ياسين أقطاي - يني شفق
يواصل الكيان الصهيوني الإرهابي مجازر الإبادة الجماعية في غزة أمام مرأى ومسمع العالم، بينما يسحق في الوقت نفسه جميع مشاعر الإنسانية وقيمها وكرامتها وشرفها. إن مشاهدة مثل هذا الظلم الفادح دون التحرك أو القدرة على فعل أي شيء لا يعد سوى إعاقة للإنسان. فمن يمتلك القدرة على فعل شيء ولا يفعله، ومن يستطيع إيقاف الظلم ولا يوقفه، فهو شريك مباشر في هذه الجريمة.
تعد الولايات المتحدة وأوروبا شريكتين مباشرتين في هذه الجرائم ضد الإنسانية. أما بقية دول العالم التي تبدي معارضة لهذه الممارسات لكنها لا تتخذ أي خطوات فعلية، فهي تساهم في ترسيخ شعورها بالعجز أمام هذه المجازر المستمرة، وكأنه قدر محتوم. لكن أهالي غزة قد أظهروا في السابع من أكتوبر أن هذا العجز ليس قدرا لا مفر منه. فقد أظهروا للعالم أن أسطورة "إسرائيل القوية التي لا تقهر" هي مجرد وهم زائف، وأن روايتها قابلة للتغيير وليست ثابتة. فبإمكانيات محدودة للغاية تمكنوا من فضح إسرائيل وإهانتها خلال ساعات قليلة. وبذلك أظهروا للعالم بأسره، الواقع تحت أسر القبضة الصهيونية، أنهم يستطيعون التحرر من قيود "إسرائيل" بسهولة إذا أرادوا.
يثبت أبطال غزة، الذين لم يعتمدوا إلا على الله تعالى في الأشهر السبعة الماضية، من خلال صمودهم المبهر، أن هذا الدرس ليس مجرد خيال عابر. لكن أولئك الذين يجب عليهم أن يتعلموا هذا الدرس ما زالوا يرفضون ذلك. فلا يزال زعماء العالم الإسلامي، الذين غرقوا في الفساد يلتزمون الصمت تجاه إسرائيل القاتلة ومن يحميها.
وذلك لأن قادة العالم الإسلامي يختلفون اختلافا كبيرا عن شعوب العالم الإسلامي ولنكن صريحين، لا يرجع تقاعس قادة العالم الإسلامي عن اتخاذ أي خطوات إلى الخوف من "إسرائيل" ومن يقف وراءها فحسب. فقد أثبت أهالي غزة بما يكفي أن هذه القوى ليست مخيفة. وما زالوا يثبتون ذلك.
لكن ما يغفل عنه الكثيرون في هذا السياق هو أن هؤلاء الحكام أنفسهم يتعاونون مع إسرائيل. فمنذ السابع من أكتوبر، تنتظر الدول الإسلامية الرائدة والأقوى بفارغ الصبر أن تسارع آلة الإبادة الإسرائيلية إلى القضاء على حماس. إن عداءهم لحماس أو للقضية التي تمثلها لا يقل عن عداء إسرائيل. في الواقع قد لا تكون إسرائيل هي من تستخدمهم، بل على العكس من ذلك هم يستخدمونها لاستمرار حكمهم وبقائهم في السلطة. لذلك، فإن طول أمد هذه الحرب يزعجهم أيضا. وللأسف فإن حملتهم ضد مؤيدي غزة والقضية الفلسطينية في بلدانهم لا تختلف عن حملات إسرائيل. فعلماء المسلمين الذين يُحتجزون ظلما وبلا سبب في سجون هذه الدول الإسلامية يتعرضون لسياسة كراهية لا تختلف عن سياسة كراهية إسرائيل تجاه المسلمين. فقتلُ العلماء سمة تاريخية لليهود. وبحبس علمائهم أو إسكاتهم وقتلهم، تحذو الدول الإسلامية حذو إسرائيل.
والحقيقة أنه عندما نطالب بوحدة جميع المسلمين ضد إسرائيل، من الأهمية بمكان، بل ربما من الأولوية أن ندعو الدول الإسلامية، قبل أي شيء آخر إلى اتباع نهج يحافظ على كرامة الإنسان تجاه شعوبها.
يسلط الإعلامي المصري معتز مطر، الحائز على جائزة أفضل مقدم تلفزيوني من قناة الجزيرة في السنوات الماضية، الضوء على حالة العجز التي تسيطر على الدول الإسلامية تجاه إسرائيل من منظور فريد للغاية. ففي الوقت الذي يذبح فيه الأطفال والنساء والشيوخ المسلمون بوحشية على يد "إسرائيل الصهيونية" في غزة، وبينما تقصف مستشفياتهم ومدارسهم ومساجدهم، وتحول غزة إلى أنقاض، يتجمع مئات الآلاف في نفس الوقت في مكة لأداء العمرة. بل إن الشوارع والطرقات تصبح مكتظة بالمعتمرين، نظرا لعدم قدرة المسجد الحرام على استيعاب هذا العدد الضخم. وبالطبع فهناك مئات الآلاف من هؤلاء يسيئون فهم دينهم. فبدلا من إنفاق أموالهم على غزة، المنطقة الوحيدة على وجه الأرض التي تحافظ على شعلة الجهاد، ينفقونها على أداء العمرة. وفي هذا السياق تواجد في رمضان الماضي أكثر من مليون مسلم يصلون ويعتكفون أمام الكعبة المشرفة. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لأئمة المساجد الذين يؤمون الناس، تلاوة سور "التوبة" و "الأنفال" و "الأحزاب" و "محمد" وكيف يمكنهم تلاوة قوله تعالى {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم} أمام كل هذه التناقضات؟
كيف يفسرون الآية 14 من سورة التوبة؟ وكيف يفسرون قوله تعالى في الآية 13 من سورة التوبة {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، والآية 41 {اِنْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِاَمْوَالِكُمْ وَاَنْفُسِكُمْ ف۪ي سَب۪يلِ اللّٰهِۜ ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ اِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} والآية 19 {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَٓاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ اٰمَنَ بِاللّٰهِ وَالْيَوْمِ الْاٰخِرِ وَجَاهَدَ ف۪ي سَب۪يلِ اللّٰهِۜ لَا يَسْتَوُ۫نَ عِنْدَ اللّٰهِۜ وَاللّٰهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِم۪ينَۢ} كيف يفهمون هذه الآيات؟ وكيف يفسرونها بينما يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذا التناقض؟
بشكل عام، لا أعتبر استبدال عبادة بأخرى أمرا صحيحا على الإطلاق. لكل عبادة مكانها الخاص، ولا يمكن استبدال عبادة بأخرى. لكن ما نشهده اليوم، خاصة في ظل التناقض الذي يحدث في غزة، يحتم علينا مراجعة مفهومنا للعبادة بشكل جذري.
فبينما يتعرض المسلمون في غزة لظلم ووحشية وإبادة لا مثيل لها، وبينما تسفك دماء المسلمين بسهولة هكذا، فإن أداء فريضة الحج والعمرة يظهر تناقضا عميقا لا يتماشى إطلاقا مع روح هاتين العبادتين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس