يوسف قابلان - يني شفق
إن المأساة الحقيقية لهذا البلاد هي أنها لا تعرف مأساتها، لأنها وقعت في حب جلادها. مما يحول تلك المأساة إلى مسرحية هزلية. فتضحك على ما يثير البكاء، وتبكي على ما يثير الضحك.
أعظم كارثة حلت بتركيا
في محاولة للإجابة على سؤال "ما هي تركيا؟" و "ما الذي حدث لتركيا خلال القرنين الماضيين؟"، فإني أقول دائما جملة أراها صادمة ومثيرة للتفكير، أركز عليها وأحرص على تكرارها في كل مناسبة: "إن أكبر كارثة يمكن أن تصيب مجتمعا ما هي جهله بما يحدث له. والأسوأ من ذلك هو عدم إدراكه لجهله. والأسوأ من ذلك كله هو عشقه لجلاده وتحوله إلى مجرد أداة في يده.
بعبارة أخرى، يتم جر البلد إلى حافة الهاوية، لكن سكانه لا يدركون أن الكارثة التي حلت بهم تتسلل ببطء وبشكل خبيث، لدرجة أنها ستؤدي إلى دمارهم. إنهم ينخرطون بسعادة في أعمال هامشية مدمرة بلا أساس، مشاريع هندسية هدامة ستؤدي إلى نهايتهم وتقودهم إلى الانتحار بأيديهم.
إن هذه العملية التي بدأت مع التنظيمات واكتسبت زخما مع الجمهورية، تمثل بداية كارثة إبعاد الإسلام عن الحياة. إن إبعاد الأفراد والمجتمعات والدول عن الحياة الإسلامية سيؤدي حتما إلى نهاية هذه المجتمعات واندثارها.
أقول حتما لأن الإسلام يمنح المسلمين نقاط مقاومة قوية، وكلما عاش المسلمون حياة إسلامية، استمر وجود الإسلام وتأثيره. لكن إذا ضعفت علاقة المسلمين بالإسلام، فسينسحب الإسلام من حياة هذا المجتمع لعدم تطبيقه ووجود كيان يحميه. وهذا ما حدث بالضبط في الأندلس.
لم تتم السيطرة على تركيا من الخارج، بل من الداخل
لم تواجه تركيا كارثة اندثار فعلية مثل الأندلس، لكنها تعاني من كارثة أندلسية ذهنية منذ التنظيمات. فليس هناك هجوم خارجي بل هجوم داخلي. فقد استولت عصابات "الدوشيرمة" بدعم من البريطانيين على الدولة، وأعلنوا حكم الأقلية البيروقراطية. حاصروا السلطان وأسروه، ونفذوا الخطوات التي أملاها عليهم الإمبرياليون خطوة بخطوة. وقعت هذه الانهيارات كلها على يد الدوشيرمه وأحفاد الدوشيرمه الحقراء، المتاجرين الخونة، الذين أغرقوا الدولة العثمانية في مستنقع الديون، وأدوا إلى إعلان إفلاسها، وفتحوا الطريق للانقلاب الداخلي السياسي على الدولة من خلال تأسيس البرلمان، حيث كان غالبية أعضائه من غير المسلمين.
سيقول البعض: "هل كان العثمانيون أغبياء أم نائمين؟ لماذا لم يتمكنوا من منع ذلك؟ هل القوى الخارجية هي المسؤولة دائما؟" إن من يقول هذا إما غبي أو متطفل.
لقد سعى الغربيون إلى إسقاط الدولة العثمانية من خلال الحملات الصليبية المتكررة منذ معركة نيقوبوليس عام 1396. حاربوا قرونا لإيقاف الدولة العثمانية وإسقاطها. ولكن قاوم العثمانيون أيضا لقرون، ووصلوا إلى أعماق أوروبا، ونشروا عدالة الإسلام والأخوة والسلام في البلقان، وأسلم أهل البلقان.
أثار ذلك خوف الغربيين. وبعد احتلال أمريكا ونهبها واندلاع الثورة الصناعية، ازدادت قوتهم المادية. فشنوا هجوما إمبرياليا واستعماريا ضخما قضى على جذور جميع الحضارات، ودمر جميع الثقافات، وحول جميع الأديان إلى خرق بالية. لقد استعبدوا العالم.
ماذا سيحدث إذا لم نتمكن من التخلص من الدوشيرمة"؟
لا يحكم هذا البلد أبناؤه الحقيقيون. لا يشكل أبناء هذا المجتمع الحقيقيون المسلمون الصادقون، مصير هذا البلد ومؤسساته ومساره.
وكما أقول دائما إن الدوشيرمة وأتباعهم يتحكمون في شكل واتجاه الأمور، إنهم شبكة تضم حوالي 40-50 ألف شخص. هناك 350 عائلة تتحكم بمصير البلاد، حيث يسيطرون على كل شيء فيه، من الثقافة إلى الإعلام، ومن التعليم إلى البيروقراطية العالية. وهذا هو الحال منذ قرنين من الزمن.
لقد سُلبت هذه الأرض منا قبل قرنين من الزمان. وها نحن نناضل لاستردادها منذ ذلك الحين. منذ عهد عبد العزيز إلى عبد الحميد، ومن مندريس إلى أوزال، ومن محسن يازجي أوغلو إلى أربكان وأردوغان، يخوض أبناء هذه الأرض الأصلاء معركة ضد الدوشيرمة وأذنابهم الذين استولوا على البلاد. تعرض جميع هؤلاء، باستثناء أردوغان، إما للانقلابات والإطاحة بهم، أو الاغتيال والشهادة. بغض النظر عن موقفك من أردوغان، لا يمكن إنكار حقيقة أنه يقاوم. بل إنه يحرز تقدما في عملية تطهير البلاد من الذين استولوا عليها.
هل المسافة التي قطعناها كافية لمستقبلنا؟ أعتقد أنها غير كافية، ولكن على الأقل لا تزال المقاومة مستمرة، ويجب تحويل هذه المقاومة إلى بناء مستقبل إسلامي.
إن أكبر خطأ ترتكبه شرائح المجتمع الإسلامي في هذا البلد هو انتظار بناء مستقبل إسلامي من خلال السياسة. إن الخطوات الجذرية في مجالات الفكر والثقافة والفن والأخلاق والجماليات والتخطيط العمراني والعمارة والزراعة، والأهم من ذلك كله، التعليم، وتربية أجيال مؤمنة تكرس نفسها لبناء مستقبلنا، هي السبيل الوحيد أمامنا.
هذا ما أسعى جاهدا لتحقيقه من خلال مدرسة " الوعي الحضاري "، نسعى جاهدين لتربية جيل رائد يمهد لنا الطريق، ولزرع بذور خصبة تنبت لنا أمثال الإمام الغزالي والرازي وسنان والعطري.
لا سبيل غير هذا. إنها الطريقة الأكثر ذكاء وفعالية لإنقاذ أطفالنا وبلدنا من الفناء، ليس إنقاذ الحاضر، بل بناء المستقبل وإنقاذه.
إذا لم نكن قادرين على تربية رجال يبنون مستقبلنا، فلن نتمكن من تحرير البلاد وأطفالنا من قبضة شبكات الماسونية البارونية التي تخدم النظام العالمي وتقوي مصالحه دون تردد في تقويض أسس بلدنا.
سأستمر إن شاء الله في مناقشة هذه المسألة بمقتراحات ملموسة. والسلام.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس