سلجوق ترك يلماز - يني شفق

إن إسرائيل من صنع بريطانيا. وهذه حقيقة لا جدال فيها. فالصهيونية التي أوجدت إسرائيل كانت أيضا أيديولوجية استعمارية. ورغم توافق الصهيونية في العديد من الجوانب مع العنصرية الألمانية من حيث الأفكار الأساسية، إلا أنها من صنع بريطانيا. وإذا نظرنا إلى أنشطة الاستعمار البريطاني، خاصة في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، ونتائجها، تصبح أوجه التشابه بين الصهيونية والانتشار الأنجلو ساكسوني واضحة. فالأهداف لكليهما متشابهة للغاية.

لا ينبغي أن نحدد بداية العلاقات الأمريكية في منطقة الدولة العثمانية والإسلامية بالحرب العالمية الثانية أو الأولى، بل يجب علينا العودة إلى القرن التاسع عشر لوضع أنشطة هذه الدولة في السياق الصحيح. فلا يمكن فهم ما وراء الأنشطة التبشيرية وإيديولوجية المدارس الأمريكية التي تطورت في هذا الإطار دون ربطها بسياق التوسع الاستعماري. هناك عناصر أخرى مهمة يجب إدراجها في هذا السياق. فمثلا عندما نكشف عن الخط الأيديولوجي لأنشطة الشركات الكبيرة والصغيرة في بلاد الشام، سنتمكن من فهم الماضي والحاضر بشكل أفضل. ولكن يجب علينا أولا توضيح ماهية هذا الخط الأيديولوجي.

إن حشر أوروبا كلها في سلة واحدة يبعدنا عن الواقع، من هذا المنطلق يجب التركيز على العناصر الأساسية للخط الأمريكي-البريطاني وإبراز اختلافاتها عن العناصر الأخرى. لأنه بعد فترة طويلة، يمكننا أن نرى أن إنجلترا والولايات المتحدة تتبعان أيديولوجية صلبة يصعب قبولها. ويجب تحليل هذه الصلابة الأيديولوجية. فقد شاركت الولايات المتحدة، مثل بريطانيا بشكل فعلي، في تأسيس إسرائيل خلال الحرب العالمية الأولى، لكن أنشطتها في شرق البحر المتوسط ​​تعود إلى القرن التاسع عشر.

إن طبيعة العلاقة بين برطانيا والولايات المتحدة تتجاوز بكثير نطاق هذا المقال، ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، يجب أن نتذكر علاقة الخلف بالسلف والتداخل بينهما. ومن اللافت للنظر الخطوات الحماسية التي اتخذها الألمان في سبيل الانضمام إلى هذا الثنائي. فقد شاركوا هم أيضا في عملية إنشاء إسرائيل خلال الحرب العالمية الأولى. ونعلم أن بعض الممثلين الألمان في إسطنبول، على الرغم من كونهم حلفاء لنا، كانوا يشعرون بالقلق من نجاح عملية القناة. ولكن هذا لا يعني أن بريطانيا والولايات المتحدة تمكنتا من حشد دعم جميع أنحاء أوروبا لمشروع إسرائيل. فمن بين الدول الأوروبية أعلنت إسبانيا وإيرلندا والنرويج اليوم، اعترافها بفلسطين كدولة ذات سيادة على كامل أراضيها. وهذا يظهر لنا أن هذه الدول لا تريد الانضمام إلى نفس القارب. إذا، ماهي الدول التي اتبعت خط بريطانيا-الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية ولماذا؟ هل يمثل هذا الموقف خضوعا لهذه الدول، أم أنها شاركت في بناء إسرائيل كمشروع استعماري جماعي؟ إذا قمنا بتحليل خطوات إسبانيا وإيرلندا والنرويج بشكل جيد، فسنجد الإجابات الصحيحة لهذه الأسئلة. كان هناك اتفاق مرحلي بدلا من وحدة ذات مغزى. والآن نشهد انهيار هذا الاتفاق. وبالطبع يثير هذا أسئلة جديدة تتطلب إجابات.

وكما ذكرنا في مقال سابق فإن العمليات التي نفذها ممثلو الجماعات الإرهابية الإسرائيلية ضد ممثلين أوروبيين وأطراف أمريكية وبريطانية، كانت جزءا من خطة محددة. واليوم تنفذ الدولة الإسرائيلية نفس الأعمال الإرهابية. هذه الأنشطة الإرهابية التي نفذت في إطار خطة محددة كانت تجسيدا لفكرة معينة على أرض الواقع. ولولا دعم بريطانيا والولايات المتحدة للجماعات الإرهابية الإسرائيلية والدولة الإسرائيلية، لما تجرأ أحد على القيام بهذه الأعمال الإرهابية. فكان هناك اتفاق بين "البنى العميقة" الأنجلو ساكسونية والصهيونية، وقد شكلت هذه "البنى العميقة" القرن العشرين بأكمله.

وقد تأثرت كل من أوروبا والعالم الإسلامي بشكل مباشر بهذا الأمر. ولا يمكننا أن نختزل هذه البنى العميقة فقط في "رأس المال اليهودي" أو البرجوازية الأنجلو سكسونية، بل كانت هذه المكونات جزءا أساسيا مما نسميه "عقلية الدولة". ولم يتمكن المثقفون الفرنسيون والطبقة الوسطى الألمانية من الصمود أمام هذه "البنى العميقة". كان القوميون والمعارضون، الألمان والفرنسيون مجرد أدوات مفيدة في يد مثلث الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.

يمكننا أن نوجه اللوم لأنفسنا أيضا. فما كان للأكاديميين والمثقفين الأتراك المشهورين أن يتهربوا من المسؤولية من خلال القول إنهم "باعوا أراضيهم". ففي نهاية المطاف كانت الأراضي التي يقال إنها بيعت جزءا من منطقة الدولة العثمانية والإسلامية في وقت مضى.

وفي هذه المرحلة يجب علينا تخصيص مكانة خاصة لحركة حماس، التي وصفها الرئيس أردوغان بالقوة الوطنية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس