ترك برس
سلط مقال على موقع "الإندبندنت عربية"، الضوء على اتساع النفوذ التركي في القارة الإفريقية، مبيناً أن بداياتها كانت عبر القوة الناعمة قبل أن تتطور أنقرة إلى لاعب رئيسي في المنطقة.
وقالت كاتبة المقال، الصحفية إنجي مجدي إن "تركيا بدأت عمليات التنقيب عن النفط قبالة سواحل الصومال، بموجب اتفاقات وقعتها في وقت سابق من العام الحالي. الخطوة تأتي في إطار جهود أوسع من جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحقيق نفوذ دبلوماسي واقتصادي أوسع داخل أفريقيا، حتى أنه ضاعف عدد سفارات بلاده في القارة السمراء أربع مرات خلال عقدين".
وأشارت إلى توقيع أنقرة ومقدشيو في الـ22 من فبراير (شباط) الماضي، مذكرة تفاهم تنص على أن القوات المسلحة التركية شريكة في الأمن البحري وإنفاذ القانون في الصومال على مدى السنوات الـ10 المقبلة.
وفيما يلي تتمة المقال:
بعد أسابيع عدة، أعلنت أنقرة ومقديشو مذكرة تفاهم أخرى، ترسخ لدور تركيا كشريك في عمليات التنقيب عن النفط في الصومال، مع إمكان تولي تركيا المبيعات والتوزيع. الاتفاقات التي تأتي امتداداً لمساعي بدأت منذ العقد الأول من القرن الـ21 إلى التوسع أفريقياً، فمنذ عام 2005 بدأت العلاقات التركية - الأفريقية تأخذ منحى أكثر عمقاً. وحفز هذا النمو الجغرافيا السياسية العالمية، ولكن أيضاً النهج الحازم لحزب العدالة والتنمية والازدهار الاقتصادي التركي.
القوة الناعمة
اعتمدت مشاركة تركيا مع أفريقيا في البداية على القوة الناعمة التي تمثلت في المساعدات الإنسانية والتعليم والمبادرات الثقافية ووسائل الإعلام، إضافة إلى الدين المشترك مع عدد من الدول المسلمة في القارة. توسعت مؤسسة المعارف التركية الدينية إلى شبكة تضم 140 مدرسة ومؤسسة، إذ يدرس نحو 60 ألف أفريقي في تركيا. وكثفت مديرية الشؤون الدينية في أنقرة أنشطتها الإنسانية ودعمها للمساجد والتعليم الديني في جميع أنحاء المنطقة. كما يبث عدد من القنوات التركية في أفريقيا، إذ توجد شبكة التلفزيون التركي الرسمي في 49 دولة أفريقية، وتنشر باللغة التركية. كما تقدم هيئة الإذاعة العامة "تي أر تي" برامج باللغات الفرنسية والإنجليزية والسواحيلية والهووسا، وتعمل على تطوير دورات تدريبية للصحافيين الأفارقة.
بمرور الوقت، أصبحت أشكال النفوذ الأكثر حزماً جوانب رئيسة للشراكة، على سبيل المثال في عام 2011 لعبت تركيا دوراً حيوياً في الصومال، من خلال تقديم المساعدات خلال المجاعة المدمرة. وفي عام 2019 تدخلت تركيا في الحرب الأهلية الليبية من خلال دعم حكومة طرابلس ضد قوات خليفة حفتر، المسيطرة على الشرق الليبي. ووفقاً للبيانات التي جمعتها منظمة "باكس"، وهي منظمة هولندية تسعى إلى تعزيز المجتمعات السلمية، بيعت مسيرات من طراز "تي بي 2" من شركة بيركتار إلى 11 دولة أفريقية في الأقل.
تاريخياً كان نفوذ تركيا مقتصراً في الغالب على شمال أفريقيا والقرن الأفريقي بسبب الروابط الجغرافية والدينية، ومع ذلك وكما كان متوقعاً سابقاً، تعمل أنقرة الآن على توسيع وتعزيز العلاقات مع دول في غرب أفريقيا، مثل نيجيريا والسنغال، ومع دول الساحل أيضاً. وفق الباحثة في الشأن الأفريقي والزميلة لدى مؤسسة التراث الأميركي تريزا بينتو، فخلال العقدين الماضيين، زادت التجارة بين تركيا وأفريقيا من 5.4 مليار دولار إلى أكثر من 40 مليار دولار في عام 2022. وحققت المنتجات والخدمات التركية، من السلع الاستهلاكية إلى السلع الثقافية، والمنتجات الصيدلانية وخدمات البناء، تقدماً كبيراً في الأسواق الأفريقية، وذلك بفضل جودتها وأسعارها التنافسية.
