توران قشلاقجي - القدس العربي
عندما طرح البريطانيون فكرة إقامة الدولة الصهيونية على الأراضي الفلسطينية لأول مرة في عام 1917 من خلال «إعلان بلفور»، أبدى العالم العربي وكذلك الإسلامي كله، من الهند وحتى الجزائر، ردة فعل قاسية للغاية، وكتب المفكرون المسلمون حينها مقالات مطولة تدين البريطانيين؛ لأن العالم الإسلامي كان ينظر إلى فلسطين والقدس باعتبارهما قضية تخص المسلمين تماما. إلا أن البريطانيين لم يتخلوا عن وعدهم بإقامة دولة للصهاينة، الذين دعموهم ضد الدولة العثمانية على جبهات عديدة، خاصة في جناق قلعة، من خلال «فرقة البغالة» التي أسسوها بعد سنوات طويلة من الشتات.
في عام 1937، نشرت مارغريت فاركوهارسون رئيسة الاتحاد الوطني البريطاني، مقالا لصالح الصهاينة وضد الفلسطينيين، ما أثار غضب المفكر والشاعر المسلم الشهير محمد إقبال، الذي كان يرقد على فراش المرض. وفي رسالة كتبها إلى فاركوهارسون، قبل بضعة أشهر من وفاته، قال إقبال: «فلسطين ليست ملكا لليهود الذين تركوا هذه الأراضي بإرادتهم الحرة، منذ وقت طويل قبل أن يستقر العرب فيها. الصهيونية ليست حركة دينية. الحقيقة هي أن الصهيونية كحركة لم تتأسس لإقامة وطن لليهود، بل لتوفير أرضية للإمبريالية البريطانية في حوض البحر الأبيض المتوسط».
كان محمد إقبال يؤكد أن القضية الفلسطينية هي في المقام الأول مشكلة دولية، من الناحيتين السياسية والدينية، ويجب على رجال الدولة المسلمين مواجهتها، ويطالب المسلمين بأن يكونوا يقظين تجاه منظمة الأمم المتحدة، والتي كانت تسمى في ذلك الوقت عصبة الأمم. كما أشار إلى أن عصبة الأمم هي منظمة أنكلو-فرنسية و»ظاهرية»، واقترح أنه في حال اعترفت هذه المنظمة بدولة للصهاينة في الأراضي الفلسطينية، فإنه يجب على الأمم الشرقية، خاصة المسلمين، إنشاء عصبة أمم جديدة خاصة بها. وأوصى إقبال بأن يكون مقر عصبة الأمم الجديدة في إسطنبول أو طهران.
في رسالته، لفت إقبال الانتباه إلى المؤامرات والألاعيب التي نفذتها القوى الإمبريالية ضد العالم الإسلامي لسنوات طويلة، وذكر أن العرب تخلوا عن مواقفهم السياسية، بسبب عرض كان ينص على منح اليهود أرضي خصبة مقابل حصولهم على قطع من الأراضي في الصحارى الجبلية ومبالغ من المال، وقال إن كل من يفهم ما يحدث في الشرق الأدنى (الشرق الأوسط اليوم) سيعترف بالظلم الذي لحق بالفلسطينيين، وحث الدول الغربية على تجنب التصرفات التي من شأنها المساس بكرامة العرب، محذرا من أنهم إذا استمروا في هذه الألعاب، فإنهم سوف يحفرون قبورهم بأنفسهم.
يدعو إقبال في رسالته الدول الإسلامية أيضا إلى التحلي باليقظة تجاه المؤامرات التي تحاك ضد الشرق الأوسط، وينصحها باستخلاص الدروس، ويضيف: «ما حدث يظهر بكل وضوح أن الوحدة السياسية لشعوب الشرق الأدنى تعتمد على إعادة توحيد الأتراك والعرب. إن سياسة إبعاد الأتراك عن العالم الإسلامي ما زالت متبعة. كنا نسمع في السابق أن الأتراك خرجوا من الإسلام؛ والآن ما زلنا نسمع الشيء نفسه. لا توجد أكذوبة أكبر من هذه. ولا يقع في شباك هذه الدعاية الشيطانية سوى أولئك الذين لا يملكون أدنى فكرة عن تاريخ الشريعة الإسلامية. يجب أن يتذكر العرب، الذين ساهموا في نشر الإسلام من خلال توحيد الدول الآسيوية بوعيهم الديني، ما حدث لهم بعد مغادرة الأتراك المنطقة».
على الرغم من تحذيرات المفكرين المسلمين من جميع أنحاء العالم، وفي مقدمتهم محمد إقبال، لم تتمكن الدول الإسلامية التي كانت في طور النهوض والتعافي من منع قيام دولة صهيونية على الأراضي الفلسطينية، وقررت الأمم المتحدة بالفعل تأسيس دولة إسرائيل في عام 1947. ولكن لعل ما نشهده اليوم من تضامن شعبي مع فلسطين في جميع أنحاء العالم، بسبب مجازر إسرائيل في غزة، ينعش الآمال في نهاية هذا الظلم القائم وعودة الحرية للشعب الفلسطيني.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس