ترك برس

يرى خبراء ومحللون سياسيون أن التوازن بين الموقف تجاه النظام والمعارضة في سوريا من قبل الجانب التركي "لن يكون متعادلاً"، وأن المعارضة تدرك جيداً أن تقارب أنقرة مع دمشق يعني نهايتها.

واستعرض تقرير لصحيفة العربي الجديد آراء عدد من الخبراء في هذا الإطار، على خلفية تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، التي أكد فيها أن تقارب أنقرة مع دمشق لن يكون على حساب المعارضة السورية.

ولفت التقرير إلى أن الوقائع السياسية والميدانية تشير إلى أن مهمة أنقرة في الموازنة بين موقفين يبدوان على طرفي نقيض تبدو صعبة ومعقدة. وقال فيدان، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان في إسطنبول، يوم الأحد، إن بلاده "ليست في موقف ضعيف بشأن الأزمة السورية" مشيراً إلى أنها "ترغب في إيجاد حل" ومعتبراً أن "تطبيع العلاقات مع سورية يصب في مصلحة الجميع".

وأكد فيدان في تصريحاته أن أنقرة "لم تغير موقفها من المعارضة السورية، ولم تفرض أي أمر على المعارضين السوريين، فهم أطراف سورية، ومن الطبيعي أن يجلسوا إلى طاولة واحدة مع السلطة". وذكر فيدان أن تركيا تقاتل جنباً إلى جنب مع المعارضة السورية ضد التنظيمات الإرهابية منذ سنوات،

وأضاف: "بصفتنا دولة مخلصة وعظيمة، لا يمكن أن ننسى هذه التضحية"، ونفى فيدان صحة أي ادعاءات تتعلق بترحيل السوريين من تركيا قسراً قائلاً: لن نجبر أي شخص على المغادرة إلا إذا تطوع. والادعاءات المستفزة المقدمة بشأن هذا الموضوع ليست لها أي صحة.

في المقابل، قال رئيس النظام السوري بشار الأسد الإثنين إنه مستعد للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا كان ذلك يحقق مصلحة بلاده، لكنه اعتبر أن المشكلة ليست في اللقاء بحدّ ذاته إنما في "مضمونه".

وقال الأسد للصحافيين على هامش اقتراعه في الانتخابات التشريعية في دمشق "إذا كان اللقاء (مع أردوغان) يؤدي إلى نتائج أو إذا كان العناق أو العتاب... يحقق مصلحة البلد، فسأقوم به"، "لكن المشكلة لا تكمن هنا وإنما في مضمون اللقاء". وسأل: "ما هي مرجعية اللقاء، هل ستكون إلغاء أو إنهاء أسباب المشكلة التي تتمثل بدعم الإرهاب، وانسحاب (القوات التركية) من الأراضي السورية؟"، مضيفاً "هذا هو جوهر المشكلة".

وتابع "إذا لم يكن هناك نقاش حول هذا الجوهر فماذا يعني لقاء" أردوغان؟، مؤكداً في الوقت ذاته أن "المهم أن نصل إلى نتائج إيجابية تحقق مصلحة" البلدين. ورداً على أسئلة الصحافيين، شدد الأسد على أن "اللقاء ضروري بغض النظر عن المستوى"، لافتاً إلى "لقاء يُرتب على المستوى الأمني من قبل بعض الوسطاء".

ووفقا لتصريحات العربي الجديد، تأتي تصريحات فيدان في سياق تطمينات دأبت تركيا على تقديمها للمعارضة السورية بأن تقارب أنقرة مع دمشق المحتمل لن يكون على حسابها، إلا أن الوقائع على الأرض تؤكد أن تقارب أنقرة ودمشق يعني جملة تغييرات على الأرض، فضلاً عن أنه سيفرض تعاطياً جديداً من الأتراك مع المعارضة السورية، بشقيها السياسي والعسكري. فالنظام يصر على عودة الأوضاع مع الجانب التركي إلى ما قبل عام 2011، أي انسحاب أي قوات تركية من الشمال السوري الذي تسيطر عليه اليوم فصائل معارضة مرتبطة بالجيش التركي.

واشترط النظام السوري في بيان صدر عن وزارة خارجيته قبل أيام "مكافحة المجموعات الإرهابية التي لا تهدّد أمن سورية فقط، بل أمن تركيا أيضاً"، للبدء في مسيرة تقارب أنقرة مع دمشق، ما يعني أن النظام يريد من تركيا التخلي عن فصائل المعارضة في الشمال السوري ودفعها لإجراء تسويات هي أقرب للاستسلام له. ويضم الشمال السوري عشرات الفصائل المسلحة متباينة الرؤى والأهداف، جلها يرفض أي مصالحة مع النظام على حساب ثوابت الثورة السورية، وفي المقدمة تنحية بشار الأسد عن السلطة.

وليس من المتوقع أن تسمح أنقرة بسحق فصائل المعارضة السورية من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية التي تساندها، إلا أنه من غير المستعبد أن تضغط على هذه الفصائل للتوصل إلى حلول لن تكون لصالحها على أي حال، بعد رفع الغطاء التركي عنها. ومن الواضح أن أنقرة تطمح لتحالف بين فصائل المعارضة وقوات النظام لمحاربة "وحدات حماية الشعب" الكردية في شمال شرق سورية، وهو ما يعني سقوط هذه الفصائل وفقدانها الحاضنة الشعبية، فكل الشارع السوري المعارض يقف ضد هذا التوجه. وفشلت أنقرة في تشكيل مرجعية عسكرية واحدة لفصائل المعارضة، فمظلة "الجيش الوطني" لم تكن كافية لتجاوز النزعة الفصائلية، لذا، ستكون مهمة الأتراك في دفع الفصائل إلى عقد مصالحة مع النظام معقدة.

ورغم تأكيد المعارضة السورية "حق الدول في بناء سياساتها بما يحافظ على مصالحها وأمنها الوطني"، في إشارة واضحة إلى تركيا، إلا أن التبدل في موقف أنقرة تجاه دمشق يربك حسابات هذه المعارضة، لا سيما أنها كانت تستند إلى موقف تركي صارم يعارض أي إعادة تأهيل لبشار الأسد. كما كانت تركيا الداعم الأكبر للمعارضة في المحافل الإقليمية والدولية، لذا فإن تقارب أنقرة مع دمشق لا بد أن يفرض معطيات سياسية جديدة، يمليها هذا التقارب من قبيل الضغط على المعارضة لتقديم تنازلات خارج نطاق القرار الدولي 2254، الذي يرفض النظام التعامل مع مضامينه حتى اللحظة.

معضلة تقارب أنقرة مع دمشق ودعم المعارضة

وتبدو المعادلة السياسية التركية حيال الملف السوري لجهة تقارب أنقرة مع دمشق مع الإبقاء على دعمها للمعارضة، والموازنة بين الملفين المعقدين، صعبة، وهو ما ألمح إليه فيدان في المؤتمر الصحافي الأحد الماضي، فقد ذكر أن هناك وضعاً معقداً للغاية في سورية في الوقت الراهن.

وفي هذا الصدد، رأى المحلل السياسي التركي هشام غوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن المعارضة السورية، "خصوصاً المسلحة منها، تدرك جيداً أن تقارب أنقرة مع دمشق يعني نهايتها"، مضيفاً: في حال مضت تركيا في التقارب، فعليها أن تتخلى عن موقفها الداعم لهذه المعارضة بطبيعة الحال في الشمال السوري. وتابع: المعادلة صعبة أمام الرئيس (رجب طيب) أردوغان، لذا الأمر يحتاج إلى مزيد من التروّي والدراسة. ولا يستبعد غوناي أن تتحول فصائل المعارضة السورية في شمال البلاد "إلى خصم لتركيا إذا شعرت أنها تخلت عنها"، مضيفاً: يمكن أن تنضم هذه الفصائل إلى أعداء تركيا، مثل التنظيمات الكردية. ورأى أن "على الرئاسة التركية الموازنة بين المضي في تطبيع العلاقات مع نظام الأسد وبين ضمان مصالح المعارضة السورية من خلال الدستور المستقبلي". وأعرب عن اعتقاده أن "بشار الأسد لن يتخلى عن السلطة التي ضحى بالبلاد برمتها من أجل التمسك بها، لذا لن يقبل بدستور يضمن حقوق معارضيه وانتقال سياسي للسلطة"، مضيفاً: الأمر معقد ومن الصعب الموازنة بين نقيضين من الجانب التركي. على أردوغان أن يحسب حساب المعارضة السورية المسلحة، وغير المسلحة، قبل القيام بأي خطوة جدية للتطبيع مع نظام الأسد.

إلى ذلك، رأى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن التوازن بين الموقف تجاه النظام والمعارضة السورية من قبل الجانب التركي "لن يكون متعادلاً"، مضيفاً: أنقرة تضع الأمور الأمنية في الأولوية، كما أنها لن تتخلى عن نفوذها في المعارضة من خلال التيارات والشخصيات المرتبطة بها. وأعرب عن اعتقاده أن تقارب أنقرة مع دمشق "يشكل تراجعاً أمام النظام، خصوصاً أن أنقرة أكدت وحدة الأراضي السورية، أي العودة إلى الاعتراف بأن النظام هو الممثل السياسي لسورية"، مضيفاً: أعتقد أن المعارضة ستكون ضعيفة على ضوء الموقف التركي الجديد.

ويُعدّ الشمال السوري غرب نهر الفرات، بدءاً من ريف اللاذقية الشمالي إلى منطقة جرابلس على ضفاف الفرات الغربية شرقي البلاد، منطقة نفوذ تركية. وشرق نهر الفرات، هناك منطقتا تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. وأقامت الحكومة التركية، خلال الأعوام الماضية، العديد من القواعد العسكرية داخل الأراضي السورية، وتنشر آلاف الجنود خصوصاً في ريف إدلب.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!