ترك برس
قال وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك إن بلاده استعادت ثقة المستثمرين الأجانب، مستشهدا على كلامه بالتدفقات المالية الأجنبية مؤخراً.
وقال شيمشك (57 عاماً)، في مقابلة في أنقرة: "غمرتنا التدفقات النقدية الأجنبية الداخلة إلى البلاد".
ويتبع نهجاً مبسطاً يؤكد أن السياسات المالية "الرشيدة" عادت إلى تركيا بعد فترة من الاضطرابات والأزمات الاقتصادية. ويبشر هذا التحول بجعل ديون البلاد بالليرة إلى استثمار جذّاب يلقى إعجاب مديري الأموال عالمياً.
استلزم الأمر نحو عام، وسلسة من زيادة أسعار الفائدة هي الأكثر جرأة على مستوى العالم، حتى يتمكن وزير الخزانة والمالية، الذي سبق أن عمل محللاً استراتيجياً للسندات في بنك "ميريل لينش"، من ترسيخ هذه الرؤية لدى المستثمرين. وعلى الرغم من هذه التحسينات، تواجه تركيا تحديات عدة؛ إذ يقف معدل التضخم حالياً عند حوالي 70%، ويُتوقع أن يرتفع هذا الشهر.
مع ذلك، يثق معظم المستثمرين الأجانب حالياً بأن ارتفاع الأسعار سوف يتباطأ بسرعة بحلول نهاية عام 2024. كما أن الأتراك أكثر إيجابية، إذ يبادر الكثير منهم إلى نقل أموالهم من حسابات الدولار إلى الليرة، ما يساعد العملة التركية على تعويض بعض الخسائر التي تكبدتها هذا العام، بحسب تقرير لـ "الشرق".
كان الأجانب قد غابوا عن سوق السندات التركية، حيث أدت حملة الرئيس رجب طيب أردوغان لخفض أسعار الفائدة إلى تضخم جامح. لكن إعادة انتخاب الزعيم التركي قبل عام وتعيينه اللاحق لشيمشك كان بمثابة تحوّل في السياسات، فيما سجل تدفق رأس المال الأجنبي في الآونة الأخيرة وتيرة قياسية.
استغلت تركيا التدفقات من خلال شراء الدولارات لإنعاش خزائنها المستنزفة. ارتفع مركز النقد الأجنبي الأساسي للبنك المركزي بمقدار 49 مليار دولار منذ مارس، وهي أكبر زيادة على الإطلاق، وفقاً لـ"غولدمان ساكس".
من خلال توجيه الزيادات المفاجئة إلى الاحتياطيات، تتجنب تركيا ما وصفه شيمشك بالارتفاع المفرط في قيمة الليرة. فقد انخفضت هذه النسبة بنحو 8% خلال العام الجاري، لكن وزير المالية حريص على تجنب ارتفاعها المفرط من الآن، وهو أمر من شأنه أن يضر بالمصدّرين الأتراك.
استعادة ثقة المستثمرين
وقال شيمشك إن "الجمع بين السياسات السليمة والتحول الهيكلي يعد سرداً جيداً يمكّننا من استعادة ثقة المستثمرين. وهذا يعزز تفضيلات محافظ الاستثمار لصالح الأصول التركية، وهو ما يترجم إلى تدفقات، مما يمكّننا من دعم استقرار سعر الصرف الحقيقي".
يوصي عدد من البنوك مثل بنك "بي إن بي باريبا" المستثمرين بشراء سندات الليرة قصيرة الأجل، والتي تبلغ عائداتها حوالي 40%. ولا يعارض شيمشك ما يسمى بتدفقات الأموال الساخنة، التي حمّلها أردوغان لسنوات مسؤولية زعزعة استقرار اقتصاد حجمه حالياً 1.1 تريليون دولار، لكنه يعتقد أن التحول إلى السندات طويلة الأجل ليس سوى مسألة وقت.
