ترك برس
خلال الأشهر السبعة الماضية، شهدت غزة إبادة جماعية وحشية على يد إسرائيل، تتجاوز في قسوتها ما ارتكبه المسيحيون في العصور الوسطى وهتلر ضد اليهود، وفقًا لما ذكره الكاتب والإعلامي التركي إحسان أقطاش.
ويرى أقطاش في مقال بصحيفة يني شفق أن هذا الوضع كشف عن اختبار كبير للإنسانية جمعاء، حيث أظهرت الدول والشعوب ووسائل الإعلام مواقفها الحقيقية.
وأشار أقطاش إلى أن العديد من دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، تبدو تحت حصار الصهيونية، مما يبرز عدم حرية السياسيين في تلك الدول.
وأوضح أن الدول العربية، باستثناء مصر وقطر، فقدت تأثيرها، وأن تأثير المملكة العربية السعودية في السياسة الخارجية قد تراجع بشكل ملحوظ. كما اتخذت الصين وروسيا مواقف حذرة، حيث تسعى الصين لتجنب تصعيد قضية تركستان الشرقية، بينما توازن روسيا بين الحرب الأوكرانية والقضية الفلسطينية.
وذكر أقطاش أن وحشية إسرائيل في غزة أسقطت أقنعة الزيف، وأظهرت للعالم الوجه الحقيقي للقلوب المتعطشة للدماء. وأصبحت مقاومة الشعب الفلسطيني رمزًا جديدًا للأمل في السعي نحو العدالة والضمير.
وأضاف أن الناس في جامعات الولايات المتحدة وشوارع أوروبا أبدوا تضامنًا كبيرًا مع غزة، متحدين النظام العالمي، مما يمثل صحوة إنسانية جديدة. وأكد أن الصهيونية أظهرت سيطرة خطيرة على العالم، حيث تحولت نظريات المؤامرة إلى حقيقة واقعة.
وبيّن أن التضامن العالمي والوعي المتزايد بقضية غزة يمثلان رموزًا لضمير الإنسانية وسعيها نحو العدالة، مشيرًا إلى أن هذه المواقف تعكس صحوة إنسانية جديدة وقوة تضامن عالمي غير مسبوقة.
وفيما يلي نص المقال:
خلال الأشهر السبعة الماضية، ارتكبت إسرائيل جريمة إبادة جماعية في غزة تفوق في وحشيتها ما فعله المسيحيون في العصور الوسطى وهتلر ضد اليهود. وأمام هذه الوحشية، واجه كل إنسان حي على وجه الأرض اختبارا. فكان هذا الاختبار اختبارا للإنسانية بأكملها.
وأظهرت الدول هويتها في مواجهة هذا الاختبار. وبصرف النظر عن الدول، أظهر السياسيون أيضا هوياتهم وشخصياتهم. واتضح مدى حرية وسائل الإعلام. واتخذت بعض الشعوب موقفا موحدا.
لقد بات واضحا أن العديد من دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، تقع تحت حصار الصهيونية. لقد رأينا أن رؤساء الدول والبرلمانيين ليسوا أحرارا. وأدركنا من ردود فعل بعض الأشخاص في بلادنا أن الصهيونية قد وصلت إلى كل بقعة على وجه الأرض.
أدركنا مجددا أن الدول العربية، باستثناء مصر وقطر، لم تعد تمتلك القدرة على التأثير. واختبرنا بشكل خاص مدى ضعف تأثير المملكة العربية السعودية في السياسة الخارجية. اتخذت الصين وروسيا مواقف حذرة للغاية، مع أن مقارنة الحرب الأوكرانية والقضية الفلسطينية قد تمنح روسيا فرصة لالتقاط أنفاسها. وأما الصين فقد رجحت التزام الصمت إزاء هذه الإبادة الجماعية لضمان عدم تصاعد قضية تركستان الشرقية إلى الساحة العالمية. ولكن ستواجه الصين الغرب بشأن تايوان، ولن يفلت هذا الموقف المتناقض من انتباه الرأي العام العالمي.
ماغيرته إبادة غزة في العالم
من الآن فصاعدا، لن يتمكن أي يهودي أو صهيوني من ذرف دموع التماسيح والحديث عن المحرقة، لقد سقطت أقنعتهم وكشفت مدى سوء قلوبهم وتعطشها للدماء، ناهيك عن وجوههم. قبل الحرب لم يكن هناك أي نقاش حول وجود قيم الإنسانية والشعور بالعدالة والضمير. لقد أصبحت القضية الفلسطينية ومقاومة جيش القسام وصمود شعب غزة في مواجهة الدمار الكبير والإجراءات القاسية رمزا جديدا للأمل في سعي الإنسانية للعدالة والضمير في الكون.
في جامعات الولايات المتحدة وشوارع أوروبا والعديد من الأماكن الأخرى، تعرض الناس للضرب والاعتقال وواجهوا تهديدات كبيرة من أجل أشخاص لم يسبق لهم رؤيتهم. ورغم ذلك لم يتراجعوا عن تحديهم النظام العالمي. يمكننا أن نطلق على هذا الوضع صحوة إنسانية جديدة.
لقد أدرك الجميع، سواء كانوا أصدقاء أو أعداء، مدى قوة وسيطرة الصهيونية على العالم. وتحولت هذه السيطرة إلى حالة أكثر خطورة من سيطرة المافيا، حيث تحولت نظريات المؤامرة إلى حقيقة.
ورغم حصار وسائل الإعلام التقليدية، ومساعي فيسبوك وإنستغرام لإخفاء الإبادة الجماعية في غزة من خلال برامج خاصة، إلا أن شعوب العالم شهدت الوحشية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتمكنت من إبقاء الموضوع على جدول الأعمال من خلال سلسلة من الاحتجاجات. وأصبح من الواضح مدى اتساع الفجوة بين كبار صانعي القرار في النظام العالمي وبين الشعوب. وبدأ علماء السياسة وعلم الاجتماع يتحدثون عن هذه الفجوة. كما أظهرت الولايات المتحدة التي تروج للديمقراطية والليبرالية الجديدة للعالم، كيف يمكن أن تتخذ موقفا قمعيا تجاه مجموعات النخبة من الطلاب والأكاديميين الذين يمثلون مستقبلها.
يعتقد العديد من الأكاديميين والزعماء الفكريين الأمريكيين أن الولايات المتحدة ليست دولة كهذه، وأن هذا الوضع قد تسبب في صدمات عميقة في المجتمع، ستفهم تداعياتها مع مرور الوقت.
باختصار، انقسمت البشرية إلى قسمين: قسم يقف إلى جانب فلسطين - وبالتالي إلى جانب العدل والضمير - وقسم يقف إلى جانب الظلم والاستعمار، وخاصة الصهيونية.
الأيرلنديون والجامعات الأمريكية
تقدمت دولة جنوب أفريقيا بطلب إلى المحكمة الجنائية الدولية. ووقفت تركيا في صفها في هذه القضية. وأكد أردوغان، الذي يعتبر قائد المظلومين في العالم، في كل فرصة أن إسرائيل دولة ترتكب الإبادة الجماعية. ولا تزال هذه الموجة آخذة في الارتفاع، ولم تواجه إسرائيل منذ تأسيسها مثل هذه العزلة.
تستحق أيرلندا وجامعات الولايات المتحدة مكانة متميزة لموقفها خلال هذه العملية. كما اتخذ نادي سلتيك، أحد أهم مؤسسات أيرلندا، موقفا جماعيا لدعم غزة، معتبرا أن كل ممتلكاته كمباراة بين فلسطين وإسرائيل. لقد أبدى الشعب الإيرلندي حساسية كبيرة تجاه القضية، وشهدت برلماناتهم خطابات من شأنها أن توقظ الضمير. وأوضح رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار، وهو ينظر إلى وجه بايدن، سبب وقوف الأيرلنديين إلى جانب فلسطين، قائلا: "عندما أسافر حول العالم، يسألني القادة غالبا "لماذا يشعر الأيرلنديون بمثل هذه التعاطف مع الشعب الفلسطيني؟". والجواب بسيط؛ نرى تاريخنا في أعينهم. قصة النزوح، ومصادرة الممتلكات، وعدم الاعتراف بالهوية الوطنية، والهجرة القسرية، والتمييز والجوع..."
أما طلاب الجامعات الأمريكية، الذين يمثلون مستقبل هذا البلد، فقد أظهروا وعيا كبيرا بقضية غزة. وأصبحوا نموذجا يحتذى به في الجامعات حول العالم. يمكن لمنظمات المجتمع المدني في الدول المسلمة، وللأشخاص الذين يشعرون بالمسؤولية، أن يتخذوا من الإيرلنديين كشعب ومن الجامعات الأمريكية، قدوة ونموذجا.
أصبحت هذه التضامنات والوعي رمزا يمثل ضمير الإنسانية وسعيها للعدالة. وأبرزت المواقف المساندة لغزة ضد هذه الإبادة، صحوة إنسانية جديدة وقوة التضامن العالمي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!