ترك برس

سلط تقرير تحليلي للكاتب الصحفي التركي أرسين جليك، الضوء على التحديات والصعوبات التي واجهها الشعب التركي وحكومته عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا يوم 15 يوليو/ تموز 2016، مقدما رؤية شاملة ومتكاملة للأحداث وتأثيرها وتطوراتها على المجتمع والسياسة التركية.

أشاد الكاتب في تقريره بصحيفة يني شفقط بالشجاعة التي أظهرها الشعب التركي في مواجهة المحاولة الانقلابية، وكذلك على دور القيادة السياسية في قيادة هذه المقاومة ودفع الانقلابيين للخلف.

وناقش التقرير التقدم الذي تم تحقيقه في تركيا بعد محاولة الانقلاب، بما في ذلك التغييرات السياسية والاجتماعية التي تلت الأحداث، والتحديات التي لازمت هذه العملية.

كما تناول التقرير كيف أثرت محاولة الانقلاب على المجتمع التركي، بما في ذلك الانقسامات السياسية والاجتماعية التي نشأت جراء الأحداث، وكيفية تعامل الناس مع هذه التغييرات.

وفيما يلي نص التقرير:

ثماني سنوات مضت. شهدنا خلال ساعات قليلة خيانة نكراء وبطولة أسطورية. تحدثنا سابقا عن الخامس عشر من يوليو، وعن تلك الليلة السوداء. لقد أطلق على ذلك اليوم "يوم 15 يوليو للديمقراطية والوحدة الوطنية".

تم عرض الشجاعة الكبيرة التي أبداها الشعب ضد الانقلابيين على شاشات التلفاز. إن الشجاعة التي تم إظهارها والصعوبات التي تم التغلب عليها ليست حدثا عاديا يمكن استنفاده من خلال الكلام، أو تبسيطه، أو جعله طبيعيا. أثناء حديثي في بث مباشر لقناة "تي ري تي" من مقام شهداء الخامس عشر من يوليو، وصفت تلك الليلة قائلا: "لا يمكننا تحديد زي لهذه الروح أو مكان لها. لقد تم تجسيد هذه الفطرة النابعة من العلم التركي وأرض الأناضول". فماذا يمكن أن يكون أكثر من ذلك؟ ألم يكن الأمر كذلك قبل مائة عام؟ من يستطيع اليوم أن ينتقص من تلك البطولات العظيمة في جناق قلعة ومرعش وغازي عنتاب وأورفا، أو يتعامل معها باستخفاف؟ كيف يمكن الاستهانة بها؟ حتى الأمم التي احتلت بلدنا في ذلك اليوم تظهر الاحترام اليوم. كانت ليلة الخامس عشر من يوليو أيضا ليلة دفاع عن الوطن. عندما رأى جيل العصر أنه قد حان دورهم في الدفاع عن الوطن، وقفوا في وجه العدو. فبينما كان العدو في الماضي إنجليزيا وفرنسا وإيطاليا، ها هو اليوم يخرج من بين ظهورنا بعد قرن من الزمن، لكنه في النهاية محتل يطمع في وطننا.

ومع ذلك رغم من مرور ثماني سنوات، وكشف الكثير من المعلومات والوثائق، والاعترافات، ووضوح الخيانة بشكل جلي، إلا أن هناك شريحة من المجتمع تشعر بالضيق من الحديث عن الخامس عشر من تموز. صحيح أن موجة الاستهزاء والانقسام التي تظهرها وسائل التواصل الاجتماعي هي مبالغة في التصور، إلا أن هناك فهما سائدا لدى بعض فئات المجتمع.

في مقال سابق، شاركت معكم اثنين من بيانات بحث مركز الأبحاث "AREDA" حول 15 يوليو. وأود أن ألفت انتباهكم إلى نتائج استطلاع رأي جديد حول السؤال عن "إعلان 15 يوليو يوما للديمقراطية والوحدة الوطنية". ربما أكون أنظر إلى النصف الفارغ من الكأس، ولكن 27.6% من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أنه "قرار غير ضروري". بمعنى آخر، واحد من كل أربعة أشخاص لا يريد أن يتم الحديث عن 15 يوليو أو جعله قضية رئيسية.

ما الذي يزعجهم بالضبط؟ لا تتوفر أي تفاصيل في الاستطلاع حول ذلك. لكن لا يسعني إلا أن أتساءل: هل هم مستاؤون من إحباط الانقلاب، أم يعتقدون أن الأمر مبالغ فيه؟ أو لنحسن الظن بهم؛ هل يرغبون في نسيان تلك الليلة السوداء؟

هناك أيضا مسألة وصف 15 يوليو بأنه محاولة انقلاب فاشلة، وإظهار الرئيس أردوغان مقاومة كبيرة بدعم من الشعب، يمكن أن تثير استياء البعض من غير تنظيم "غوان" الإرهابي؛ فما هي مشكلة هؤلاء؟

نحن نعلم أن هناك فئة في هذا البلد، تسعى لحدوث انقلابات، بغض النظر عن هوية منفذيها وتلعق الحذاء العسكري، وتستمد قوتها من المجلس العسكري.على سبيل المثال أولئك الذين صفقوا وهتفوا ابتهاجا بمرور الدبابات في شارع بغداد، نحن لا نتحدث عن نافذة أو بيت واحد بل عن مظاهر فرح امتدت مظاهر الفرح إلى الشارع بأكمله.

إن "فكرة رحيل أردوغان بأي ثمن" تظهر حقيقة مرة تكشف نفسها بوضوح.

تماما كما حدث في صباح 27 مايو. يروي المرحوم شعبان تيومان دورالي في مذكراته ما شاهده في شارعه في أنقرة صباح 27 مايو: "لم يتم إعلان حظر التجول بعد. كانت الفوضى تعم المكان. كانت نساء الحي ذوات البطون الكبيرة اللاتي تناولن الكثير من العجين يتجولن في الشارع ذهابا وإيابا، يلوحن بأذرعهن وأقدامهن، ويقبلن طلاب الكلية الحربية الشباب الذين احتلوا زوايا الشارع. وكانت بعضهن يقدمن أكواب الماء من الأباريق التي بأيديهن، بينما كانت أخريات تصرخن وتشرن إلى منازل أعضاء الحزب الديمقراطي، وتقدمن بلاغات كاذبة".

ماذا حدث بعد ذلك؟

استمرت هذه العقلية المصفقة لمدة 20 عاما كاملة، حيث احتفلت بانقلاب 27 مايو تحت مسمى"عيد الحرية والدستور". كما احتفلت بإعدام رئيس الوزراء عدنان مندريس ووزيريه حسن بولاتكان وفاطن رشدي زورلو. استمر ذلك حتى وقوع انقلاب عسكري آخر، وهو انقلاب 12 سبتمبر/أيلول.

لم يقتصر نجاح 15 يوليو على إفشال محاولة الانقلابيين فحسب، بل أنقذ أيضا الديمقراطية التركية من المأزق الذي وقعت فيه، كما أدى أيضا إلى كسر الحلقة المفرغة التي وقع فيها الانقلابيون الذين اعتبروا أنفسهم ديمقراطيين.

أعتقد أن الشعور بعدم الرضا الذي ظهر خلال السنوات الثماني الماضية ينبع من هذا السبب. فقد تم سلب البعض إمكانية القيام بانقلاب والسيطرة على الحكم عندما يحتاجون إليه.

لكن لا تزال هناك مشكلة كبيرة قائمة، إننا نتحدث عن 15 يوليو من خلال التركيز على محاولة الانقلاب الفاشلة، ومقاومة الشعب خلال دقائق، والقوة التي منحها الشعب للديمقراطية، ومحاكمة الخونة. لكن بلادنا لا تزال تحكم بدستور انقلابي. فرغم مرور أكثر من 40 عاما لا يزال دستور 12 سبتمبر ساري المفعول وإن كان كثوب مرقع. لقد أصبح من الضروري لمجلس النواب الذي تولى مسؤولياته في الرابع عشر من أيار 2023 أن يقر دستورا جديدا مدنيا خلال الفترة الحالية. فإن كانت هناك توقعات غير ديمقراطية لا تزال موجودة ، فلا بد من دستور جديد لمنع التفكير بهذه العقلية.

نأمل ونطمح أن يكون هذا العام هو العام الذي يتحقق فيه ذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!