يوسف دينتش - يني شفق

سبق لي أن قمت بتحليل جيواقتصادي لحرب محتملة بين إيران وإسرائيل. وخلصت إلى أن التوتر بين الطرفين مهما تصاعد، فإن المخاوف من حدوث أزمة في الطاقة بأوروبا ستدفع القوى الدولية إلى احتواء التوتر وكبحه.

واليوم نظراً لظهور متغيرات جديدة أود فتح صفحة جديدة في هذا النقاش. لكن سأختصر الكلام، فما قيل كافٍ. فأنا أود اليوم أن أكتب أيضاً عن الأخ الدكتور محمد دوغان.

لقد تصدرت أنباء اندلاع حريق في محطة زابوريجيا النووية عناوين الأخبار، ورغم أنني أكرر ذلك في كل فرصة سانحة، فقد بات من الواضح الآن أن العدو الحقيقي لأوروبا ليس روسيا، بل الولايات المتحدة.

وبما أن الأمر كذلك، فإن الولايات المتحدة لن تتردد في إشعال حرب بين إيران وإسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب مصالح أوروبا. كما أن انقطاع الطاقة عن الهند ليس أمراً يهم الولايات المتحدة.

في الواقع، عودة أوروبا إلى محطات الطاقة النووية التي كانت قد قررت إغلاقها لم يكن قرارًا عاديًا. فقد اتضح أن أوروبا غير قادرة على تحدي الولايات المتحدة. وتبين لنا أيضاً كيف كانت تركيا تحسن الرد والتعامل مع هذا الوضع بشكل جيد.

بدأتُ أعتقد أن تطويق الخليج العربي بالألغام لم يعد أمرًا غير مرغوب فيه بالنسبة للولايات المتحدة؛ بل يبدو لي الآن أنه الوضع الذي تسعى إليه بالفعل.

إذا أُغلق الخليج، فستواجه الصين أزمة طاقة حادة، وإن لم تكن شاملة، لكنها ستؤثر سلبًا على اقتصادها. والولايات المتحدة مصممة على عدم السماح للصين بأن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

تعتمد الصين بشكل كبير على الفحم لتلبية احتياجاتها من الطاقة، وهو أمر طبيعي بالنظر لحجم اقتصادها وطبيعة موارد الطاقة لديها.

وتعد روسيا أكبر مورد للطاقة الأحفورية غير الفحم للصين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، تليها دول الخليج.

وبعد أن تضررت خطوط إمداد الطاقة إلى أوروبا بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، زادت روسيا من صادراتها من الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب "قوة سيبيريا"، حتى أنها خططت للاستثمار في "قوة سيبيريا 2". (أود هنا أن أشير إلى أن هذا الوضع زاد من أهمية كوريا الشمالية الجيواقتصادية) إلا أن خط الأنابيب الإضافي لن يكون حلاً كافياً على المدى القصير لتقليل اعتماد الصين على دول الخليج في مجال الطاقة.

في ظل هذه الظروف، ستضطر الصين إلى زيادة اهتمامها بمصادر الطاقة في كازاخستان وتركمانستان عبر "الممر الأوسط". ولكن قد تقوم الولايات المتحدة بإثارة الاضطرابات في الخليج العربي، مما يعيق ذلك.

لا أستغرب تجاهل دول الخليج للتطورات الجارية. فكل دولة في المنطقة تسير نحو مصيرها.

باختصار هناك احتمالان؛ إما أن تتدخل الولايات المتحدة لمنع إسرائيل من شن حرب قد تؤدي إلى انهيار أوروبا، أو أنها ستقوم بتأجيج الحرب لإلحاق الضرر بالصين. والصورة الحالية تشير إلى أن الاحتمال الثاني هو الأكثر ترجيحًا.

بالطبع، لهذا الاحتمال الثاني تأثيرات على العالم بأسره. فإذا أغلق الخليج، لن تكون الصين وحدها التي ستعاني من أزمة طاقة وانكماش اقتصادي، بل ستشمل الأزمة أيضًا الهند. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة حدة السياسات الاستهلاكية المتبعة حاليًا. حتى إذا انخفض الطلب الأوروبي، فإن انكماش هذين الاقتصادين سيؤدي إلى نقص حاد في العرض على مستوى العالم وإلى تضخم شديد.

حتى الأحداث التي تشهدها بنغلاديش ليست محض الصدفة. إذ تعد هذه الدولة هدفًا للهند بسبب مواردها المائية، وإذا كانت تشهد اضطرابات الآن، فيجب أن تُدرس بعناية. فكما تعلمون، يعد توفير المياه أحد أكثر المجالات استهلاكًا للطاقة في عالم اليوم.

أود إضافة ملاحظة أخيرة إلى هذا التحليل. لقد تجاهلت الولايات المتحدة لفترة طويلة أفعال اليابانيين خلال الحرب العالمية الثانية، ولكنها تحولت فجأة إلى عدو رئيسي. ويُفسَّر هذا التحول عادةً بأنه رد فعل على هجوم بيرل هاربر، ولكن هذا التفسير، وإن كان صحيحًا، فهو ناقص جداً. لقد واجه اليابانيون غضب الولايات المتحدة بسبب سعيهم نحو الاستقلالية في مجال الطاقة عبر رغبتهم في السيطرة على المناطق الغنية بالطاقة.

والآن، إذا قطعت إمدادات الطاقة عن الصين، فهل ستلجأ إلى غزو الدول الغنية بالطاقة، كما فعل اليابانيون من قبل؟ أم أنها ستحاول السيطرة على الممرات المائية الحيوية مثل مضيق "ملقا" في بحر الصين الجنوبي؟ أم أنها ستضيق الخناق على الهند في بحر أندامان؟ أم أنها ستتحلى بالصبر وتستمر في انتهاج سياسة طويلة الأمد؟ هذه الأسئلة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى.

 

في رثاء الأستاذ الدكتور محمد دوغان

لقد ودعنا أمس الأخ الدكتور محمد دوغان، المؤسس والرئيس الفخري لاتحاد الكتاب الأتراك، الذي خاض نضاله من أجل الخلود، إلى مثواه الأخير.

أعتقد أنه كان أكثر الأشخاص الذين قابلتهم كاريزما. أريد أن أبدأ بقول هذا. كانت طريقته في تناول الموضوع في ورشات العمل نموذجية.

لقد شعرت بقرب شديد منه عندما علمت أن أول كتاب قرأه هو "الكوخ رقم 9". ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي أرتبط فيها بشخص ما من خلال كتاب. أليس من المدهش أن يكون أول كتاب يقرأه شخصان هو نفسه؟ وليس من المستغرب أن أرتبط به من خلال كتاب، فهو أحد أعمدة عالم الأدب.

إن التعرف على صديق بين أصدقاء 40 عامًا هو أمر جميل حقًا، ولو كان متأخرا. والأصدقاء الذين يحافظون على صداقتهم لمدة أربعين عامًا هم أشخاص مميزون حقًا.

لقد التقيت بالعديد من الأشخاص الطيبين والأخيار والصالحين في فرع اتحاد الكتاب الأتراك الذي أسسه بإسطنبول. كما تعلمون، ندعو الله دائماً أن يجمعنا بالأشخاص الصالحين. فكم من الناس يحظون بمثل هذه الفرصة؟

فعندما أسس اتحاد الكتاب الأتراك، لم يكن يهدف إلى تأسيس جمعية عادية، بل كان يهدف إلى إنشاء مؤسسة تعليمية ودينية وثقافية في نفس الوقت. وقد بذل قصارى جهده لحماية هذه المؤسسة من أن تصبح مجرد جمعية عادية. هذا هو ما يفعله الأشخاص المسؤولون.

وبفضل ذلك، أصبح اتحاد الكتاب الأتراك حصنًا لا يسقط في الحرب. وإذا كان مصيرنا هو الدفاع، فليكن.

لقد كرس جهوده الفكرية من خلال اتحاد الكتاب الأتراك لمحاربة محاولات جعل تركيا خاضعة ثقافياً، كما ذكر في مقدمة القاموس التركي الكبير.

وقد تمكن من مواصلة هذه المعركة دون كلل أو ملل وعلى خط مستقيم، تمامًا كما فعل الشاعر الكبير محمد عاكف، وشهد عام قصيدة "نشيد الاستقلال".

أنا مدين له ولأصدقائي في اتحاد الكتاب الأتراك بجميل لا أستطيع وصفه. أتساءل كيف يمكن لشخص أن يكون له هذا القدر من الحقوق عليّ. فمسألة الحقوق والواجبات كالسلسلة، ولهذا يجب أن نكون بنائين لا هدامين.

أسأل الله أن يتغمدك بواسع رحمته، وأن يسكنك فسيح جناته.

عن الكاتب

يوسف دينتش

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس