جو حمّورة - المدن
تبدو الأخبار الحديثة الواردة من أنقرة بالغة الجدية. إجتماعات أمنية وعسكرية، وخطط وخرائط، وإعلام يتكلم عن دخول تركي قريب إلى شمال سوريا.
هذه ليست المرة الأولى التي يعمد الجانب التركي إلى "التهويل" بأنه سيرسل جيشه إلى جنوب الحدود، وربما لن تكون الأخيرة. فمنذ بداية الثورة السورية إلى اليوم، عمدت القيادة التركية أكثر من مرّة إلى التهديد بالدخول إلى التراب السوري، مرّة بحجة إنقاذ المدنيين، ومرّة لحماية ضريح سليمان شاه، ومرات أخرى لمحاربة الإرهاب. إلا أن ما يُبث خلال هذه الفترة في الإعلام التركي ينذر بجدية تركية فائضة، توحي بها وسائل الاعلام.
ويعمد الإعلام التركي، عبر متابعته للتطورات ونقلها، إلى تحضير الرأي العام لأي تحرك تركي محتمل. فبداية، كانت صحيفة "يني شفق" المقرّبة من الحزب الحاكم سبّاقة في نشر معلومات عن تحضير الحكومة التركية لإصدار قرار مباشر للجيش للدخول إلى شمال سوريا. لم تثر معلومات "يني شفق" أي تكذيب ونفي رسمي، أو حتى تصريحات سياسية كثيرة تشكك في مصداقيتها، خصوصاً أن صحيفة "سوزجو" المعارِضة للحكم التركي دخلت على خط تأكيد الأنباء الواردة من الاجتماعات الأمنية والعسكرية. كما لم تنسَ الصحيفتان التذكير بموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثابت في أن تركيا "لن تسمح بإنشاء دولة كردية شمال سوريا مهما كلف الثمن".
وبحسب الإعلام التركي دائماً، تبدو العملية العسكرية إن تمّت، طويلة الأمد، وتتطلب بقاءًا تركيًا على الأرض السورية، وموجهة ضد القوات الكردية التي باتت تسيطر على مساحات واسعة من الحدود التركية – السورية. كما تعتبر السلطة التركية بشكل دائم وثابت، إن إمكانية قيام الأكراد بإنشاء كيان لهم في شمال سوريا يعرّض الأمن القومي التركي للخطر، ويفتح شهية كل الأقليات الأخرى على إنشاء كياناتها الخاصة.
غير أن الإعلام المشارك في بروباغندا التحضير للحرب، يشوبه بعض "النشاز" عند قرع طبولها. فالصحيفة الموالية للحزب العلماني المعارض "حرييت" أوردت أخبارًا "موثوقة" عن تردد قيادة الجيش التركي في المشاركة في أي عملية في سوريا، ما أجبر هذا الأخير على إصدار بيان رسمي نفى فيه هذا الخبر، وأكد أن الجيش التركي يعمل وفق توجيهات وأوامر السلطة السياسية الشرعية.
وفي إطار بروباغندا مضادة لتلك المقربة من الحكومة، عمد بعض الصحف التركية المعارِضة إلى نشر أخبار وتصاريح مخفِفة من العزيمة التركية. ومنها إفراد حيز مهم لتصريح رئيس الهيئة العامة لأركان الجيش التركي الأسبق الجنرال إلكر باشبوغ، الذي دعا الحكومة "إلى الدخول في تعاون مع الحكومة السورية لمواجهة أي خيار لتأسيس دولة كردية". فيما تناقلت صحف أخرى تهديدات قيادات كردية وصفتها بالخطيرة والجدية والقائلة إن الحرب على أكراد سوريا سترقى إلى هجوم على الشعب الكردي ككل ما سيؤدي إلى جرّ الداخل التركي إلى حرب أهلية.
تتعدد حملات البروباغندا التركية وتتنوع بين المتحمس للدخول البري إلى سوريا وبين المعارض له، فيما الأكيد أن أمراً ما يتم التحضير له خلف جدران الغرف السياسية المغلقة في أنقرة. كما يبدو أن الإعلام التركي يعمل بجدية أكبر في تحضير الرأي العام التركي لاحتمال التدخل في سوريا إن قورنت هذه الحملات بسابقاتها.
وفيما يبقى الرد التركي غامضاً إلى الآن، ويتأرجح بين تدخل بري طويل الأمد إلى رد حدودي محدود، ومروراً باحتمال فرض منطقة آمنة شمال سوريا (لم تبدِ واشنطن حماسة لها)، يبقى الأكيد أن التقدم العسكري للأكراد بات مزعجاً (علانية) لتركيا، ما سيجعلهم في مواجهة مع إعلامها، وربما عسكرها في الأيام القليلة المقبلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس