (كما تجلّى في الساحة الليبية خصوصاً). والآخر أن قضية فلسطين والقوى الفلسطينية بحاجة لإعادة موضعة نفسها فلسطينيا وعربيا وإقليميا ودوليا، لمواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة، والتفكير في كيفية تشكيل "ائتلاف رسمي ومدني عالمي، من أجل فلسطين"، ربما في انتظار اندلاع "ثورات/ انتفاضات شعبية جديدة"، تقلب موازين القوى في المنطقة، لمصلحة قضية فلسطين والشعوب العربية المكلومة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!