ترك برس
ليس من الصعب على المتجول بين الولايات التركية المختلفة أن يلاحظ قاسماً مشتركاً بينها جميعاً من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب، وهو كثرة المساجد والجوامع ذات المآذن الشاهقة، فيما تتصدر إسطنبول المناطق التركية الأكثر احتضاناً لها، حتى أنها تلقب من قبل البعض بـ "مدينة المآذن" نظراً لوجود أكثر من 3555 مسجد فيها.
وتشهد معظم الجوامع التاريخية الكبرى في إسطنبول على الأجواء الرمضانية خلال شهر رمضان ولعل أهمها جامع السلطان أحمد الذي بناه السلطان أحمد الأول بين عامي 1609 و1617، وهو من أكبر وأشهر المساجد في إسطنبول، وجامع آيا صوفيا الذي شهد أول صلاة تراويح العام قبل الماضي بعد توقف دام 88 عاما، حيث يشهد الجامع تدفقا للمصلين خلال الشهر الكريم، خاصة في صلاة التراويح بالإضافة إلى جامع السلطان أيوب الذي يضم في مجمعه الخارجي قبر الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري، ويعتبر هذا المكان المقدس من أكثر الأماكن زيارة خلال شهر رمضان، حيث يتردد عدد كبير من المسلمين على المقبرة خلال شهر رمضان، وهو أشهر جامع في إسطنبول ويزخر بالمصلين أثناء صلاة الفجر، وأيضا جامع السليمانية بإسطنبول الذي يجمع روحانية الشهر الكريم، مع عظمة السلطنة وروعة العمارة العثمانية القديمة.
يعتبر جامع السليمانية واحدا من أهم المعالم الإسلامية التاريخية التي يرتادها المصلون في إسطنبول، حيث يعد من أهم التحف المعمارية التي صممها المعماري التركي الشهير "سنان"، وقد أمر ببنائه السلطان سليمان القانوني في فترة ازدهار الحكم العثماني فبدأ العمل فيه عام 1550م، وتم إتمامه وافتتاحه للعبادة عام 1557م، بحسب تقرير لوكالة الأنباء القطرية (قنا).
يقع جامع السليمانية على تلة مطلة على منطقة خليج ومضيق البوسفور، ويحوي الجامع قبر السلطان سليمان، وحرمه، وقبر المعماري سنان، وقد تم استخدام العديد من التقنيات المعمارية المتقدمة في إنشائه حيث يقوم هيكله على توازن هرمي يجعل مظهره منسجما متجانسا من أي زاوية نظرت إليه منها.
للجامع أربع قباب تشير إلى موقع السلطان سليمان كرابع سلطان تولى السلطنة بعد فتح إسطنبول، ولهذه المآذن عشر شرفات تشير إلى كونه السلطان العاشر في الحقبة العثمانية.
يحاط الفناء الخارجي للمسجد بسياج حجري منخفض، ومن هذا السياج بإمكانك أن تطل على أجمل مناظر إسطنبول حيث المضيق والخليج.
وبالرغم من أن جامع السليمانية كبير إلى حد ما إلا أن البساطة تغلب عليه من الداخل، ولعل أول ما يلفت نظر الزائر داخله هو قبته الكبيرة التي يبلغ ارتفاعها 53 مترا، ويبلغ قطرها 26.5 متر، وتعتبر أكبر قبة بين قباب المساجد التاريخية في مدينة إسطنبول، حيث ترتكز على أربعة أعمدة، وللفناء الداخلي باب رئيسي جميل، تظهر عليه هيبة الأبواب القديمة.
ويقول المؤرخ التركي إسماعيل ياغجي إن أهم ما يميز جامع السليمانية في إسطنبول هو بناؤه بشكل خاص يعكس صدى الأصوات بداخله، وهذا ما عمل عليه المعماري سنان، فقد وضع مكعبات مفرغة من الداخل حول محيط القبة وبنقاط مختلفة من الجامع في الداخل.
وأضاف أن جامع السليمانية اليوم بالإضافة إلى أنه معلم سياحي مهم في إسطنبول إلا أنه أيضا مفتوح للصلاة ويمكن للزائر أن يجد جموع المصلين فيه خلال الصلوات الخمس.
وبالرغم من بساطة تصميم القسم الداخلي لجامع السليمانية وعدم التكلف الكبير في الزخارف، فإن ذلك يضفي جمالا ساحرا عليه، كما تتزين جدرانه بآيات القرآن الكريم، والفضل يعود للخطاط التركي حسن جلبي تلميذ الخطاط المشهور أحمد كاراحصار، كما يمكن للزائر للجامع رؤية آيات من سورة النور على جدران القبة من الداخل بأحرف كبيرة.
ولم ينس المعماري سنان إضاءة القسم الداخلي من الجامع بالمصابيح الزيتية، فابتكر طريقة ذكية لعدم تلوث الجامع بدخان المصابيح واستطاع تجميعه في نقطة واحدة والاستفادة منه في تصنيع أحبار الكتابة التي استخدمت في كتابة فرمانات الدولة.
ولتجنب تجمع شباك العناكب والنمل والحشرات، لجأ سنان باشا لوضع المئات من بيض النعام في أرجاء الجامع المختلفة لأن الحشرات وحتى العقارب تكره بيض النعام.
علاوة على ذلك، وحين أمر سليمان القانوني ببناء جامع السليمانية، في القرن السادس عشر، أمر أيضا بإلحاق عدد من المدارس به، ومن ذلك أمره بتأسيس المكتبة خلال الفترة من 1545م إلى 1557م فأصبحت تتصف بسمعة عالمية كبرى بسبب ما تحويه من نفائس المخطوطات والكتب والوثائق، وقد زادت أهميتها مع انتقال كثير من مكتبات إسطنبول العامة والخاصة إليها لتصبح بذلك من أكبر المكتبات الإسلامية التي عرفها العالم، بعدد من المخطوطات يتخطى 70 ألف مخطوطة، مكتوبة باللغات العربية والتركية والفارسية.
وبالرغم من أن جامع السليمانية يعد مجرد واحد من عشرات المساجد العثمانية المتواجدة في إسطنبول إلا أنه يحتل مكانة خاصة لكونه ينسب إلى أحد أشهر السلاطين العثمانيين.
وفي شهر رمضان المبارك، يعتبر جامع السليمانية من أبرز الأماكن التي يستهدفها الزائرون والصائمون من أجل أداء الصلوات والعبادات ويتحول المكان إلى مقصد الصائمين بغرض الإفطار، وإقامة صلاة التراويح.
ويكتظ الجامع بالمصلين في صلاة التراويح، وخاصة نهاية الأسبوع، ويتسع الجامع لنحو 10 آلاف مصل، يصل عددهم في ليلة القدر لنحو 30 ألفا.
وبالنسبة للزائر العربي سيشعر في ذلك الجامع بالأجواء العربية التي اعتاد على مشاهدتها في بلاده في شهر رمضان بسبب كثرة السكان العرب والمحال العربية في تلك المنطقة منطقة السليمانية القريبة من منطقة الفاتح وسط إسطنبول.
وتنتشر على أطراف الجامع المحلات والأسواق التجارية القديمة، التي تلقى إقبالا من السائحين العرب والأجانب على حد سواء فضلا عن المقاهي والمطاعم التي يفضل الزائرون والسائحون الجلوس فيها والاستمتاع بتناول الطعام التركي وشرب الشاي فيها، ومشاهدة إسطنبول بطريقة بانورامية ساحرة وقت الغروب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!