ترك برس
أثارت القرارات التي اتخذتها الحكومة التركية بشأن تقييد الصادرات إلى إسرائيل تساؤلات حول أسبابها وسياقها الزمني وتأثيرها على العلاقات التركية - الإسرائيلية.
وأعلنت وزارة التجارة التركية، في بيان، تقييد تصدير بعض منتجات تركيا إلى إسرائيل اعتباراً من 9 إبريل/ نيسان الجاري، وأن القيود على الصادرات ستظل سارية "حتى تعلن تل أبيب وقفاً فورياً لإطلاق النار في غزة، وتسمح بتقديم مساعدات كافية ومتواصلة للفلسطينيين، وتشمل 54 منتجاً، منها حديد الإنشاءات والفولاذ المسطح والرخام والسيراميك".
فيما أكد البيان أن تركيا "لم تقم منذ فترة طويلة ببيع إسرائيل أي منتج يمكن استخدامه لأغراض عسكرية".
ومع انتهاء الانتخابات المحلية التركية في 31 مارس الماضي، وتعرّض حزب العدالة والتنمية لأوّل خسارة انتخابية منذ عام 2002، بحصوله على 35.49% من الأصوات فقط، ليحل في المرتبة الثانية بعد حزب الشعب الجمهوري الذي حقق الفوز بنسبة 37.77%، زاد النقاش في أسباب خسارة الحزب للانتخابات. وفق تقرير لصحيفة العربي الجديد.
وأوضح التقرير أنه من جملة الأسباب التي جرى سوقها في هذا الإطار أن الحكومة لم تتخذ مواقف كافية رغم التصريحات السياسية، واعتبار الرئيس أردوغان حركة حماس أنها حركة تحرر وطني وليست تنظيماً إرهابياً، إلا أن المطالب كانت تشمل قطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل، لأن تركيا في ظل ما تتعرّض له تل أبيب من أزمة اقتصادية وتراجع التجارة عبر البحر الأحمر تشكل منفذاً لها، وهو ما دفع منظمات مجتمع مدني لتنظيم تظاهرة في إسطنبول تدخلت فيها قوى الأمن بقوة وأوقفت عدداً من المحتجين، وهو ما أثار ردات فعل كبيرة شعبياً، أدى لإعلان الإفراج عن الموقوفين، وتجميد عمل آمري شرطة اثنين والتحقيق معهما.
وتبع ذلك إعلان متواصل من الحكومة التركية بمختلف مستوياتها عن دور تركيا في دعم الفلسطينيين وغزة. وأعلن والي إسطنبول داود أوغلو، أن المدينة شهدت 947 تظاهرة داعمة لغزة منذ بدء الهجمات الإسرائيلية على القطاع قبل 6 أشهر، وأن ولايته سمحت بتنظيم التظاهرات المؤيدة لفلسطين في جميع الأماكن التي لا تؤثر على الأمن العام للمدينة.
ويبدو أن مساعي تهدئة الرأي العام التركي لم تؤتِ بثمارها لتلجأ الحكومة إلى خطوات أكثر عملية، منها اتخاذ هذا القرار. وكانت الحكومة التركية قد مرت بمرحلة شاقة في إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال الأعوام الأخيرة، بعد أكثر من عقد على الاضطرابات، توّجت بتعيين السفراء وتبادل الزيارات الرفيعة، ومن الواضح أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التراجع في العلاقات الثنائية.
ولفتت صحيفة العربي الجديد أن هذا القرار ستكون له تبعاته، وخاصة على الملفات المشتركة. وبخلاف التجارة كان هناك تعويل على تعاون بين البلدين، فيما يتعلق باستخراج ثروات شرق المتوسط وتصديرها لأوروبا، وقد تبدأ مرحلة جديدة من المناكفات من قبل إسرائيل بعمل لقاءات مع اليونان ومصر وقبرص حول الملف نفسه، وهو ما يزعج أنقرة ويستبعدها من هذا الملف الاستراتيجي. وفي حال تصاعد هذه المناكفات، قد تشهد منطقة شرق المتوسط مرحلة توتر جديدة تشبه ما حصل في السنوات السابقة.
وقالت وكالة بلومبيرغ إن من الأسباب التي أدت لاتخاذ الحكومة التركية هذا القرار هو التطورات على صعيد الانتخابات المحلية، وتراجع شعبية الحزب الحاكم، وفق هذه الانتخابات. وتأتي قيود التصدير بعد احتجاج آلاف الأشخاص ضد أردوغان لاستمراره في التجارة مع إسرائيل، وبعد هزيمته وحزب العدالة والتنمية في صناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية، بسبب انتقادات مماثلة من الناخبين المحافظين الذين دعموا حزب الرفاه مجدداً.
ونقلت العربي الجديد عن رئيس تحرير مجلة "تورك إيكونومي" خير الدين توران، قوله إن "السبب الأكبر الذي جعل تركيا تتخذ القرارات الآن هو أنه، وعلى الرغم من أن تركيا هي الدولة التي قدمت أكبر قدر من المساعدات لغزة، فإن السلطات الإسرائيلية لم تسمح للطائرات التركية باستخدام مجالها الجوي لتوصيل المساعدات جواً عبر طائرات الشحن".
وأضاف توران: "سيجري إعلان ما يعتبر التعبئة العامة في تركيا ضد ممارسات القمع الإسرائيلية، سواء فيما يتعلق بمحكمة جرائم الحرب الدولية التي هي على جدول أعمال تركيا كحكومة، أو عبر جميع وسائل الإعلام، ومن خلال منظمات المجتمع المدني والمؤسسات التجارية، وسيجري تحفيز الشعب على فضح الممارسات الإسرائيلية، وتبني مسألة محاكمة مجرمي الحرب في محكمة العدل الدولية".
وشدد على أنه "من خلال الاجتماعات التي تجريها الحكومة، سيجري ضمان قيام كل مؤسسة وفرد بمسؤولياتهم بهذا الصدد، وسيُفرض حظر على الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إسرائيل، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة، وستخضع الشركات التي تربطنا بها بعلاقات وثيقة للحظر، وسيجري الطلب من الدول الإسلامية أن تتخذ الموقف نفسه".
من ناحيته، قال الكاتب فراس رضون أوغلو، إن "القرار مرتبط في توقيته بالظروف السياسية والظروف الميدانية، حيث رأت تركيا زيادةً في الضغوط الأميركية على إسرائيل. والنقطة الثانية هي أن نتائج الانتخابات المحلية كان لها تأثير كبير جداً في تراجع حزب العدالة والتنمية، والكثير من الاتهامات التي صدرت بأن الحزب تكلم كثيراً ولم يفعل شيئاً، ولربما غزة أحد الأسباب الرئيسية في خسارة العدالة والتنمية".
ولفت إلى أن "حكومة بنيامين نتنياهو، وكما يقال في إسرائيل، هي ورقة خاسرة، فلعبت الحكومة التركية على هذا الوتر أيضاً، وقد تكون اختارت هذا التوقيت لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية ضعيفة، ومن الواضح أن نتنياهو سيرحل، ومع رحيله ترجع العلاقات التركية الإسرائيلية لتتحسن مجدداً بمجيء حكومة جديدة".
وأكمل رضون أوغلو: "القاعدة الشعبية المحافظة في تركيا رأت في سياسة الحكومة ازدواجية معايير ما بين تصريحات سياسية متصاعدة، وعدم اتخاذ خطوات في قطع العلاقات الدبلوماسية أو توقيف التجارة بين البلدين، وزاد من الاحتقان ظهور أرقام حجم التبادل التجاري، ما جعل الكتلة الأكبر في تركيا تنزعج من هذا الأمر".
وشدد المتحدث ذاته على أن "الحكومة، ورغم التصريحات المكثفة في الأيام الأخيرة، تبين لها أنها لم تستطع إرضاء قاعدتها الجماهيرية، ما دفعها للجوء إلى هذه الخطوة بحجة منع دخول المساعدات، وهذه الخطوة وإن تأخرت فهي تلبي مطالب الشعب، وبالطبع ستكون هناك خطوات أخرى متبادلة، وربما في وقت لاحق سحب السفراء، ولكن تركيا وإسرائيل، ورغم الاضطرابات في العلاقات بينهما، لم يصلا إلى حد القطيعة النهائية، وإعادة التطبيع الأخيرة تطلبت خطوات عديدة لم تكن سهلة على تركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!