اتفاقات دفاعية
إضافة إلى ذلك، أصبحت تركيا لاعباً رئيساً في المشهد الأمني المتغير في أفريقيا، إذ حققت تركيا حضوراً مهماً في شمال أفريقيا والقرن الأفريقي، من خلال اتفاقات دفاعية مع دول في غرب وشرق أفريقيا، بما في ذلك مع إثيوبيا وغانا وكينيا ونيجيريا ورواندا، واتفاقات بحرية في البحر المتوسط والبحر الأحمر وخليج عدن، بما يتضمن الشراكات مع الصومال والسودان وإريتريا،. وتقول بينتو إنه على رغم أن تفاصيل الصفقات تختلف - تتراوح من الأمن والدعم الفني إلى التدريب العسكري - إلا أنها غالباً ما تتضمن بنوداً حول مبيعات الأسلحة. فبالنسبة إلى الدول الأفريقية، تتمتع المنتجات الدفاعية التركية بعدد من المزايا، فالمسيرات التركية وخبرتها في مكافحة الإرهاب ذات قيمة خاصة بالنسبة إلى الدول التي تواجه حركات التمرد، التي لديها جيوش ضعيفة الموارد وحدود سهلة الاختراق، مثل توغو والنيجر ونيجيريا والصومال.
وفي وقت سابق من هذا العام، زار وفد بقيادة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان عاصمة النيجر نيامي ووقع على مجموعة من الصفقات بعد أن طردت الحكومة العسكرية في البلاد القوات الفرنسية وأمرت الولايات المتحدة بإغلاق قاعدتها العسكرية. وتقول شبكة "بلومبرغ" إن النيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وتبحث شركة التعدين التركية "إم تي أيه" بالفعل عن الذهب في البلاد، وأجرت أيضاً محادثات مع الجزائر وساحل العاج وزيمبابوي في الأشهر الثلاثة الماضية.
الصومال موقع استراتيجي
وفق مراقبون فإنه بالنسبة إلى تركيا، توفر الصومال تحديداً موقعاً جغرافياً استراتيجياً لتعزيز نفوذها في منطقة القرن الأفريقي والمحيط الهندي. ويوضح الباحث لدى المركز الأطلسي في واشنطن كير بايز، أن مساعي تركيا نحو الصومال بدأت قبل عقدين تقريباً، ومنذ ذلك الحين اندمجت تركيا بعمق في الشؤون الصومالية، في كل شيء من أمنها إلى جمع القمامة ومعالجة مياه الصرف الصحي إلى إدارتها للموانئ البحرية والمطارات. ووفقاً لتصريحات سابقة للرئيس التركي، قدمت تركيا أكثر من مليار دولار كمساعدات للصومال بين عامي 2011 و2022. وعلى رغم أن حضور تركيا لم يكن خالياً تماماً من الجدل، فإن الأدلة على شعبيتها منتشرة على نطاق واسع، سواء من خلال جهود جمع التبرعات الشعبية لإغاثة زلزال تركيا في عام 2023 أو في الحياة اليومية، فعلى سبيل المثال أصبح اسم "إسطنبول" شائعاً للفتيات في الصومال، فغالباً ما يستغل الأتراك الروابط الثقافية والدينية المشتركة لإضفاء مزيد من الشرعية على وجودها في الصومال.
وفي عام 2017 أنشأت تركيا أول قاعدة عسكرية أفريقية لها، وهي معسكر توركسوم في مقديشو، ويقال إنها دربت ما يصل إلى 16 ألف جندي. وإلى جانب الولايات المتحدة، نفذت تركيا ضربات بمسيرات ضد جماعة الشباب الإرهابية، مع تأكيد ما لا يقل عن 19 ضربة منذ عام 2022. في أبريل (نيسان) 2023 باعت أنقرة مسيرات من طراز بيريكتار "تي بي 2" إلى مقديشو كجزء من جهود مكافحة الإرهاب، وهي الصفقة التي أسفرت عن توجيه اتهامات من الأمم المتحدة لأنقرة بانتهاك حظر الأسلحة.
منافسة وتحديات داخلية
على رغم تلك الجهود الطويلة للتوسع، فإن المنافسة بين القوى العظمى على النفوذ في مقديشو والتنافسات الإقليمية والدولية والتحديات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي والحكومة الصومالية المنقسمة، كل ذلك من شأنه أن يشكل تحديات كبيرة للمساعي التركية إلى الحصول على دور أكبر في المنطقة.
ويقول باييز إن تركيا ليست القوة الوحيدة النشطة في الصومال، ففي منتصف فبراير (شباط) وقعت مقديشو مذكرة تفاهم مع واشنطن لتأسيس خمس قواعد عسكرية جديدة في البلاد وزيادة التدريب للواء داناب التابع لها. كما تلعب قطر والمملكة المتحدة والصين دوراً في الصومال، ومع ذلك فإن المنافس الرئيس لتركيا في الصومال هو الإمارات، التي اعتبرت المنطقة تاريخياً بالغة الأهمية لمصالحها الاستراتيجية. ويوضح أن أبو ظبي لعبت دوراً حاسماً في مكافحة حركة الشباب، بما في ذلك من خلال الضربات الجوية، ومن ثم فإن انسحاب أو تقليص الدعم الإماراتي في مكافحة الإرهاب سيكون له تأثير مركب، إذ تخطط بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، استجابة لطلب من الصومال، لسحب قواتها بحلول نهاية عام 2024. ويحذر الباحث التركي من أن انسحاب كل من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال والإمارات يهدد بمزيد من الأعباء الأمنية لتركيا من خلال الحاجة إلى القتال ضد الجماعات الإرهابية. ومع استمرار نمو عدد اللاعبين، ستسعى الإمارات إلى تعزيز موقفها من خلال تضاعف استثماراتها الكبيرة بالفعل في بونتلاند وأرض الصومال وإثيوبيا، لاسيما في ظل المنافسة القائمة مع الصين في جيبوتي، وخصوصاً بعد أن أممت حكومة جيبوتي ميناء دوراليه للمياه العميقة، الذي كان مملوكاً سابقاً لشركة إماراتية.
وتفتقر الحكومة الصومالية إلى استراتيجية واضحة تجاه حركة الشباب، فبعد المرحلة الأولى الناجحة من "الحرب الشاملة" في عام 2022 تباطأت المكاسب الميدانية والسياسية، وردت حركة الشباب بسلسلة من الهجمات المروعة. وأعلن رئيس الوزراء حمزة عبد الباري دعمه لمحادثات السلام مع حركة الشباب في معارضة مباشرة للرئيس حسن شيخ محمد، وحشد الدعم العام والخاص من داخل مجلس الوزراء المنقسم بالفعل. وعلاوة على ذلك فإن المكاسب الميدانية الأخيرة التي حققتها حركة الشباب تقوض شرعية الوجود العسكري التركي في البلاد، ووفق مراقبين فإن التنازلات المطلوبة للتوصل إلى تسوية سلمية مع الجماعة الإرهابية قد تشمل إخراج الجيش التركي، الذي دانته حركة الشباب بشدة.
وإضافة إلى الحاجة إلى تحقيق التوازن الدبلوماسي الذي يتطلب من تركيا أن تبحر في علاقاتها المعقدة مع مختلف الفصائل الصومالية والحكومة الفيدرالية والإدارات الإقليمية ولكل منها مصالحها وتحالفاتها الخاصة. فعلى المستوى الأفريقي فإن الصومال في الوقت الحالي على خلاف مع إثيوبيا، وهى شريك قوي آخر لتركيا، في شأن قرار أديس أبابا الاعتراف بسيادة دولة أرض الصومال المنفصلة في مقابل قاعدة بحرية والوصول إلى ميناء في مدينة بربرة الساحلية.وتتوسط أنقرة حالياً في محادثات بين إثيوبيا والصومال في شأن كيفية حل النزاع، وهو هدف رئيس في السياسة الخارجية لأنقرة إذا كانت تريد أن تبدأ في استغلال احتياطات النفط في المنطقة. وأثار ذلك شكوى لاذعة من أرض الصومال الثلاثاء الماضي، إذ اتهمتها بالتدخل.
كما أن وجود جهات دولية أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا، يضيف مزيداً من التعقيدات بالنسبة إلى تركيا. ويقول بايز إن الصعوبات التي تفرضها التأثيرات الخارجية والمنافسة بين القوى العظمى والسياسة الداخلية المضطربة والفساد المنتشر والتكاليف المرتفعة والصراع المستمر في الصومال، من شأنها أن تجعل الوفاء بالوعود الهائلة التي قطعتها تركيا أمراً بالغ الصعوبة. ولا يزال مستقبل هذه الاتفاقات، بالتالي مستقبل علاقات تركيا مع الصومال وموقفها في منطقة القرن الأفريقي، على رغم أنها مبنية على أساس قوي، غير واضح.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!