قال إن "برنامجنا لا يعتمد على الأموال الساخنة"، مضيفاً: "سأكون مندهشاً للغاية إذا لم يتحمل المستثمرون مخاطر المدة"، في إشارة إلى السندات طويلة الأجل.
تجاوزت تدفقات المحافظ إلى الأصول التركية 25 مليار دولار منذ نهاية مارس، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف المبلغ في الأشهر الخمسة السابقة، وفقاً لبنك "كيو إن بي فينانس بنك" (QNB Finansbank).
مع ارتفاع مشتريات الأجانب من السندات، تدفق حوالي خُمس الإجمالي إلى الدين المحلي، الذي ذهب معظمه إلى "منتجات سندات قصيرة الأجل تشبه اتفاقيات إعادة الشراء"، حسبما ذكر البنك التركي في تقرير. تشير التقديرات إلى أن بقية المبالغ موّلت استثمارات في تجارة الفائدة بالليرة التركية ذات العائد المرتفع.
تجارة الفائدة
كانت تجارة الفائدة التركية واحدة من أفضل الصفقات بالنسبة إلى مستثمري الأسواق الناشئة هذا العام. حقق الذين يقترضون بالدولار ويستثمرون بالليرة أكثر من 11%، وفقاً للبيانات التي جمعتها "بلومبرغ". وذلك لأن العائدات المرتفعة على السندات المحلية التركية عوضت انخفاض قيمة الليرة.
مع ذلك، لن يُستكمل الوفاق مع مستثمري المحافظ حتى يبدأ التضخم في التباطؤ، وتخفف تركيا القيود المفروضة على مقايضات العملات الخارجية، والتي تُعتبر ضرورية للتحوط من الانكشاف على الليرة. استُخدمت تلك القيود لتثبيت الليرة.
تعود اللوائح إلى عام 2018، عندما خفضت تركيا مبلغ الليرة المسموح للبنوك التجارية بإقراضها لنظيراتها الدولية بعد أزمة العملة في ذلك العام.
قال شيمشك إن تركيا تستكشف سبلاً لتخفيف الترتيبات الخاصة بطروحات في الأسواق الخارجية، ويمكن أن تبدأ عقود مقايضة طويلة الأجل. وأضاف: "نعلم ما يجب القيام به، لكن توقيته وتسلسله ونطاقه لم يتحدد بعد".
"لحظة الانتعاش"
سوف يظل زخم الإصلاح المحلي في دائرة الاهتمام بالنسبة إلى المستثمرين، حتى مع إعلان بنوك وول ستريت مثل "سيتي غروب" أن التحول في معنويات السوق في جميع أنحاء تركيا جعلها "على وشك لحظة الانتعاش".
حتى في أعقاب دورة قوية من ارتفاع أسعار الفائدة، فإن التضخم يعد من بين الأسرع في العالم، ومن المرجح أن يبلغ ذروته بنحو 75% في الشهر الجاري، قبل أن يبدأ التباطؤ في هذا الصيف.
إلى جانب معدل التضخم الذي لا يزال من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم، يراقب المستثمرون لمعرفة ما إذا كانت تركيا ستكبح جماح الإنفاق، أو على الأقل ستتخلص من الزيادات السنوية الكبيرة التي كانت سمة من سمات السنوات الأخيرة.
تقول وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني إن الموقف المالي للبلاد لا يزال "توسعياً بشكل واضح"، على رغم ترشيد الإنفاق العام الذي أعلنه شيمشك في مايو.
مع ذلك، فإن مرور أربع سنوات من دون إجراء انتخابات كبرى يمثل مهلة لمسؤولين مثل شيمشك لتهدئة الاقتصاد من دون تكبد الثمن فوراً في صناديق الاقتراع.
قال: "ما زلنا في المراحل الأولى من التنفيذ"، في إشارة إلى الجهود المبذولة لتوسيع القاعدة الضريبية ومكافحة اقتصاد الظل. وأضاف: "لا أقول إننا تغلبنا على كل التحديات، لكننا أحرزنا تقدماً مناسباً".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!