ياسين أقطاي - يني شفق
نشر مؤخرا في صحيفة الغارديان البريطانية مقال إخباري يحذر من "تدهور لا رجعة فيه" تواجهه الجامعات البريطانية. واستند كاتب المقال، ريتشارد آدامز محرر التعليم في الصحيفة، إلى أحدث تقرير صادر عن مؤسسة "كواكواريلي سيموندز" "كيو اس" المتخصصة بتصنيف الجامعات حول العالم. ووفقا للتقرير تراجعت 52 من أصل 90 جامعة شملها التصنيف هذا العام مقارنة بالعام الماضي. ويرى ريتشارد آدامز، محرر التعليم في صحيفة الغارديان، أن هذا التراجع يهدد بعض مؤسسات التعليم العالي العريقة في برطانيا بالإغلاق.
ويشير التقرير إلى أن 20 جامعة فقط من بين 90 جامعة شملها التصنيف شهدت تحسنا نسبيا في ترتيبها، بينما سجلت باقي الجامعات انخفاضا، وشهدت باقي الجامعات ركودا في ترتيبها. ويعد تراجع جامعة كامبريدج، وهي جامعة بريطانية تاريخية وعريقة، مثالا على هذا التراجع. فقد احتلت الجامعة المرتبة الثانية في تصنيف العام الماضي، بينما تراجعت هذا العام إلى المرتبة الخامسة.
تصنيف "كيو اس" هو تصنيف سنوي لقياس وتقييم الجامعات. يتم نشره من قبل مؤسسة "كواكواريلي سيموندز" "كيو اس" البريطانية المتخصصة في التعليم. في الفترة ما بين عامي 2004 و2009، تعاونت مؤسسة "كيو اس" بشكل مشترك مع مجلة "تايمز للتعليم العالي"، التي تنشر نتائجها الخاصة حتى اليوم. وتمتلك "كيو اس" وحدة استخبارات مسؤولة عن تجميع التصنيفات، وتجمع البيانات من آلاف المشاركين الأكاديميين كل عام للوصول إلى نتائجها، وتعتبر من قِبل الأوساط الأكاديمية المستقلة، مؤسسة موثوقة للغاية.
وفي تقييمات هذا العام، تم تقييم 5663 مؤسسة تعليم عالي من جميع أنحاء العالم، ولكن 1503 فقط منها تم إدراجها في التصنيف. وتعتمد التقييمات على عدة معايير، حيث يتم مراعاة ما يلي: 30% للاعتراف الأكاديمي، 15% للاعتراف من قبل أصحاب العمل، 20% لعدد الاستشهادات لكل أكاديمي، 10% لعدد الطلاب لكل أستاذ، 15% للتدويل، 5% للاستدامة، و5% لنتائج التوظيف.
تم تقييم الجامعات التركية أيضا وفقا لهذه المعايير، وأظهرت نتائجها ارتفاعا ملحوظا على عكس ما شهدته جامعات المملكة المتحدة. ويشمل تصنيف هذا العام 25 جامعة تركية، كما في العام الماضي. ومع ذلك في العام الماضي، كانت هناك 3 جامعات تركية فقط ضمن أفضل 500 جامعة، بينما ارتفع هذا العدد إلى 5 جامعات هذا العام. كما أن 15 من أصل 25 جامعة تركية مدرجة في التصنيف قد شهدت تحسنا في ترتيبها هذا العام، بينما حافظت 10 جامعات على ترتيبها من العام الماضي. وتجدر الإشارة إلى أن بعضا من هذه الجامعات التركية الـ 25 قد دخلت التصنيف مؤخرا، إلا أنها تواصل تحقيق تقدم ملحوظ في ترتيبها عاما بعد عام.
وكما تذكرون، في نفس الوقت تقريبا من العام الماضي، نشرت مجلة "تايمز للتعليم العالي" وهي مؤسسة دولية لتقييم التعليم العالي مقرها لندن، تقريرها "تصنيف الجامعات العالمية 2023"، والذي تضمن بيانات مماثلة. ووفقا لهذا التقرير، دخلت 3 جامعات تركية قائمة أفضل 500 جامعة، بينما دخلت 11 جامعة أخرى قائمة أفضل 1000 جامعة. والأهم من ذلك، أن تركيا أصبحت الآن تعد من بين أفضل الدول تمثيلا في التصنيف العالمي للجامعات.
وقد شمل التصنيف 75 جامعة تركية (بزيادة عن 61 جامعة في العام السابق)، مع التأكيد على أن عدد الجامعات التركية المدرجة في التصنيف قد تضاعف أكثر من ثلاث مرات منذ عام 2018. وهذا التقدم يجعل تركيا سابع أفضل دولة ممثلة في التصنيف، بعد الدول العملاقة مثل الولايات المتحدة والهند والصين. ومن الواضح أن تركيا قد حققت تقدما كبيرا في هذه التصنيفات التي يتم إجراؤها بناء على معايير مختلفة.
ويظهر تقرير "كيو اس" أن اتجاه الارتفاع الذي شهدته الجامعات التركية في العام الماضي استمر بثبات مع بيانات هذا العام. ويمكن للعديد من الجامعات اليوم حصاد ثمار ما زرعته خلال السنوات القليلة الماضية، مما يعني أنه يمكننا أن نتوقع تحسينات أسرع بكثير في السنوات القادمة. وبالطبع لا يمنعنا هذا من رؤية ومناقشة بعض المشكلات التي تواجهها جامعاتنا اليوم.
لكن هناك موضوع يلفت الانتباه، وهو كيفية تقييم أخبار تراجع جامعات المملكة المتحدة لدى الرأي العام البريطاني، وهو موضوع أصر عليه محرر التعليم في صحيفة "الغارديان"، ريتشارد آدامز، لفترة طويلة. ففي مقاله، يوضح آدامز أن تشديد الحكومة على منح التأشيرات للطلاب في السنوات الأخيرة، بسبب سياسات الهجرة التي اتبعتها الحكومة، لعب دورا كبيرا في هذا التراجع في جامعات المملكة المتحدة.
وفي مقال آدامز، أعرب رئيس كلية إمبريال كوليدج لندن، البروفيسور هيو برادي، عن قلقه من أن سياسات الحكومة التي تقيد بشكل خاص تأشيرات الطلاب الدوليين في المملكة المتحدة وتعرقل تأشيرات الدراسات العليا اللازمة لجذب الطلاب والباحثين الموهوبين إلى الجامعات قد تعرض نجاح المملكة المتحدة للخطر.
وأوضح برادي بمزيد من التفصيل مساهمات الطلاب الدوليين في اقتصاد البلاد، قائلا: "هناك العديد من الفوائد لوجود طلاب دوليين. لكن الحقيقة هي أنه بدون هذا الدخل، لن نتمكن من دعم تعليم الطلاب في المملكة المتحدة، بل والعديد من البرامج الدراسية بشكل عام".
وينقل آدامز تصريحات مماثلة لـ "بن سوتر"، نائب الرئيس الأول ل "كيو اس"، مشيرا إلى أنه قد لفت الانتباه إلى هذه القضية باستمرار حتى قبل نشر هذا التقرير. فعلى سبيل المثال، في 13 مايو، كتب في نفس العمود أن الجامعات البريطانية تواجه انخفاضا كبيرا بسبب صعوبات التأشيرات، محذرا من أن "المزيد من القيود على تأشيرات الطلاب سيعرقل تدفق المواهب الضرورية لصناعات بريطانيا الإبداعية".
يبدو أن المملكة المتحدة تدرك جيدا أن جزءا كبيرا من الجودة التاريخية لجامعاتها يعتمد على تدفق الطلاب الدوليين والمواهب الإبداعية. لذلك فإنها تعتبر توقف هذا التدفق بسبب سياسات التأشيرات أحد أهم أسباب التراجع في الجامعات. بالطبع لا يوفر الطلاب الأجانب تدفق المواهب فقط، بل يوفرون أيضا تدفقا ماليا.
لقد بدأت الجامعات التركية مؤخرا فقط في اكتشاف كيفية جذب الطلاب الدوليين، وتأمين تدفق المواهب والتمويل. ورغم إحراز تقدم سريع في هذا المجال، إلا أن هناك مشكلات مختلفة تماما نواجهها منذ البداية؛ الممارسات التي تعتبر كل طالب مهاجرا غير شرعي وتمارس ضغوطا لا يمكن تصورها لمكافحة ذلك. لقد تطرقنا إلى هذه القضية سابقا، ولا داعي للخوض فيها مجددا. لكن تقرير "طالب كوجوكجان" الذي نشر مؤخرا حول مساهماتهم في جودة الجامعة وتمويلها ورؤيتها، وكذلك مساهماتهم على المدى االطويل في مجالات الدبلوماسية الثقافية والعلمية والعامة والدبلوماسية السياسية، يقدم جميع البيانات اللازمة لتطوير السياسات.
علينا ألا نترك هذا المجال للفوضى والضجيج الذي يثيره بعض اللصوص الغير معروفين.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس