ترك برس
أفاد تقرير لشبكة الجزيرة القطرية أن تركيا كانت محطة رئيسية في مخطط تهريب ولقاءات استخباراتية لرجل الأعمال الإسرائيلي موتي ميمان (72 عاما) المتهم بالتجسس لصالح إيران.
وبعد إعلان الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنها اعتقلت مواطنا إسرائيليا جنّدته الأجهزة الأمنية الإيرانية للقيام بعمليات أمنية وجمع معلومات، يعود إلى الواجهة مجددا سعي طهران لتجنيد عملاء وجواسيس داخل إسرائيل.
وكان جهاز الأمن العام (الشاباك) أعلن أن طهران نجحت خلال الحرب على قطاع غزة في تجنيد ميمان من بلدة عسقلان للتعاون مع الحرس الثوري الإيراني ومخابراته، مما يعكس جهود المخابرات الإيرانية لاختراق المجتمع الإسرائيلي وإنشاء مجموعات من المرشحين المحتملين للتجنيد.
جهود المخابرات الإيرانية
وتثير قضايا التجسس من قبل إسرائيليين لصالح المخابرات الإيرانية القلق للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لأن هناك من اليهود من هم على استعداد للعمل في مهام سرية مقابل أموال لدولة معادية، مما يعدّ صدمة للمجتمع الإسرائيلي وسط حالة الاستقطاب والانقسامات التي تفككه، بحسب قراءة للمحلل الاستخباري والإستراتيجي في صحيفة "هآرتس" يوسي ميلمان.
وقدر ميلمان أن جهود المخابرات الإيرانية المتواصلة على مدى سنوات طويلة والتي تصاعدت خلال العام الأخير، تعكس تطلع طهران لتوسيع دائرة شبكة العملاء والتجسس التي تعمل لصالحها داخل إسرائيل، قائلا إن "اقتراح طهران في السابق على أحد المجندين من أصل إيراني تأسيس ناد للإسرائيليين هو مثال كلاسيكي، حيث يمكن أن يتحول الكم إلى نوع".
ويقول ميلمان "صحيح أن القدرات المضادة للشاباك، إلى جانب عمليات الاستخبارات العسكرية والموساد، تشير إلى أن المخابرات الإسرائيلية لها اليد العليا، وأنها توغلت في إيران بشكل أعمق بكثير مما توغلت في إسرائيل، لكن الإخفاقات لا تردع المخابرات الإيرانية التي تعمل بلا توقف ولا ينبغي الاستهانة بها".
وأوضح المحلل الاستخباري والإستراتيجي أنه لا ينبغي التقليل من محاولات أجهزة المخابرات الإيرانية لتجنيد عملاء للنشاط داخل إسرائيل، خاصة عندما يكون جل نشاطها واهتماماتها اليهود الذين يعيشون في إيران.
وقال إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تستخف بهذا النشاط الإيراني، حيث تم توسيع نشاط وكوادر الوحدة المخصصة التي تتعامل مع مراقبة الاستخبارات الإيرانية وحزب الله، والتي تعمل ضمن قسم مكافحة التجسس والجهات الخارجية.
أحدث قضية تجسس
يستدل من لائحة الاتهام التي قدمتها النيابة العامة الإسرائيلية أنه تم تهريب رجل الأعمال الإسرائيلي موتي ميمان، وهو المتهم بارتكاب جرائم أمنية خطيرة ومكث فترات طويلة في تركيا، عبر شاحنة ذهابا وإيابا أربع مرات عند المعبر الحدودي بين تركيا وإيران، حيث أجرى لقاءات بقيادات في أجهزة الاستخبارات في طهران والحرس الثوري.
وأظهرت التحقيقات الإسرائيلية أن عملاء استخبارات إيرانيين اقترحوا على ميمان تنفيذ مهام أمنية واغتيالات وجمع معلومات استخباراتية داخل إسرائيل، ووجهت النيابة العامة له تهم الاتصال بعميل أجنبي خلال الحرب، والدخول إلى دولة معادية دون تصريح، حيث تسعى النيابة العامة إلى حبسه حتى انتهاء الإجراءات القانونية بحقه.
وبحسب المزاعم الإسرائيلية، تضمنت المهام التي طلبت من ميمان نقل أموال أو مسدسات وأسلحة إلى مواقع محددة، وتصوير أماكن مكتظة بالسكان في المدن الإسرائيلية وإرسالها إلى الجهات الإيرانية، وتهديد مواطنين إسرائيليين آخرين جندوا كعملاء لصالح النظام الإيراني داخل إسرائيل، لكنهم لم ينفذوا المهام المطلوبة منهم.
وكشف التحقيق مع ميمان أنه وافق في أبريل/نيسان الماضي على لقاء رجل أعمال إيراني من أجل الترويج لأنشطة تجارية لهذه الغاية، كما أنه التقى داخل الأراضي الإيرانية برجل أعمال إيراني وشخص آخر تم تقديمه على أنه مسؤول في الأجهزة الأمنية في طهران.
المساعي الإيرانية
وزعمت النيابة العامة الإسرائيلية أن أجهزة الاستخبارات الإيرانية جنّدت ميمان الذي أعتقل في أغسطس/آب الماضي لتنفيذ عمليات اغتيال تستهدف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الشاباك رونين بار، وذلك ردا على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية على الأراضي الإيرانية في يوليو/تموز الماضي.
وأفضت تحقيقات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إلى أن ميمان الذي طلب سلفة من طهران بقيمة مليون دولار لتنفيذ مهمة الاغتيالات، أبلغ الاستخبارات الإيرانية أنه لا يمكن تنفيذ الاغتيالات المطلوبة بسبب إجراءات الحراسة المشددة، فطلبت منه طهران التوجه لاغتيال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، أو تجنيد "عميل مزدوج" من الموساد، بيد أن الخطة لم تؤت ثمارها بسبب عدم توفير السلفة.
ولم يقتصر نشاط أجهزة المخابرات الإيرانية والحرس الثوري على تجنيد العملاء والجواسيس، بل وسعت طهران، من الحرب على الجبهة السيبرانية ضد إسرائيل منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بحسب تحقيق للموقع الإلكتروني "زمان يسرائيل".
وبحسب تحقيق أعده الصحفي ديفيد ديموليتا، فإن الجمهورية الإسلامية وضعت معيارا جديدا لإستراتيجيتها السيبرانية، التي تمتد إلى ما هو أبعد من ساحة المعركة وتشمل أيضا عمليات التأثير وجمع المعلومات الاستخبارية، حيث قام "الهاكرز" (القراصنة) الإيرانيون والجماعات المرتبطة بالنظام الإيراني بتصعيد الهجمات السيبرانية على البنية التحتية الحكومية والقطاع الخاص في إسرائيل.
وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، كشفت القناة 12 الإسرائيلية عن حملة خاصة أطلقتها أجهزة المخابرات الإيرانية لتجنيد عملاء لصالحها داخل إسرائيل، مستخدمة مواقع ويب مزيفة ورموزا إسرائيلية لإغراء المواطنين الإسرائيليين والإيرانيين والسوريين واللبنانيين الذين يشتبه في عملهم مع أجهزة استخبارات أجنبية، حيث كشف المحققون استخدام العشرات من المواقع الإلكترونية الملفقة وصفحات على شبكات التواصل وكذلك أرقام هواتف إسرائيلية.
محاولات تجنيد سابقة
خلال الحرب على غزة في أغسطس/آب الماضي، كشفت النيابة العامة الإسرائيلية عن لائحة اتهام في قضية تجسس وصفتها بـ"الخطيرة"، حيث زعمت أن إيران حاولت الترويج لـ"انقلاب عسكري" في إسرائيل.
وكشف تحقيق الشاباك أن عملاء إيرانيين تمكنوا من تجنيد الشاب الإسرائيلي عدن ديفس (30 عاما) من سكان "رمات غان" من أجل الترويج لأهداف إيرانية في إسرائيل، وتشير لائحة الاتهام المقدمة ضده إلى أن إيران تحاول استخدام الاحتجاجات لتفكيك المجتمع الإسرائيلي.
ولم تقتصر الجهود الإيرانية لتجنيد الجواسيس داخل إسرائيل خلال الحرب على غزة، فقد سبق أن أعلن جهاز الشاباك والوحدة الوطنية للتحقيقات الدولية، في يوليو/تموز الماضي، اعتقال ثلاثة إسرائيليين من اليهود الحريديم للاشتباه في قيامهم بأنشطة أمنية بتوجيه من مسؤولي المخابرات الإيرانية، حيث تشعر إسرائيل بالقلق من توجهٍ طهران لتجنيد اليهود الحريديم المتشددين بحكم أنهم أقل وعيا بالمخاطر أو أن ولاءهم ضعيف ويطمعون في المال.
كما كشفت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في ديسمبر/كانون الأول 2023 عن وجود شبكة تجسس إيرانية تجند عملاء في إسرائيل عبر الإنترنت مقابل المال، وقال الشاباك إن "مسؤولي الأمن الإيرانيين اتصلوا بإسرائيليين عبر عدد من المنصات، وتظاهروا بأنهم وسطاء عقارات، أو مهتمون بتسويق الطائرات من دون طيار، أو بالمواعدة عبر الإنترنت، أو بالبحث عن محققين خاصين، وخدمات البريد السريع".
وفي عام 2022، تم الكشف عن قضية معقدة تتعلق بمحاولة إيرانية لتجنيد جواسيس من المغتربين الإيرانيين في إسرائيل عن طريق حساب وهمي على موقع "فيسبوك" باسم رامبود نمدار، تظاهر بأنه شخص يهودي إيراني مهتم بالهجرة إلى إسرائيل، واتصل بعشرات الأشخاص، معظمهم من النساء اليهوديات من إيران، واكتسب ثقتهم من خلال محادثات طويلة.
وتدريجيا طلب منهم القيام بمهام مختلفة مثل تصوير المواقع والمنشآت الحيوية والإستراتيجية في إسرائيل وتحويل الأموال، ليتم القبض لاحقا على 5 مشتبه فيهم في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 ومحاكمتهم في المحكمة المركزية في القدس، مما أثار صدمة الجالية الفارسية في إسرائيل.
أما القضية التي أذهلت الجمهور الإسرائيلي أكثر من غيرها فحدثت عام 2018، عندما تم اعتقال وزير الطاقة السابق غونين سيغيف للاشتباه في تجسسه لصالح إيران، حيث تم تجنيده من قبل السفارة الإيرانية في نيجيريا، وأُدين بـ"التجسس الخطير وتقديم معلومات للعدو" بعد أن قدم معلومات عن المنشآت الإستراتيجية والمؤسسات الأمنية والمسؤولين الإسرائيليين، وحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاما في إطار صفقة الإقرار بالذنب.
وفي عام 1997، أُلقي القبض على رجل الأعمال الإسرائيلي ناحوم منبر للاشتباه في وجود علاقات له مع إيران، حيث باع لإيرانيين أسرار إنتاج غاز الأعصاب وغاز الخردل، وزودهم بالمعدات اللازمة لإنتاج الأسلحة الكيميائية، لكنه ادعى أنه تصرف لأسباب تجارية فقط، في حين اعتبرت المحكمة أن أفعاله تعرض أمن الدولة للخطر، وأدانته بـ"مساعدة العدو" وحكمت عليه بالسجن 16 عاما.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!