ترك برس
تباينت آراء الخبراء والمحللين بشأن الأثر القانوني لقرار وقف العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، وسط تساؤلات عما إذا كانت أنقرة ستوسع نطاق عقوباتها الاقتصادية على إسرائيل في حال استمرت في ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
ولجأت تركيا إلى مجموعة من الإجراءات الاقتصادية المتصاعدة للضغط على إسرائيل من أجل وقف عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
هذا التصعيد شهد فشل الجهود الدبلوماسية والتهديدات السياسية، مما دفع أنقرة إلى تبني تدابير اقتصادية كوسيلة ضغط جديدة، تهدف إلى إرغام تل أبيب على إيقاف سلسلة الإبادة اليومية التي تمارسها بحق الفلسطينيين. بحسب تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.
وتمثلت الخطوة الاقتصادية الأكبر التي اتخذتها تركيا منذ بداية الحرب في قطاع غزة، في إعلان وزارة التجارة التركية -الأسبوع الماضي- تعليق جميع معاملاتها التجارية مع إسرائيل بعد أن بلغ حجم التجارة الثنائي 9.5 مليارات دولار، مشددة على أن تركيا لن تتراجع عن قرارها إلا بعد ضمان تدفق غير متقطع وكاف للمساعدات الإنسانية إلى غزة.
واتخذت تركيا سابقا جملة من الإجراءات الاقتصادية ضد إسرائيل منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تمثلت في تقييد تصدير بعض المنتجات إلى إسرائيل وإلغاء الخطوط الجوية التركية الحجز الإلكتروني المسبق لرحلاتها إلى إسرائيل حتى مارس/آذار 2025، والإعلان عن تعليق خطط للتعاون مع إسرائيل في مجال الطاقة.
علاقات تجارية قوية
وشهدت العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل نموا ملحوظا خلال العقود الماضية، ففي عام 2022، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى إسرائيل نحو 7 مليارات دولار، مقارنة بـ288 مليون دولار فقط في عام 1995، مما يعكس معدل نمو سنوي قدره 12.5%.
من جهتها، صدرت إسرائيل إلى تركيا بضائع بقيمة 2.33 مليار دولار في العام نفسه، ارتفاعا من 209 ملايين دولار في عام 1995، بمعدل نمو سنوي قدره 9.35%.
ومن حيث الترتيب العالمي للشركاء التجاريين، تُعد تركيا الشريك التجاري السابع الأهم لإسرائيل، في حين تأتي إسرائيل في المرتبة الـ11 بالنسبة لتركيا.
وفي سياق النقاش حول الأثر القانوني لقرار وقف العلاقات التجارية بين تركيا وإسرائيل، توضح الخبيرة في القانون المالي الدولي فوندا يافاشلار للجزيرة نت أن الاتفاقيات المبرمة بين البلدين تنص صراحة على إمكانية فسخها في حال عدم حل النزاعات خلال المفاوضات بين الأطراف، وأنها تصبح غير سارية بعد 6 أشهر من إشعار الفسخ.
أما بالنسبة لاتفاقية التجارة الحرة، فتبين يافاشلار أن الخلافات يمكن أولا معالجتها عن طريق تشكيل لجنة مشتركة، وفي حال عدم الوصول إلى حل، يحق لكل طرف اتخاذ تدابير بموافقة هذه اللجنة، شريطة أن تكون هذه التدابير الأقل ضررا للاتفاقية.
الطاقة كورقة ضغط
أوقفت تركيا في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خطط التنقيب المشترك عن النفط في البحر الأبيض المتوسط مع إسرائيل، وتصدير الغاز إلى أوروبا، كما ألغى وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار زيارة كانت مقررة لإسرائيل، على خلفية الحرب على غزة.
وكانت تركيا وإسرائيل بحثتا إمكانية إنشاء خط أنابيب تحت الماء يربط تركيا بحقل "ليفياثان"، أكبر حقول الغاز البحرية في إسرائيل، والذي يهدف إلى نقل الغاز الطبيعي إلى تركيا، ومن ثم إلى دول جنوبي أوروبا، في مسعى لتقليل اعتماد هذه الدول على الغاز الروسي.
وكان خط الأنابيب المقترح يرمي إلى ربط خط الأنابيب التركي-الأوروبي الرئيسي باحتياطيات الغاز في إسرائيل، والدول المجاورة كمصر والإمارات.
وفي هذا السياق، بدأ محللون اقتصاديون يناقشون إمكانية أن تفرض تركيا عقوبات اقتصادية أوسع تطال قطاعات الطاقة والنفط، وفي حديث للجزيرة نت، أوضح الباحث الاقتصادي في مركز سيتا للأبحاث بلال بغيش أن تركيا تخطط لاستخدام موقعها الإستراتيجي ومواردها الطاقية، منها الصادرات ذات الأهمية الإستراتيجية، لممارسة الضغط على إسرائيل. وفي المقابل، تسعى إسرائيل للرد بفاعلية من خلال تعزيز استغلالها لعلاقاتها مع الغرب وقدراتها اللوبية.
وتابع بغيش "تركيا اتخذت خطوات جادة في المرحلة الثانية من العقوبات ضد إسرائيل، حيث أوقفت كافة العلاقات التجارية شاملة الواردات والصادرات. وتثير هذه الخطوات جدلا واسعا حول ما إذا كانت تشمل أيضا حرية عبور السفن البحرية."
تقييد مسار النفط
وأشار بغيش إلى أن النفط القادم من كازاخستان وأذربيجان وتركمانستان يصل إلى إسرائيل عبر تركيا باستخدام خطوط أنابيب باكو-سوبسا وباكو-تبليسي-جيهان، مما يعقد من قدرة إسرائيل على إيجاد بدائل في الظروف الحالية، مؤكدا أن أي تقييدات تركية بهذا الشأن قد تفرض تحديات كبيرة على إسرائيل في ظل التوترات الإقليمية المستمرة.
ومن جانبه، نبّه الباحث الاقتصادي رسول أكتورك في حديثه للجزيرة نت، إلى المخاطر المحتملة التي قد تواجه تركيا في قطاع الطاقة، بسبب العلاقات المتوترة مع إسرائيل. ولفت إلى أن إسرائيل تقوم بإنتاج الغاز من حقلي تمار وليفياثان، ومن ثم تصديره إلى مصر حيث يتم تسييله وبيعه على أنه غاز مصري.
وأضاف أنه في عام 2022 وصل إلى تركيا حوالي 2.5 مليار متر مكعب من الغاز المصري، وكان جزء منه من إسرائيل.
وأكد الباحث الاقتصادي على أن هذا الوضع قد يمنح إسرائيل فرصة للضغط على تركيا، من خلال الإمكانية المحتملة لتقييد إمدادات الغاز إلى تركيا. وحذر من أن مثل هذه الخطوة قد تكون لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد التركي، مما يجعل تركيا في موقف ضعيف إذا ما تم قطع هذه الإمدادات.
حركة المرور البحرية
وحذّر الخبير البحري الإسرائيلي المنتسب إلى معهد دراسات الأمن القومي يغال ماور، في تقرير لصحيفة كالكاليست الإسرائيلية من إمكانية قيام تركيا بعرقلة حركة المرور البحرية عبر المضائق الرئيسية في حال تصاعد التوترات.
وأكد ماور على الضعف الكبير الذي تواجهه شرايين الحياة التجارية لإسرائيل، وعلى الحاجة الماسة لوضع خطط طوارئ لمواجهة مثل هذه الأزمات.
وانخفض عدد السفن المتجهة لإسرائيل عبر تركيا بنحو 30%، إذ أبحرت 701 سفينة من موانئ تركيا إلى إسرائيل، وهذا يعادل متوسط 8 سفن في اليوم في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، بحسب تصريحات وزير النقل التركي للجزيرة نت في وقت سابق.
في حين لفت الباحث الاقتصادي أكتورك إلى أن خطوة كهذه تعني شن حرب اقتصادية على إسرائيل، وقد يترتب عليها تطورات عالمية واسعة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!