يوسف قابلان - يني شفق

لعب الألمان على مرّ التاريخ الأوروبي، دورًا بارزًا كأمة أو ممثل، حيث كانوا بمثابة القوة المحركة وراء تأسيس أوروبا وتدميرها في آن واحد. وإذا استخدمنا لغة هيغل، فإن "الجِرمان" هم ما نعني بالضبط عندما نقول "الألمان". ويشمل الجِرمان جزئيًا الإنجليز والهولنديين أيضًا.

إنّ الروح الألمانية هي الروح الجرمانية. والروح الجرمانية هي في ذات الوقت المصدر المؤسس والمدمر لأوروبا، إنها القوة الديالكتيكية لأوروبا، بل يمكنكم القول إنها سلاحها. ورغم أن وصفها بـ "السلاح" وصف قوي، إلا أنه يعبر بدقة عن الحقيقة المزدوجة لأوروبا، فهي طريق مسدود في نفس الوقت الذي تُمثل فيه مخرجًا.

فقد تأسست أوروبا من خلال الحروب، حروب كبرى ذات نتائج عالمية، وكوارث عظيمة، كما أنها انهارت بفعل الحروب العالمية الكبرى. ولم تتمكن أوروبا من التعافي بعد الحروب العالمية الأخيرة، ربما لأنها فقدت عقلها.

ليس "ربما". بل فقدت عقلها بالفعل.

لماذا تركع ألمانيا أمام الصهاينة؟

أمامنا خبر جديد يؤكد فقدان الألمان لعقولهم: نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، وهي صحيفة ذات تأثير كبير على النخب العالمية، خبرًا مقلقًا للغاية عن ألمانيا. ووفقًا للخبر قامت الحكومة الألمانية بتقليص مدة الحصول على الجنسية الألمانية إلى 5 سنوات من الإقامة في ألمانيا (كما لو أنها تُقلّد بريطانيا! هل انضمت ألمانيا إلى بريكست؟)، لكن لنتكلم بجدية لقد صعبت ألمانيا من شروط الحصول على الجنسية الألمانية وفرضت شرطًا جديدًا على الراغبين في الحصول عليها وهو "الاعتراف بوجود إسرائيل".

ما هذا! أعتقد أنهم فقدوا عقولهم، إنه دليل آخر على أن الألمان أصبحوا عبيدًا لليهود.

هل ألمانيا دولة مستقلة الآن؟ من يستطيع القول بأن ألمانيا مستقلة، خاصة إذا نظرنا إلى المآسي التي عاشها الألمان أو التي أجبروا على عيشها خلال القرن الماضي؟ ألمانيا دولة خاضعة للصهيونية، هذا واضح تماماً.

العقلان المؤسسان للروح الألمانية

الألمان هم مؤسسو الفكر الحديث. فكانت فلسفة "كانط" بمثابة الأم، بينما مثلت فلسفة هيغل الأب بالنسبة لأوروبا.

بل أكثر من ذلك، في عصر "كانط" و"باخ"، كان يُنظر إلى من لا يجيد العزف على آلتين موسيقيتين في ألمانيا على أنه ناقص العقل. وهذا يدل على مدى انتشار وتطور الحس الموسيقي والذوق الجمالي.

كان للروح الألمانية عقلان مؤسسان قويان: العقل الفلسفي والعقل الفني. هذان العقلان هما الركيزتان الأساسيتان اللتان أسستا ليس فقط ألمانيا، بل أوروبا الحديثة أيضًا. ففي الفلسفة كان "كانط" و "هيغل"، وفي الفن كان "باخ" و "بيتهوفن و "فاغنر"، وكانوا بمثابة الأبراج المميزة للعقلين المؤسسين للروح الألمانية وأوروبا الحديثة.

لكن مع اندلاع الحربين العالميتين، تم القضاء على العقل الفلسفي والعقل الفني القوي للألمان. من قام بذلك؟ يجيب الأستاذ الراحل تيومان دورالي على هذا السؤال ببراعة: إنها الحضارة البريطانية اليهودية.

اضطُرّ الألمان إلى تبنّي العقل المادي المجرد للحضارة الإنجليزية-اليهودية، التي بنت الرأسمالية، لضمان استمرارهم البيولوجي. لقد طور الألمان عقلاً اقتصاديًا قويًا ليتمكنوا من البقاء على قيد الحياة. فأحيوا الرأسمالية، لكنّ الرأسمالية قتلت الروح الألمانية، وموت الروح الألمانية يعني تحول أوروبا إلى جثة حية. لذلك لم يصرخ نيتشه عبثًا: "هناك جنازة ستقام"

العقل الاقتصادي لا يحرر، بل يستعبد

إنّ تركيز الإنسان على الاقتصاد، مع تطور العقل الاقتصادي، سيؤدي حتماً إلى تراجع قدراته وإمكانياته في التفكير والشعور.

العقل الاقتصادي هو العقل الذي أنجب الرأسمالية. والعقل الذي أنجب الرأسمالية هو العقل البائس الذي قتل الإنسان وروحه. إنه عقل بربري واستبدادي ونهّاب ومغتصب وقاتل ومرتكب للمجازر. إنه العقل الاقتصادي الرأسمالي. هنا تكمن الروح الإمبريالية التي جعلت الإنسان لأول مرة في التاريخ أسيرًا لعمله.

العقل الاقتصادي هو انتصار المادية، وهزيمة المعنى والروحانية، وتراجعهما.

فالعقل الاقتصادي يركز على المادة، ويوقع الإنسان في فخ الاقتصاد، ويضع المصلحة الشخصية في المقدمة. يُهمّش الإنسان ويجعله عبداً للمادة.

ما هذا؟ إنه بالتأكيد عنف وجودي. إنه فساد نظام الوجود وفقدان الوجود لمعناه. أو بعبارة واحدة، هو انهيار نظام المعنى في الوجود. هو سيطرة المادة على العالم، بدلاً من الإنسان. هكذا وُضعت أسس بربرية الإنسان.

أولئك الذين هاجموا الحضارات الأخرى ووصفوا أهلها بالبرابرة، كانوا في الواقع يُخفون بربريتهم، ثم يُثبتونها بهذه الطريقة.

لن تتمكن أوروبا من النهوض مجدداً، ما لم ينهض الألمان. وما دام العقلان الألمانيان المؤسسان اللذان أضفيا الروح على ألمانيا وأسسا أوروبا الحديثة، ميتين، فلن تتمكن أوروبا من التعافي بسهولة.

إن قانون الجنسية الجديد للحكومة الألمانية هو مجرد دليل مؤلم على كيفية تحول الروح الألمانية "النبيلة" إلى روح ألمانية "مُستعبدة".

وبهذا أكون قد أنهيت المقال دون التطرق إلى الكرة أو البوب.

عن الكاتب

يوسف قابلان

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس