ترك برس
التقى صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا بالقاسم خليفة حفتر، بوزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في إطار زيارة إلى العاصمة أنقرة.
وقال صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا في بيان: "التقى المهندس بالقاسم خليفة حفتر، مدير عام صندوق التنمية وإعادة إعمار ليبيا، بالسيد معالي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بمقر وزارة الخارجية التركية في العاصمة أنقرة".
وأشار البيان إلى أن الطرفين ناقشا خلال هذا اللقاء سُبل تطوير التعاون الثنائي بين البلدين.
öبعد شهرين فقط من تعيينه في منصب مدير "صندوق إعمار ليبيا"، شهر فبراير 2024 أعلن بلقاسم نجل المشير خليفة حفتر الرجل القوي في شرق وجنوب البلاد عن إبرامه اتفاقية مع شركة تركية (سلاحتار أوغلو)، بهدف تنفيذ أعمال صيانة وتطوير المكتبة المركزية لجامعة بنغازي. وفق موقع الحرة الإخباري.
وتبع توقيع ذلك العقد عدة اتفاقيات، حسبما ذكرت وكالة "الأناضول" التركية في تقرير لها، مطلع يوليو الحالي، مشيرة إلى "انفتاح" بات يحكم العلاقة بين أنقرة والشرق الليبي، مما يمهد الطريق أمام مرحلة جديدة تختلف جذريا عن السابق.
وبوصول بلقاسم نجل حفتر إلى العاصمة التركية أنقرة، ولقائه وزير الخارجية حقان فيدان، يوم الخميس، تكون تفاصيل المسار الجديد بين الندّين سابقا قد تكشفت على نحو أكبر وأوضح. بحسب الحرة.
ويشير الموقع في تقرير له إلى أن الخطوة القادمة من الشرق الليبي باتجاه أنقرة لم تحظ بتغطية من وسائل الإعلام التركية، إلا أن التصريحات التي أطلقها فيدان، الأربعاء، عززت مسار التقدم في العلاقة اللافتة بين تركيا، حليفة المعسكر الغربي في ليبيا، مع الشرق، الذي يقع على النقيض تماما.
وعند الحديث عن علاقة أنقرة بشرق ليبيا دائما ما تتبادر إلى الأذهان حالة "العداء"، التي ترسخت بين الطرفين على مدى عدة سنوات. ووصلت الأمور في كثير من الأحيان إلى حد التهديد المتبادل والصدام بين المسؤولين الأتراك الكبار والمشير خليفة حفتر. وفق الحرة.
لكن شيئا فشيئا وبعدما اتبعت تركيا سياسة خارجية جديدة في أعقاب فوز الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان بانتخابات الرئاسة، مايو 2023، تغيّرت الصورة التي سادت لسنوات بين أنقرة والمعسكر الخاص بحفتر.
وبينما ارتسمت الصورة الجديدة أولا بتصريحات "استشكافية" ولقاءات ونوايا لفتح السفارة التركية في بنغازي وصلت بالتدريج وبعد تعيين بلقاسم مديرا لصندوق "إعمار ليبيا" إلى حد توقيع الاتفاقيات، والتعبير عن مواقف إيجابية، بهدف الدفع بالعلاقة.
فما الذي تغير بين الشرق الليبي وتركيا؟ وما انعكاسات "الانفتاح" الحاصل على مشهد البلاد؟ وما دوافع وأهداف الطرفين؟
ما الذي تغيّر في شرق ليبيا؟
بحسب البيان الذي نشره "صندوق إعمار ليبيا" ناقش بلقاسم نجل حفتر مع فيدان "سبل تطوير التعاون الثنائي بين البلدين".
ولم يصدر من جانب أنقرة أي بيان رسمي حتى الآن.
ومع ذلك، قال وزير الخارجية التركي، قبل يوم واحد من الزيارة في تصريحات تلفزيونية إن "بلاده ترغب في إعادة إحياء دولة ليبيا المستقلة المتحدة التي يتوحد فيها الشرق والغرب"، مؤكدا وجود علاقات مع الغرب والشرق في ليبيا.
وأشار فيدان إلى عدة زيارات أجراها رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح إلى تركيا.
وتحدث عن "تواصلات مع السيد خليفة حفتر" وعن محادثات يجرونها مع أبنائه"، وأنه "تم افتتاح القنصلية التركية في شرق ليبيا"، وبصدد تشغيلها.
ويوضح المحلل السياسي الليبي، خالد السكران أن توجه نجل حفتر إلى أنقرة يأتي "بعد سلسلة لقاءات سابقة، علنية و غير علنية، بين تركيا والقوى المسيطرة على الشرق والجنوب الليبي، والممثلة بالقيادة المسلحة العامة والبرلمان".
ويقول لموقع "الحرة" إن "بلقاسم حفتر يهتم بالملف السياسي منذ فترة، والآن يقود ملف الإعمار الذي أحدث صدى طيبا ومحليا دوليا وإقليميا"، على حد تعبيره.
وعلى أساس ذلك "يحاول حلحلة الملفات الشائكة مع الدول المؤثرة في الملف الليبي، وأبرزها تركيا "، وفق السكران.
ويوضح الكاتب والصحفي الليبي، إبراهيم بلقاسم أن "حفتر موجود في المعادلة السياسية في ليبيا بشكل أساسي، وكطرف رئيسي منذ اتفاق جنيف في 2020".
ويقول لموقع "الحرة" أيضا إنه "جزء من السلطة السياسية، بممثلين سواء في حكومة طرابلس أو المجلس الرئاسي، أو كسلطة أمر واقع في شرق ليبيا".
وكان قد بدأ مع أبنائه بتوطيد حكمهم في المنطقة الشرقية، بموجب "استراتيجية جديدة" تقوم على إعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع البنى التحتية، في نموذج يشابه إلى حد كبير "النموذج المصري"، بحسب بلقاسم.
ما دوافع حفتر الآن؟
يعتقد الكاتب بلقاسم أن حفتر يحاول أن "يكسب ميول الليبيين من بوابة التنمية وصندوق إعادة إعمار البلاد"، الذي تسلمه نجله في فبراير 2024، وهنا تكمن طبيعة تواصلاته مع تركيا.
كما يوضح أن (حفتر) بات يتعامل مع أطراف دولية عدة، وأصبح "سلطة أمر واقع بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي".
وفي غضون ذلك أصبح نجله صدام يتعامل مع دول الطوق الجنوبي الإفريقي، "كمفاوض"، وفي مسار لا يمكن تجاوزه في هذه المرحلة.
وأمام كل ذلك يرى الكاتب الليبي بلقاسم أن (حفتر) "يحتاج الآن لزيادة الدعم والحصول على التأييد السياسي من بعض الدول، ومن بينها تركيا رغم أنها كانت تدعم المعسكر ضده في الغرب".
ويحتاج أيضا لـ"المشاريع الاستراتيجية التي تنفذها شركات الإنشاء التركية، التي تستطيع تلبية المطالب والاحتياجات بشكل مناسب"، وفق قول ذات المتحدث.
لتركيا عقود قديمة في ليبية تقدر بأكثر من 18 مليار دولار، كما يوضح المحلل السياسي، خالد السكران.
ويرى مصلحة لتركيا من انفتاحها على الشرق، وتكمن تفاصيلها بـ"عودة شركاتها والحصول على تعويضات، واستكمال المشاريع".
كما أن لتركيا "مشروع غاز شرق المتوسط"، ويضيف السكران أن "الامتداد التركي في ليبيا هو على المنطقة الشرقية وليس الغربية".
ويوضح أن "تركيا دخلت على المنطقة الاقتصادية للغاز عن طريق خط يبدأ من مياهها إلى خليج البمبة الذي ينتهي في شرق ليبيا".
ومن ناحية أخرى، يشدد الكاتب بلقاسم أن "حفتر يريد للشركات التركية أن تعود لشرق ليبيا عن طريق الصندوق"، الذي يديره نجله.
ويعتبر أن ما يحصل الآن هو "علاقة مصالح"، متحدثا تواصلات عبر "قناة قطر الخلفية"، وهي الدولة التي زارها بلقاسم حفتر لمرتين، واتبع ذات المسار شقيقه صدام عدة مرات.
ما سر الرغبة التركية؟
وغرقت ليبيا في فوضى سياسية وأمنية منذ 13 عاما، حيث يحكم البلاد التي تشهد أعمال عنف وانقسامات، حكومتان متنافستان، إحداهما في طرابلس (غرب) برئاسة عبد الحميد دبيبة ومعترف بها من الأمم المتحدة.
أما الحكومة الثانية فمعقلها في بنغازي في الشرق ويرأسها، أسامة حماد، وهي مكلفة من مجلس النواب ومدعومة من المشير خليفة حفتر.
وتتمتع تركيا بنفوذ كبير في الغرب الليبي، وكانت قد دعمت "حكومة الوفاق الوطني" السابقة بقيادة فائز السراج في 2019، ومنعت قوات حفتر من دخول طرابلس ومدن المنطقة الغربية.
كما أرسلت العديد من القوات والخبراء العسكريين إلى غرب ليبيا، ودعمت الحكومة هناك بالسلاح والمسيرات.
ويرى الباحث في الشأن التركي، محمود علوش أن "الانفتاح التركي على الشرق الليبي فرضته مجموعة من العوامل".
وعلى رأس تلك العوامل "رغبة أنقرة في تعظيم حضورها وتأثيرها في ليبيا عبر تنويع علاقاتها مع مُختلف الجهات الداخلية الفاعلة، وإعادة تصميم دورها للتكيّف مع مُتطلبات العلاقة الجديدة مع مصر".
ويقول علوش لموقع "الحرة" إن "أولويات أنقرة في ليبيا الآن هي إنهاء الانقسام الداخلي وإعادة توحيد مؤسسات الدولة وتعزيز شرعية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي أبرمتها مع حكومة السراج".
ويضيف أن "الانفتاح الحاصل يعزز من فرص تركيا للدفاع بالاتجاه المذكور".
كما أن "الانفتاح يساعد أنقرة والقاهرة على مواءمة دورهما ونفوذهما لإنهاء الصراع"، بحسب الباحث.
ويعتقد الباحث السياسي التركي، علي أسمر أن لقاء أنقرة بين بلقاسم حفتر وفيدان "يعكس رغبة كل من تركيا وأطراف في ليبيا، بمن فيهم قوات حفتر، في تحسين العلاقات الثنائية وتجاوز الخلافات السابقة".
ويقول لموقع "الحرة" إن "تعزيز التعاون بين البلدين قد يكون خطوة نحو تحقيق استقرار أكبر في ليبيا، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية وإعادة الإعمار".
ومن ناحية أخرى، يشير أسمر إلى أن "ليبيا تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة بعد سنوات من الصراع".
ويوضح أن "تركيا التي تتمتع بخبرة واسعة في مشاريع البنية التحتية والتنمية قد ترى في التعاون مع صندوق التنمية وإعادة الإعمار فرصة اقتصادية كبيرة".
ومن الممكن بحسب حديث الباحث التركي أيضا أن يكون اللقاء "تمهيدا لزيادة الاستثمارات التركية في ليبيا، بما في ذلك قطاعات النفط والغاز، البنية التحتية، والطاقة المتجددة".
"بعد أمني وديناميكات جديدة"
وكانت السياسة التركية قد شهدت "انعطافة" بعد فوز إردوغان بانتخابات الرئاسة، وقبل ذلك عندما بدأ بالتجهيز لحملات الاستحقاق، الذي خاضه في مايو 2023.
ولم تقتصر تلك الانعطافة على ملف دون آخر، بل خيمت على الكل، وأبرزها الملفين السوري والليبي.
وبخصوص ليبيا يعتبر الباحث علوش أن "حفتر قوة مؤثرة بحكم الأمر الواقع ولا يُمكن تجاهله، ولا تستطيع أي دولة لعب دور فعال في ليبيا دون الانفتاح على الشرق".
ويقول إنه يمكن النظر إلى التحول التركي في ليبيا من منظور "إعادة أنقرة تصميم سياساتها في صراعات المنطقة، من خلال التحول من منخرط في دعم أحد أطرافها إلى وسيط محتمل بين الأطراف المتصارعة".
ويضيف الباحث أن "الديناميكيات الجديدة التي ظهرت في المنطقة في السنوات الأربع الماضية فرضت على تركيا كما القوى الإقليمية الفاعلة الأخرى إعادة تشكيل العلاقات فيما بينهما وسياساتها في الصراعات الإقليمية".
ومن الناحية الأمنية، يضيف الباحث أسمر أن لقاءات المسؤولين الأتراك والليبيين في الشرق "قد تساعد في تخفيف التوترات بين تركيا وقوات حفتر، مما قد يسهم في تعزيز الاستقرار الأمني في ليبيا".
ويقول من جانب آخر إن "التعاون مع شرق ليبيا يمكن أن يكون أيضا جزءا من استراتيجية أنقرة لتعزيز نفوذها في إفريقيا وخاصة بعد الانقلابات الأخيرة في القارة السمراء"، وقد يمهد أيضا إلى "إنشاء أرضية قوية للدور التركي في ليبيا مستقبلا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!