ترك برس
سلّط تحليل صحفي نشرته شبكة الجزيرة القطرية، الضوء على محاولات أمريكية لعرقلة "اتفاق وتعاون استراتيجي" بين تركيا والعراق بعد أن قررا فتح صفحة جديدة دخلت فيها العلاقات الثنائية حقبة جديدة عنوان التعاون في مجالات عدة أبرزها الأمن ومكافحة الإرهاب والاقتصاد والتنمية.
كاتبة التقرير صالحة علام، قالت إنه "يبدو أن هناك حالة من القلق العميق انتابت الإدارة الأميركية على مستقبل حلفائها من عناصر وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني جراء زيارة الرئيس أردوغان لبغداد، والإعلان عن النتائج التي تمخضت عنها، وعلى الأخص المعلومات المتداولة إعلاميًا حول التوصل لاتفاقيات من خلال التوقيع على ستّ وعشرين مذكرة تفاهم في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياحية، بينما يرتبط خمس منهم بالتعاون في المجالات الإستراتيجية والعسكرية والأمنية ومكافحة الإرهاب والتصنيع الحربي."
وأضافت أنه "إذ تم الإعلان فجأة عن عقد مباحثات ثنائية مكثفة في مقر الخارجية التركية مع وفد أميركي برئاسة إليزابيث ريتشارد منسقة مكافحة الإرهاب بالخارجية الأميركية، حيث تم بحث القضايا المتعلقة بوجهة نظر أنقرة حول آليات مكافحة التنظيمات الإرهابية المنتشرة في المنطقة، وأبرزها تنظيم حزب العمال الكردستاني وامتداداته في كل من سوريا والعراق، إلى جانب كل من تنظيمَي داعش، ووحدات حماية الشعب؛ اللذين تصنفهما الدولتان تنظيمات إرهابية، والرؤية التركية للحفاظ على أمنها القومي، ووحدتها الجغرافية".
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
خلال هذه الاجتماعات أعادت تركيا على مسامع المسؤولة الأميركية رفضها التام التعاون مع تنظيم إرهابي لمكافحة تنظيم إرهابي آخر، أو تعاون دولة حليفة لها مع تنظيمات إرهابية مهما كانت المبررات الأميركية لهذا التعاون، في إشارة واضحة إلى تبريرات واشنطن لما تقدمه من دعم مطلق للتنظيمات الإرهابية، التي تخوض حربًا شرسة ضد الدولة التركية، انطلاقًا من معسكراتها على الحدود السورية والعراقية.
وهي الحجة التي تسوق لها دائمًا الإدارة الأميركية عند أي انتقادات تُوجَّه لها؛ بسبب تعاونها وتقديمها الدعم العسكري واللوجيستي لعناصر وحدات حماية الشعب المتمركزة في شمال شرق سوريا، مؤكدةً على لسان مسؤوليها أن ذلك يأتي في إطار حرب التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، في تجاهل تام لتأثيرات هذا التوجه على العلاقات الإستراتيجية التي طالما ميزت تعاونهما على مدى عقود.
تحرك لحماية حلفائها
التحرك الأميركي السريع جاء على ما يبدو كمحاولة تستهدف طمأنة حلفائها من عناصر وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، وإزالة مخاوفهم جراء الاتفاق الإستراتيجي التركي – العراقي، وما يرتبط منه بمكافحة الإرهاب.
إضافة إلى مواجهة التداعيات المحتملة للتعاون العسكري والإستراتيجي بين أنقرة وبغداد من بداياته، لما لهذا التعاون من تأثيرات تراها الإدارة الأميركية سلبية على حلفائها من العناصر المسلحة لكل من وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، المتواجدة على طول الشريط الحدودي بين تركيا وكل من سوريا والعراق، حيث تتعاون معها واشنطن في المنطقة.
خصوصًا بعد أن أعلن العراق منتصف الشهر الماضي، حزب العمال الكردستاني تنظيمًا إرهابيًا محظورًا من ممارسة أنشطته على أراضيه، عقب زيارة قام بها رئيس هيئة الأركان التركي لبغداد، بصحبة كل من وزير الخارجية، ورئيس جهاز الاستخبارات.
مما فتح الطريق أمام تعاون أعمق في مجال مكافحة الإرهاب، حيث تم الاتفاق على إنشاء مركز مشترك، مهمته الأساسية، وضع خطط عمليات مكافحة الإرهاب وملاحقة عناصره، في إطار الحفاظ على الأمن القومي، وتحقيق الاستقرار للبلدين.
أهداف محددة
إلى جانب العمل على تطويق نتائج العملية العسكرية التركية المزمع القيام بها داخل الأراضي العراقية، والمقرر لها أن تبدأ في القريب العاجل، حيث تسعى أنقرة من خلالها لتحقيق عدة أهداف تراها مهمة في هذه المرحلة الحرجة التي تمرُّ بها المنطقة، نتيجة التوترات والمواجهات التي تحدث على أكثر من جبهة، ومن هذه الأهداف:
1 – توسيع حدود المنطقة الآمنة بعمق ثلاثين إلى أربعين كيلومترًا على طول الحدود التركية المشتركة مع كل من العراق وسوريا، وهو ما ترفضه الإدارة الأميركية بشدة.
2 – تطهير المنطقة من جميع العناصر المسلحة، وإبعادها عن المناطق الحدودية التركية، التي تتخذها التنظيمات الإرهابية نقطة انطلاق للقيام بعملياتها الإرهابية التي تستهدف الداخل التركي.
3 – العمل على الانتهاء من البنية التحتية بالمنطقة الآمنة، وتجهيزها بما يسمح باستقبال مليوني لاجئ من السوريين المقيمين على أراضيها، مع التركيز على إنشاء عدد من التجمعات السكنية المناسبة، وتوسيع نطاق الأبنية الخدمية كالمستشفيات والمدارس والمحال التجارية والأسواق، وإقامة عدة مشروعات زراعية وصناعية؛ لاستيعاب الأيدي العاملة، وتوفير احتياجات السكان بها.
أنقرة تتجاهل واشنطن
أنقرة وفي سبيل إغلاق ملف الإرهاب الذي تعاني منه منذ عقود، والذي ترى أنه يتم توظيفه لعرقلة مسيرة تقدمها، قرَّرت تجاهل الموقف الأميركي، والاتجاه صوب اتفاقيات إقليمية تخدم رغبتها، وتحقَّق لها أهدافها، حتى وإن اضطرّت لتقديم بعض التنازلات من أجل تحقيق ما تريد.
لذا؛ سعت لإقناع بغداد بضرورة القيام بتأمين خط الحدود الفاصل بينها وبين الأراضي السورية من أجل قطع الطريق أمام التنظيمات الإرهابية، وتحديدًا التصدي لعناصر حزب العمال الكردستاني، وعرقلة أية محاولة لنقل معسكراتها من مناطق جبال قنديل ومخمور وغارا وأسوس إلى الداخل السوري.
يعتقد البعض أن هناك نقاطًا خلافية لا تزال عالقة بين أنقرة وبغداد، قد تؤدي إلى عرقلة ما تم التوافق بشأنه خلال زيارة أردوغان ولو جزئيًا، خصوصًا رؤية كل منهما لنهج مكافحة الإرهاب وآلياته، وفي هذا الإطار تأتي مسألة التوغل التركي داخل الأراضي العراقية؛ لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في مقدمة هذه الخلافات، إلى جانب رغبة تركيا في إنشاء قواعد عسكرية، وأبراج مراقبة في الشمال العراقي، ومسألة عمليات القصف اليومي التي يقوم بها سلاح الطيران التركي هناك.
وهي أمور تثير حساسية الجانب العراقي، حيث ترتبط بصورة مباشرة بمسألتي السيادة واستقلالية القرار، لكن حقيقة الأمر أن بغداد وكردستان العراق قررتا وضع مصالحهما الخاصة نصب أعينهما، وتحديد أولوياتهما المرتبطة بهذا الملف، وهو ما وضح جليًا من قرار العراق حظر أنشطة العمال الكردستاني، واعتباره تنظيمًا إرهابيًا، ورفض استمرار تواجد معسكراته وعناصره على أراضيه، ووضع تحركات عناصره تحت المراقبة الأمنية والعسكرية المستمرة.
إضافة إلى ما أبداه المسؤولون في أربيل من تفهم تام للمخاوف التركية، واستعداد للتعاون مع أنقرة إستراتيجيًا لمكافحة الإرهاب، وإغلاق هذا الملف، وهو الموقف الذي ثمّنته أنقرة، واعتبرته خطوة مهمة في طريق تحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.
حتى وإن كان لديها بعض المخاوف جراء العلاقات التي لا تزال تربط بين الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني، فإن التعاون الإستراتيجي الثلاثي الذي أصبح يربط بين أنقرة وبغداد وأربيل من شأنه الحد من تداعيات استمرار هذه العلاقة.
مخاوف العمال الكردستاني
والدليل على هذا، حالة القلق البالغ لدى قيادات العمال الكردستاني تجاه حجم الشراكة الإستراتيجية الجديدة التي تم الإعلان عنها خلال زيارة أردوغان لبغداد وأربيل، التي دفعته للجوء لواشنطن. فللمرة الأولى يجد الحزب نفسه وكأنه أصبح لقمة سائغة في فم أنقرة بمساعدة حلفائه السابقين، مما ينذر ببداية مرحلة أفول نجمه، وإمكانية إعلان هزيمته في المنطقة، رغم الدعم الأميركي المطلق الذي يحظى به هو ووحدات حماية الشعب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!