ترك برس
تساءل الخبير والمحلل السياسي التركي نيدرت إيرسانال، عن الجبهة التي ستقفها معها تركيا في حال اندلاع حرب عالمية ثالثة على خلفية إعلان الجيش التركي استعداده لكافة السيناريوهات في هذا الإطار.
وقال إيرسانال في مقال بصحيفة يني شفق إنه "لا يمكن القول إننا نسير نحو الحرب العالمية الثالثة بفرح وسرور، ولكن من غير الممكن الادعاء أيضاً بأننا غير مبالين".
وأضاف: "لا أتحدث هنا عن تركيا فقط؛ فكل الدول تتحدث، ولكن لا أحد يستمع للآخر. نعرف هذه المواقف جيدًا؛ فعندما تسقط القنبلة الأولى ينقشع ذلك الضباب فجأة، ويصبح هناك "ضوء"، فنسير نحوه. أي أن الحرب تتضح معالمها بعد بدئها".
وأوضح أنه ليس من الضروري أن نصبح رمادًا بالكامل. الحروب في مناطق مختلفة من العالم لكنها مرتبطة ببعضها، ولذا تُعدّ أيضًا حربًا عالمية ثالثة. والدمار يكون متساويًا. لأن سلسلة الحروب العالمية المتزامنة أصبحت تتماثل في شروطها مع الحرب العالمية التقليدية والتي هي:
أولاً، الظروف الاقتصادية متوفرة بكثرة. لقد بدأوا بالاستيلاء على أموال وممتلكات بعضهم البعض في ظل التوترات الحالية وحتى خلال جائحة كورونا. والآن بدأت عمليات الابتزاز داخل التحالفات. فالعديد من الاقتصاديين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يقسمون بأن الفقاعات الاقتصادية ستنفجر، ويحددون عام "2025" كموعد لذلك. يحاولون تحذيرنا من خلال عرض الرسوم البيانية للمعايير الأساسية/الماكرو مباشرة أمامنا، قائلين: "الحرب تعني هذه الحرب".
ثانيًا: كثرة التوترات العسكرية، تُعاني المنطقة والعالم من ويلات ما يحدث في أوكرانيا وغزة بقدر ما تعاني الدول المشاركة، ولا أحد ينكر مخاطر انتشار الصراع. الجميع ينتظرون شرارة، لكن هذه الشرارات موجودة بالفعل. حتى الأشخاص الأقل فهماً يستطيعون أن يعددوا عشرات المناطق المتوترة القابلة للاشتعال. ناهيك عن سباق التسلح. حيث يدرك الجميع أن بيع السلاح مرة واحدة لن يحل المشكلة. فمجمع الدفاع العسكري هكذا، يريد أن تُستهلك "المنتجات".
ثالثًا: الثيوقراطية، القادة الذين يريدون التعجيل بنهاية العالم، سواء في إسرائيل أو الولايات المتحدة، قد فقدوا عقولهم، والمرشحون الحاليون لرئاسة الولايات المتحدة يمثلون نفس الشيء. إنهم يؤمنون بذلك، هذه العقول لن تتردد في فعل أي شيء. عندما يُثار هذا الموضوع يتبادر إلى ذهني ذلك الفيديو من عام 1990؛ حين قال الحاخام الأكبر لنتنياهو: "افعل شيئًا لتسريع مجيء المسيح، لكي يأتي اليوم. يبدو أنّك لا تبذل جهدًا كافيًا". لا ينبغي اعتبار هؤلاء مجرد فئات هامشية. فالأهمية لا تكمن في عددهم، بل في القوة التي يمتلكونها.
رابعاً: الطاقة، حيث تشهد مسارات تدفق الطاقة العالمية وهيمنتها تغييرات جذرية. ويمكن تقييم التغيير في مواقف المملكة العربية السعودية أو أوبك كامتداد لسياساتها، لكن تعطيل الركائز الداعمة للنظام العالمي مثل "البترودولار"، يمثل تحديًا للهيمنة الغربية. وفي الوقت ذاته يسعون إلى بناء نظام "طاقة جديد". لا معنى لتسميته بـ "الطاقة النظيفة". ويتطلب تنفيذه استثمارات سنوية تبلغ 2 تريليون دولار. من أين ستأتي هذه الأموال التي لا يملكها أحد؟ حزب الخضر في ألمانيا مثال جيد؛ فهم يدعمون الحرب من أجل الطاقة النظيفة، والطاقة أيضًا هي علامة من علامات الحرب العالمية الثالثة.
خامساً: خطأ في النظام، لا يهم مدى قصوره أو خلله، فالعالم اليوم لا يزال يعتمد على النظام الغربي. ولكنه النظام نفسه الذي يتأرجح. إن النظام الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة وأوروبا يلتهم جميع الأعمدة والقيم التي أسسته وأبقته قائماً. لا أتحدث فقط عن آليات الأمم المتحدة أو العدالة الدولية؛ بل عن نظام يقتل آلاف الأشخاص من خلال إلهاء العالم في قضية فلسطين وإسرائيل وتأخير الحلول على مدى الزمن. من يملكون القدرة على الإيقاف لكنهم لا يفعلون ذلك هم شركاء في الجريمة. تكتفي عشرات الدول بالمشاهدة دون حراك، كما لو كانت مشلولة. هذه هي العقلية الضبابية. وهي تسبب الدوار وتعرف مجازاً بأنها "حالة غامضة يبدو فيها كل شيء وكأنه غارق في دوامة من الرعب". أولئك الذين لا ينخدعون بالمظاهر هم الأهم.
سادسا: التكنولوجيا المتقدمة، هناك تقدم استثنائي وقفزة هائلة، ليس في جميع المجالات، بل في مجال واحد تحديدًا، وهذا المجال الواحد يعزز جميع المجالات الأخرى، أو بالأحرى يبدو أنه يعززها ويطور إمكانية التحكم بها جميعًا. يبدو أن الذكاء الاصطناعي قد أثار دهشة الدول، وهذه الدهشة تعدّ نوعًا من الخوف، فالتنافس على سيملك أو يسيطر على هذا "العقل" الذي يمكن أن يؤثر على الأمن العالمي بمفرده، يشكل سببًا للحرب العالمية الثالثة. ولا يقتصر الأمر على كونه سببًا للحرب، بل يعني أيضًا أنه سلاح هذه الحرب.
سابعا: عندما النظر إلى البنية الرأسمالية التي تقف وراء هذه التكنولوجيا، نجد شركات استثمارية ضخمة تمتلك وتدير تريليونات الدولارات، وليس مجرد ملايين أو مليارات. شركة "إنفيديا" تظهر الآن وكأنها تتقدم في المرحلة النهائية من سباق التتابع. والأمر الأسوأ هو أن هذه الشركات مرتبطة بالشرطين الثاني والثالث والخامس. أحيانًا بشكل موازٍ وأحيانًا كأعداء.
ووفقا للكاتب، يرى العديد من العلماء والخبراء وقادة الدول، مثل وزير الخارجية هاكان فيدان، أن خطر الحرب العالمية الثالثة بات وشيكاً. إلا أن هذه القضية التي تتهافت عليها وسائل الإعلام بشكل محموم بحثاً عما يمكن مشاهدته في يوم صيفي، ليست لعبة أطفال. يجب مناقشتها بشكل صحيح وجاد. قد تبدو الرسوم البيانية التي تظهر إحصائيات عدد الطائرات والدبابات التي يملكها كل طرف جذابة للمشاهد، لكنها تعبر عن نفس العقلية الضبابية.
وأضاف: إن تقييم جميع المخاطر والاستعداد المناسب للتهديدات هو جزء من الروتين اليومي لوزارة الدفاع الوطني والقوات المسلحة التركية. في الواقع نحن نتحدث عن استعدادات تم اتخاذها منذ سنوات في أنقرة وأدرجت في قرارات مجلس الأمن القومي. إن أولئك الذين يتجاهلون الفقرات الاستراتيجية في ذلك الوقت وينشرون الآن جداول "عدد القنابل النووية التي تمتلكها كل دولة" للمرة الألف، يساهمون دون قصد في شلّ العقول في بلادنا، كما يحدث في جميع أنحاء العالم.
وبسبب التخدير والتنويم لا أحد يتساءل: "إن القوات المسلحة التركية مستعدة للحرب العالمية الثالثة، ولكن ضد من؟".
وختم قائلا: في حرب أوكرانيا اتخذتم موقفا محايدا. ووقفتم في وجه إسرائيل في غزة. ففي أي جبهة ستقفون في الحرب الكبرى؟ إلى جاتب من ستقفون في البلقان، وبحر قزوين، والشرق الأوسط، والبحر الأسود، والمحيط الهادئ، وأفريقيا؟ سيضغطون عليكم كل يوم "لاتخاذ قراركم". قد يكون من السهل نسبيًا اتخاذ موقف في بعض الصراعات، ولكن ماذا عن القرارات التي ستُتخذ وتُعلن في قمة الناتو في يوليو؟ ماذا سيكون موقفكم من تلك القرارات؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!