ترك برس - الأناضول
بعد 7 سنوات من حرب أهلية في ليبيا، تجددت آمال المجتمع الدولي بالتوصل إلى تسوية سياسية، بعد اتفاق 10 مارس الماضي على تشكيل حكومة وحدة وطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وإنهاء وضع الحكومتين المتنافستين في غربي البلاد وشرقها.
وبعد عقد كامل من عدم الاستقرار، نجحت ليبيا، بدعم من الأمم المتحدة، في تشكيل حكومة لتوحيد مؤسسات الدولة، وإنهاء القتال بين قوات حكومة الوفاق الوطني (السابقة)، ومقرها العاصمة طرابلس (غرب)، والمعترف بها من الأمم المتحدة، ومليشيا حكومة شرقي ليبيا، بقيادة اللواء المتقاعد، خليفة حفتر.
ومن المفترض أن تقود حكومة الوحدة ليبيا إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، في 24 ديسمبر/ كانون الأول القادم، بعد الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار وتوحيد السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة.
وتحول تدخلات قوى إقليمية ودولية، عبر دعم أطراف محلية، دون تحقيق مصالحة وطنية شاملة واستقرار الأوضاع.
وفي 2 يوليو/ تموز الماضي، أنهى المشاركون في منتدى الحوار السياسي الليبي اجتماعاتهم في مدينة جنيف السويسرية من دون التوصل إلى اتفاق حول الانتخابات القادمة.
ويرى مراقبون أن فشل الاجتماعات كان نتيجة تدخلات قوى خارجية عملت على الخروج بنتائج لصالحها، عبر الأطراف الحليفة لها المشاركة في المنتدى، ما خلق تباينا في وجهات النظر أفضى إلى عدم الاتفاق.
وتشهد الساحة الليبية تدخلات من دول مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر والإمارات، فيما تدعم تركيا السلطة الليبية الشرعية، المعترف بها دوليا، عبر اتفاقيات ثنائية.
وإلى جانب التدخلات الأجنبية في الشؤون الداخلية، يبرز ملف المقاتلين الأجانب المدعومين من قوى إقليمية ودولية بين الملفات التي تزيد المشهد تعقيدا.
ويُعتقد أن وجود هؤلاء غير الشرعي للقتال بجانب مليشيا حفتر، ساهم بشكل كبير في زعزعة الاستقرار وتقويض جهود الحل السياسي.
ومع هجوم حفتر على طرابلس، في أبريل/ نيسان 2019، طلبت الحكومة الشرعية، برئاسة فائز السراج آنذاك، من تركيا التدخل لمنع سقوط العاصمة، وهو تدخل مؤطر باتفاقية أمنية بين البلدين.
ومن دون تنسيق مع الحكومة، المعترف بها من الأمم المتحدة، تواجد في ليبيا، خلال السنوات الأخيرة، آلاف من "المرتزقة"، بينهم "مجموعة فاغنر" الروسية، التي تفيد تقارير بتلقيها دعما ماليا وتسليحيا من روسيا ومصر والإمارات.
وعلى الرغم من الدعوات المتكررة لإخراج المقاتلين الأجانب من ليبيا، إلا أن قلة منهم غادروا بالفعل البلد الغني بالنفط، خلال الأشهر الماضية.
وتتخوف تشاد والسودان، وهما من دول الجوار الليبي، من أن يشكل المقاتلون "المرتزقة" عاملا من عوامل عدم الاستقرار، بعد عودة أعداد منهم إلى البلدين.
وإلى حد ما، ظلت الولايات المتحدة بعيدة عن الانخراط المباشر في الصراع العسكري، وخلقت معادلة توازن في علاقاتها مع القوى الداعمة لطرفي الصراع.
ولواشنطن علاقات تحالف وتنسيق مع دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) معنية مباشرة بالصراع الليبي، وهما فرنسا وإيطاليا، اللتان تدعمان مليشيا حفتر، وعلى النقيض منهما تركيا، التي دعمت حكومة الوفاق الوطني السابقة، وتساند حكومة الوحدة الوطنية الحالية.
وعلى ما يبدو فإن القوى الإقليمية والدولية الداعمة للانقلابي حفتر تستفيد من حالة عدم الاستقرار واستمرار تفكك مؤسسات الدولة الليبية، الأمنية والعسكرية.
واتجه حفتر، منذ سنوات، إلى عقد تحالفات مع أطراف خارجية، مثل مصر والإمارات وروسيا، لافتقاره إلى التأييد المحلي وتفضيله خيار العمل لصالح تلك الأطراف، على أمل انتزاع اعتراف المجتمع الدولي به كطرف "شرعي" في الصراع الليبي بشكل موازٍ لاعتراف الأمم المتحدة بشرعية حكومة الوفاق حينذاك.
وتدرك الأطراف الداعمة لحفتر حقيقة "غياب شرعية" قواته، وافتقاره إلى الدعم المحلي، ما دفعه إلى الاستعانة بمرتزقة أجانب.
وتراجع خطاب حفتر عن الحسم العسكري، بعد سلسلة هزائم عسكرية في أعقاب الاتفاقية الأمنية بين حكومتي تركيا وليبيا.
سلسلة إخفاقات حفتر العسكرية ووقوفه ضد رغبة المجتمع الدولي بإحلال السلام، خلقت حالة من التردد لدى القوى الإقليمية والدولية، التي كانت تراهن على سيطرته على العاصمة، عبر دعم قواته ماليا وعسكريا.
ويحاول حفتر، بدعم خارجي، إضعاف شرعية حكومة الوحدة والمجلس الرئاسي الثلاثي، وعرقلة إجراء انتخابات ديسمبر، على أمل استمرار حالة عدم الاستقرار، ولعب دور أكبر في صراع محتمل بعد موعد الانتخابات، سواء أُجريت أو أُلغيت.
ويُعتقد أن قوى خارجية تقف خلف موقف حفتر الأخير برفضه خضوع قواته لأي سلطة في ليبيا حتى بعد الانتخابات أو تشكيل حكومة جديدة، وإصداره قرارات بتعيينات وترقيات لضباط في ما يُسمى "الجيش الوطني".
وهذه القرارات غير قانونية، إذ أنها من صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، وهو "المجلس الرئاسي"، المكون من ثلاثة أشخاص.
لكن الخلافات حول منصب القائد العام للقوات المسلحة بين الانقلابي حفتر والمجلس الرئاسي أظهرت صعوبة المضي بخارطة الطريق، التي رسمتها الأمم المتحدة، لإنجاز تسوية سياسية خلال فترة انتقالية تمهد لانتخابات ديسمبر.
وجاءت قرارات حفتر بعد يومين على صدور تعميم من المجلس الرئاسي إلى جميع الوحدات العسكرية بالتقيد بتعليماته، كقائد أعلى للقوات المسلحة، فيما يخص الترقيات وتشكيل الوحدات العسكرية وتعيين آمري (قادة) المناطق العسكرية.
وتراجعت أي فرص للتوافق بين حكومة الوحدة من جهة وعقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، التابع للحكومة "المؤقتة" غير المعترف بها وحفتر من جهة أخرى، رغم جهود مصر، التي يرى متابعون أنها تحاول الضغط على حكومة الوحدة لقبول بعض شروط حفتر، ومنها ترشحه للرئاسة، وإنهاء الوجود التركي في ليبيا، وهو وجود شرعي قانوني، بموجب اتفاقيات رسمية بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الدول الداعمة لحفتر كانت مرغمة على الاعتراف بحكومة الوحدة، بدوافع عديدة، منها محاولة زيادة نفوذها داخل هذه الحكومة، مع استمرار الرهان على فشل الانتخابات لتأسيس إدارة موازية في الشرق الليبي.
وقبل الانتخابات، من المتوقع أن تزداد الضغوط على حفتر من حلفائه الإقليميين والدوليين، للانخراط في المسار السياسي، بعد سلسلة من محطات الفشل التي رافقت مسيرته، خلال سبع سنوات من الدعم والتمويل الخارجي.
وعلى ما يبدو، فإن خسارة حفتر لعدد من الأطراف الإقليمية والدولية، التي باتت لا تثق بقدراته على حماية مصالحها في ليبيا، دفعته لتبني خطاب سياسي أكثر مرونة، تمثل في تأييده الانتخابات ودعوته إلى المشاركة الواسعة فيها، بعد أن أيقن حقيقة تراجع معظم الأطراف الداعمة له، وإصرار المجتمع الدولي على دعم العملية السياسية، كسبيل وحيد للخروج من الصراع الدموي.
لكن من غير المتوقع أن تتخلى جميع الأطراف الإقليمية والدولية عن دعم حفتر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!