جو حمّورة - صحيفة المدن
تُقاس قوة حكام الدول بسياساتهم وبردود أفعالهم خلال الأزمات. أزمة اسقاط تركيا للطائرة الروسية في شمال سوريا، أظهرت حجم الارتباك لدى الدولتين. الجانب الروسي، بدا متخبطاً، وأظهر إعلامه شبقاً للانتقام جراء إسقاط طائرته الحربية قرب الحدود التركية – السورية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. فيما انتهج ساسة "غريمته" تركيا سياسة أكثر عقلانية، وفضّلوا البحث عن مخرج للأزمة المستجدة، لا تعميقها.
مع مرور أسبوعين على إسقاط الطائرة الروسية باتت الأزمة وراء الدولتين، واقتصرت المواجهة على بعض العقوبات الاقتصادية والسياحية هنا وهناك. فيما أظهرت الأزمة أن الإعلام التركي عقلاني وجدي أكثر، إذا ما قورن بالتصريحات المتضاربة والسياسات المبعثرة والشعبوية للإعلام الروسي.
التقييم الأخير لأداء الدولتين الاعلامي، أظهر أن كلاً منهما أولى أهمية لإقناع جمهوره بشكل أساسي بأن دولته تنجح في فرض سياساتها على الآخر، ولم يهدفا إلى ممارسة ضغوط معنوية جدّية على الدولة الأخرى. فنسي الجميع الطائرة الروسية وأسباب سقوطها بعد فترة، وانصرف الإعلامَ، في روسيا كما في تركيا، إلى شؤونه الخاصة.
في البداية، أثار إسقاط تركيا للطائرة الروسية زوبعة في فنجان العلاقة بين الشريكين الاقتصاديين. سُمع صدى أزمة الطائرة في أروقة الدول الكبرى، كما على الصفحات الأولى من الصحف العالمية. البعض توقع حرباً، وغيرهم أمل بانتقام روسي من تركيا، فيما قلل آخرون من شأن رد فعل الجانب الروسي، وفي مقدمهم الإعلام التركي.
وسعى الإعلام التركي إلى بث روح معنوية إيجابية في نفوس الأتراك كما فعل ساسة تركيا، فـ"لا حرب في الأفق مع الدبّ الروسي، والأزمة عابرة". وأجمعت الصحف التركية الورقية كما تلك الإلكترونية، على مُسلّمة واحدة، إذ أنها أفردت، وبشكل غير اعتيادي، الكثير من المساحة للمقالات ولتصريحات الخبراء التي تؤكد حاجة روسيا الاقتصادية للسوق التركي.
كما أظهر الإعلام التركي "سذاجة" إدارة الجانب الروسي للأزمة بين الدولتين. فإلغاء بعض الجامعات الروسية لبروتوكولات التعاون مع أخرى تركية أخذ حيزاً مهماً في الإعلام التركي. كما قيام الشرطة الروسية بالتضييق، وطرد بعض الطلاب الأتراك من مساكنهم في موسكو، لا شك أنه أظهر للأتراك، على الأقل، ضعف الجانب الروسي وردات فعله "الصبيانية".
واستغلت تركيا تعدّد سياسات روسيا الانتقامية ومحدودية معظمها في وجهتين. الأولى دفعتها للتقليل من قيمتها على الصعيد الإعلامي، فيما الثانية كانت دعوة لروسيا للجلوس على الطاولة "من أجل التفاهم"، من دون أن ترد على الإستفزاز الروسي بآخر. وكان تصريحان تركيان رسميان أخذا أهمية كبرى في الإعلام التركي خلال "المواجهة" مع روسيا، وتم تداولهما بشكل ضخم عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعية. أحدهما هو وصف رئيس الحكومة التركية، أحمد داوود أوغلو، التصريحات الروسية بـ"الدعايات السوفياتية البالية"، فيما كان الثاني هو التزام الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالاستقالة من منصبه في حال أثبتت موسكو إدعاءاتها بأن أنقرة تتعاون مع "داعش" في مجال النفط.
الإعلام سلاح الدول والسياسيين. أوغلو وأردوغان، إلى جانب الإعلام التركي، غيّرا البروباغندا الروسية ضد تركيا، فبات على الجانب الروسي إثبات مصداقية اتهاماته أمام العالم، فيما أبدى الجانب التركي استعداده للذهاب حتى النهاية في تحدي موسكو. الدليل في مقابل الدليل، والتصريح في مقابل التصريح، والمقال في مقابل المقال. البروباغندا تقنع من يضع نفسه في مرماها، فانتهت "المواجهة" الإعلامية بأن أثبت الإعلام التركي للأتراك أن لا تأثير لروسيا وسياساتها فيهم.
كذلك الامر، أظهر الإعلام التركي وحدته في مواجهة التحدي. فمعظم أحزاب المعارضة ساند الحكومة في مواقفها وأعمالها، وكذلك فعلت المؤسسات الإعلامية التابعة لها أو تلك التي تدور في فلكها. وكانت حصة الأسد الإعلامية لحزب "الحركة الوطنية" القومي المعارض، المعروف بشراسته في معارضة الحزب الحاكم، وذلك عبر تأييده المطلق للحكومة ووضع نفسه في خدمتها. فالوحدة الداخلية تصبح عنصر قوة عند الأزمات الكبرى والمخاطر الخارجية، وتختفي ثنائية المعارضة – الموالاة إلى حين انقشاع غبار الأزمة وعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس