ترك برس
رأى الكاتب والخبير في الشؤون الدولية علي باكيرن أن مشروع طريق التنمية سيتمتع بدور جيوسياسي مهم نظرا لكونه يتمتع بالقدرة على تعزيز التكامل الإقليمي، وربط الاقتصادات والشعوب من خلال بنية تحتية مشتركة.
وقال باكير في مقال بصحيفة "عربي21" إن تركيا استضافت في أغسطس الماضي قمّة إسطنبول لمناقشة الخطوات القادمة في مشروع طريق التنمية الإقليمي والعقبات التي من الممكن أن تعيق تقدّم هذا المشروع.
وأوضح أن القمّة جمعت ممثلين عن الأطراف الرئيسية في المشروع، هي تركيا، والعراق، وقطر، والإمارات ممّن أبدوا التزامهم بما يترتب عليهم من خطوات للمضي قدما.
ووفقا للكاتب، يُعد مشروع طريق التنمية بمنزلة شبكة من مشاريع البنية التحتيّة والمواصلات، لاسيما الطريق السريع وخط سكّة الحديد وخط النقل البحري، ويهدف إلى ربط آسيا ومنطقة الخليج العربي بتركيا وأوروبا، وذلك عبر ميناء الفاو العراقي قيد التطوير، والخط البري العراقي ـ التركي.
وأكد أنه على الرغم من أنّ المشروع يبدو ذا طبيعة اقتصادية بحتة، إلا أنّ تأثيراته ذات طابع سياسي ودبلوماسي ومالي وأمني واجتماعي أيضا. يوفّر المشروع طريق تجارة أقصر وأكثر كفاءة من المشاريع الأخرى. حجم المبادرة وتكلفتها والآثار المترتبة عنها يجعلها من المشاريع الطموحة، التي تحظى بالقدرة على إعادة تعريف الديناميات الإقليمية، نظرا لقدرتها على ربط هذه المناطق بفعالية وبشكل يضع العراق وتركيا في قلب شبكة اللوجستيات العالمية. ومع ذلك، فإن تحقيقها يتطلب التزامات بعيدة المدى، والقدرة على مواجهة التحديات والمصاعب التي ستواجهها، وذلك لضمان نجاحها.
وتابع المقال:
من المتوقع أن يحقق المشروع حال إنجازه الكثير من الفوائد والامتيازات للدول المنخرطة فيه، كما من المتوقع أن يترك تأثيره على المنطقة برمتها وعلى المناطق الواقعة خارج نطاقها، لاسيما لناحية مضاعفة حجم التبادل التجاري، وتجارة الترانزيت، وتدفق الاستثمارات، والسلع، وازدياد مشاريع البنى التحتية والخدمية. كما من المتوقع أن يحقق المشروع الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والانفتاح الاجتماعي على دول المنطق.
تمّر السفن التجارية التي تريد أن تنقل البضائع من الخليج إلى أوروبا عبر قناة السويس، التي تعد بمنزلة الطريق الأقصر مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح. لكن مشروع التنمية التركي، سيكون بإمكانه تقصير الوقت والتكلفة بحوالي 10 أيام، مقارنة بالطريق الأقصر حاليا وهو طريق قناة السويس. كما من المتوقع أن يقلل التكلفة ويزيد من كفاءة التجارة، ممّا من شأنه أن يخلق فرصا جديدة للشركات للمشاركة في التجارة عبر الحدود.
بالنسبة للعراق، يعد المشروع بإنعاش الاقتصاد المدمر بسبب الحرب، من خلال تحويل العراق إلى شبكة مواصلات ومركز عبور رئيسي، بحيث يؤمّن له ذلك أيضا جذب المزيد من الاستثمارات، لاسيما في مجالات تطوير البنية التحتية والطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر المشروع للعراق فرصة لتنويع اقتصاده، بعيدا عن الاعتماد على النفط، مما يخلق مصادر دخل جديدة وفرص عمل، وهو الأمر الذي تطمح الدول الخليجية المشاركة فيه أن تحصل عليه أيضا، إلى جانب مضاعفة حجم التبادل الاقتصادي. وبالمثل، ستستفيد تركيا من موقعها الاستراتيجي كبوابة إلى أوروبا. يمكن أن يعزز المشروع أيضا دور تركيا كقوة اقتصادية إقليمية، مما يعزز نفوذها في كل من الشرق الأوسط وأوروبا.
بعيدا عن الفوائد الاقتصادية، من المتوقع أن يؤدي المشروع دورا جيوسياسيّا مهمّا؛ نظرا لكونه يتمتع بالقدرة على تعزيز التكامل الإقليمي، وربط الاقتصادات والشعوب من خلال بنية تحتية مشتركة. من خلال القيام بذلك، يمكن أن يساعد في استقرار المنطقة من خلال تشجيع التعاون بدلا من المنافسة. مع تعزيز العراق وتركيا روابطهما من خلال هذا المشروع، قد تتبع دول مجاورة أخرى النهج نفسه، مما يؤدي إلى تعاون أوسع يمكن أن يقلل من التوترات في منطقة تاريخية مضطربة.
واحدة من الآثار الجيوسياسية الرئيسية للمشروع، هي قدرته على العمل كممر للطاقة. يتمتع الشرق الأوسط باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز، يتم تصدير الكثير منها إلى أوروبا. من خلال توفير طريق بري آمن وفعال لنقل هذه الموارد، يمكن أن يقلل المشروع من اعتماد أوروبا على الطرق البحرية، بما في ذلك قناة السويس المعرضة للخطر. لن يعزز هذا من أمن الطاقة لأوروبا فحسب، بل سيمنح العراق وتركيا أيضا نفوذا استراتيجيّا في أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.
على الرغم من العديد من الفوائد، يواجه المشروع تحديات كبيرة يجب معالجتها لضمان نجاحه. واحدة من القضايا الرئيسية، هي الأمن. يمر الطريق عبر العراق الذي يعاني منذ فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، والإرهاب. سيتطلب ضمان سلامة البنية التحتية والسلع المنقولة على طول الممر استثمارات كبيرة في تدابير الأمن، بالإضافة إلى جهود مستمرة لاستقرار المنطقة سياسيّا. بالإضافة إلى المخاوف الأمنية، فإنّ نفوذ إيران الكبير في العراق قد يشكّل عائقا أمام تنفيذ المشروع، خاصة إذا ما رأت إيران أنّه لا يصب في صالحها. علاوة على ذلك، فإن الحجم الكبير للبنية التحتية المطلوبة للمشروع بالإضافة إلى تأمين التمويل اللازم لها يمثل تحديا.
لكن بالمقارنة مع المشاريع الأخرى الموجودة لاسيما مشروع الهند ـ الخليج ـ أوروبا، فإنّ المشروع التركي يعد أكثر واقعية وأقل تكلفة، وأكثر فعالية وتوفيرا للوقت والمال والجهد، وأكثر فائدة كذلك. ولهذا السبب، فإنّه إذا ما كتب للمشروع النجاح بالفعل، فإنه قد يغيّر وجه المنطقة بالكامل، ويفتح المجال كذلك للمزيد من الدول للانضمام إليها. لكن قبل ذلك، سيتعيّن على الدول الأعضاء أو تواجه التحديات بحزم، وأن تتغلب على المصاعب التي من شأنها أن تمنع أو تعرقل قيامه، حتى يتحول إلى حقيقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!