ترك برس
يسعى مركز الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا) التركي دومًا لإجراء أبحاث علمية في مجالات متنوعة لتقديمها للأكاديميين والمهتمين بالسياسة للاستفادة منها وإجراء تحليلاتهم البحثية استنادًا لها، وفي إطار توفير خدمة الأبحاث للأكاديميين والمحللين أجرى سيتا بحثًا حول دور مراكز الأبحاث الاستراتيجية في السياسة الخارجية التركية، وهل يعتمد البيوقراطيون العاملون في وزارة الخارجية الأمريكية على مراكز الأبحاث الاستراتيجية في عملهم وإجراءاتهم أم لا؟
هذا التقرير تم إعداده من قبل الباحث "بولنت أراس"، البيروقراطي ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في وزارة الخارجية التركية والباحث في مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا).
وتحت عنوان "زيادة مراكز الأبحاث الاستراتيجية في تركيا وتغير الثقافة الخاصة بالسياسة الخارجية والأمن القومي التركي" أكد الباحث على زيادة عدد مراكز الأبحاث الاستراتيجية في تركيا، وبالتالي تغير الثقافة الخاصة بالسياسة الخارجية والأمن القومي التركي.
لم يتغير تعريف الأمن القومي فقط بعد انتهاء الحرب الباردة بل تغير مجاله ومساحته أيضًا، حيث أصبح يشمل مواضيع الهجرة غير الشرعية والتلوث البيئي وحقوق الإنسان والرفاهية والتطور الاقتصادي وغيرها الكثير من المجالات التي أصبحت تؤثر على الأمن القومي، كما أن هذه المجالات غيرت مفهوم الأمن القومي من مفهوم القوة العسكرية التقليدية البحتة إلى مفهوم القوة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية المتنوعة.
بعد هذا التغير احتلت مفاهيم "السياسة المدنية" و"الشفافية" و"التعددية والتشاور" مكانة كبيرة ومهمة في سياسة وثقافة الأمن القومي والسياسة الخارجية، ومن بين المؤثرين على سياسة وآلية عمل البيروقراطيين والسياسيين العاملين في مجال الأمن القومي والسياسة الخارجية، عن طريق سياستهم المدنية البحثية والعلمية، مراكز البحث الاستراتيجية التي تنتج العديد من المشاريع والأبحاث العلمية الخاصة بالمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يعود عهد تأسيس مراكز الأبحاث الاستراتيجية الأولى في تركيا إلى الستينيات من القرن الماضي، ولكن، خاصة في الفترة الأخيرة، شهدت تركيا ارتفاعًا ملحوظًا في عدد هذه المراكز، إذ وصل عدد مراكز الأبحاث الاستراتيجية في الآونة الأخيرة في تركيا، إلى أكثر من 600 مركز أبحاث استراتيجي معتمد. وأثرت هذه المراكز بشكل كبير على السياسة الخارجية التركية التي تحركت، في السنوات الأخيرة، بشكل كبير بناءًا على تحليلات مراكز الأبحاث هذه، وأكبر مثال على ذلك السياسة الناعمة التي طبقتها الخارجية التركية معتمدةً على تحليلات مركز الشرق الأوسط للأبحاث الاستراتيجية، وأبحاث "أحمد داود أوغلو" نفسه التي جُمعت في كتاب "العمق الاستراتيجي" و"التحول التاريخي"، هذه السياسة الناعمة كانت تعتمد على تسيير سياسة مدنية مع الدول المجاورة وترك المفهوم الأمني العسكري الصارم.
كما أن هناك أمورًا أخرى اعتمدت بها السياسة الخارجية التركية على مراكز الأبحاث، منها "الوضع الأخير لقبرص، ومستقبل الدولة القومية في المستقبل، ودور الولايات المتحدة في المنطقة في المستقبل، والرؤية الجديدة لحلف شمال الأطلسي".
ويؤكد البيروقراطي ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية في وزارة الخارجية التركية "بولنت أراس" أمر اعتماد السياسة الخارجية التركية على مراكز الأبحاث الاستراتيجية، قائلًا: "نحن في وزارة الخارجية في بعض الأحيان نشهد عمليات مكثفة ولا نستطيع تحليل كل الأمور في نفس الوقت لكثرتها واتساعها، وتجعلنا كثرة هذه الأمور وقصر الوقت في كثير من الأحيان نعتمد على تحليلات مراكز الأبحاث الاستراتيجية في اتخاذ قرارتنا. هذا الأمر ليس سائدًا فقط في تركيا بل إن أغلب الدول تفعل هذا، واليوم يسير جُلّ السياسة الخارجية الأمريكية بناءًا على تحليل مراكز الأبحاث الاستراتيجية".
ويعدد أراس مراكز الأبحاث التي تعتمد عليها السياسة التركية قائلًا: "من مراكز الأبحاث الموجودة في تركيا والتي نعتمد عليها في التحليلات السياسية والاقتصادية ويحدث بيننا وبينها تفاعل في مجال تبادل التحليلات مركز أوراسيا للأبحاث الاستراتيجية، ومركز آسيا للأبحاث الاستراتيجية، ومركز الشرق الأوسط للأبحاث الاستراتيجية، ومركز الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، ومركز أبحاث جامعة قادر خاص، ومركز أبحاث جامعة مضيق البسفور "بوغاز إيتشي" وغيرها الكثير من مراكز الأبحاث".
وفي نهاية التقرير يبين أراس أنّ "الحكومة التركية في بعض الأوقات تتعمد دعم بعض مراكز الأبحاث للاستفادة منها بشكل موضوعي وشفاف بعيد عن التحيز والانتماء السياسي للسير على نهج سياسي خارجي صائب، ونسمي هذه الخدمة "بخدمة المصدر الخارجي" فبعد قدوم هذه الأبحاث والتحليلات لنا نقوم بإرسالها مرة أخرى لمركز أبحاث أخر لإعادة بحثها والتأكد منها وبعد ذلك يتم بحثها وتحليلها من قبل مركز الأبحاث الخاص بنا، ونعتمد السرعة في التحليلات لأن قضايا السياسة الخارجية اليوم باتت متنوعة وكثيرة، والمخاطر أصبحت متنوعة وجمة وتحتاج السرعة حتى لا يفوت القطار".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!