ترك برس
يرى مراقبون أن التصعيد العسكري الروسي الأخير في شمال غربي سوريا يُعتبر بمثابة رسالة مشفرة إلى تركيا التي تلعب دوراً محورياً في المنطقة.
وبعد فترة من الهدوء النسبي، عادت الطائرات الحربية الروسية لتستهدف منشآت وأحياء سكنية، مما أدى إلى وقوع أعداد كبيرة من الضحايا.
ويأتي هذا التصعيد على وقع توترات إقليمية غير مسبوقة في المنطقة على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان والغارات الإسرائيلية المتصاعدة على الأراضي السورية، فضلا عن الهجمات المتبادلة بين كل من "إسرائيل" وإيران. وفقا لتقرير نشرته صحيفة "عربي21".
وذكرت الصحيفة أن الأراضي السورية تنخرط بشكل متسارع في هذا الصراع المحتدم سواء من خلال التوغلات الإسرائيلية في الجنوب أو في الحديث عن معركة عسكرية مرتقبة للمعارضة في شمال غربي سوريا ضد النظام السوري.
على وقع ذلك، شنت روسيا التي تتمركز قواتها في قاعدة حميميم بالقرب من محافظة اللاذقية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ما يزيد على الخمسين غارة في الفترة بين يومي الاثنين والأربعاء الماضيين على مناطق مختلفة من أرياف حلب وإدلب.
وأسفرت هذه الغارات عن مجزرة مروعة بحق المدنيين، حيث استشهد 10 أشخاص على الأقل وأصيب ما يقرب من 32 شخصا بجروح مختلفة، بينهم نساء وأطفال.
وكانت إدلب التي تعد معقل المعارضة المسلحة في شمال غربي سوريا، تعرضت على مدى الأشهر الأخيرة إلى هجمات متفرقة بين الحين والآخر من الطيران المسير التابع لنظام بشار الأسد، لكن لم تشهد المنطقة هذه الكثافة من الغارات الروسية منذ مدة بعيدة، وهو ما يفتح الباب أمام التساؤلات بشأن الرسائل التي تريد روسيا، التي تعد حليفا رئيسيا للنظام السوري، من هذه الضربات العنيفة التي تأتي في ظل غليان غير مسبوق في المنطقة.
رسالة بالقبضة العسكرية
وفي هذا الشأن، يلفت الباحث في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، نوار شعبان، إلى أن هذا التصعيد الروسي يأتي ضمن تصعيد إقليمي، مشيرا إلى ضرورة فهم المشهد الإقليمي، بما في ذلك ملاحظة الفواعل التي يشملها هذا التصعيد، وهم "إسرائيل" وإيران وحزب الله.
ويوضح شعبان في حديثه لـ"عربي21"، أن روسيا موجودة في الجغرافيا السورية وقد تم ضرب مواقع عسكرية بالقرب من قاعدة حميميم على الساحل السوري حيث تتواجد القوات الروسية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هناك تصريحات من الجانب التركي تتحدث عن خطورة التقدم الإسرائيلي، وأنباء متداولة حول عملية عسكرية مرتقبة ضد النظام السوري من قبل المعارضة، وفقا للباحث السوري.
ويلفت شعبان إلى أن روسيا أرادت في ظل هذا المشهد الإقليمي، أن توجه رسالة واضحة مفادها أنها "لا تزال قوة عسكرية أساسية في المنطقة والاتفاقيات التي أبرمتها مع أي جهة لا تزال سارية، بهدف التأكيد على أن عدم وجودها على الساحة لا يعني اختفاءها".
و"ارتأت موسكو أن تكون هذه الرسالة عبر إظهار قوة عسكرية ضد فئة مدنية"، وفقا للباحث في مركز حرمون.
ويُرجع شعبان اختيار روسيا للخيار العسكري إلى سببين اثنين، أولهما التأكيد على قوتها العسكرية، الثاني التأكيد على قدرتها على استهداف المدنيين "دون أن يكون هناك أي رادع في وجهها يحول دون ذلك أو أي نوع من أنواع المساءلة".
وتعد محافظة إدلب منضوية ضمن اتفاقية خفض التصعيد، التي وقعتها ما يعرف بالدول الضامنة، وهي روسيا وإيران وتركيا، في الدورة السادسة من مسار أستانا في أيلول /سبتمبر عام 2017، والتي هدفت إلى وقف المواجهات العسكرية بين المعارضة والنظام السوري وجعل محافظة إدلب ملاذا للنازحين من بطش النظام، وهو ما يحد كذلك من موجات اللجوء إلى تركيا.
ولم توقف هذه الاتفاقية التي صنفت إدلب منطقة خفض التصعيد الرابعة، هجمات وتوغلات النظام في المنطقة، وهو ما دفع إلى توقيع اتفاقيات أخرى خلال السنوات اللاحقة بين كل من تركيا وروسيا، اللتين تعتبران حجر الأساس في الوضع القائم في مناطق شمال غربي سوريا منذ سنوات طويلة.
مساع لتغيير الوضع السائد
ويرى الباحث في العلاقات الدولية محمود علوش أن "هذا التصعيد مصمم في جانب للضغط على تركيا وفي جانب آخر لمحاولة تغيير الوضع القائم على الأرض"، مشيرا إلى أنه "عادة ما يلجأ الروسي إلى مثل هذا التصعيد للضغط على أنقرة إن في الملف السوري أو في قضايا أخرى".
ويضيف في حديثه لـ"عربي21"، أن "روسيا هي لاعب رئيسي في المشهد السوري وهي حريصة على إظهار أنها تتحكم بدينامكيات المشهد لا سيما في الشمال".
بالطبع، هذا التصعيد يتقاطع مع التحشيد العسكري للنظام في المنطقة، حيث يحاول الروس الاستفادة من هذا الوضع القائم في المنطقة لمحاولة تغيير الستاتيكو في الشمال السوري، بحسب علوش.
وتداولت الأوساط المحلية خلال الآونة الأخيرة أنباء حول عملية عسكرية مرتقبة لفصائل المعارضة السورية في شمال غرب البلاد ضد نظام بشار الأسد، بالتزامن مع حالة الانشغال التي تعيشها المنطقة وحلفاء بشار الأسد بالحرب الإسرائيلية على لبنان، في حين كشفت وسائل إعلام مقربة من النظام أن هذا الأخير حشد قواته على جبهات القتال مع المعارضة.
وبين النفي والتأكيد المتداول في المنصات المحلية، يبدو أن الحذر والترقب للتطورات المتسارعة في المنطقة هو العنصر السائد على المشهد في شمال سوريا المكتظ بملايين النازحين، الذين طردوا من منازلهم واضطروا إلى النزوح إلى المناطق الخاضعة تحت نفوذ المعارضة.
وفي هذا الإطار، يوضح علوش أن "روسيا تستخدم هذا التصعيد بشكل أساسي من أجل الضغط على تركيا ولمحاولة تغيير الوضع القائم لأن هذا الوضع لم يكن لمصلحة النظام السوري وروسيا، بل كان لمصلحة تركيا في جانب وهيئة تحرير الشام في جانب آخر".
وبالتالي، فإن هناك مصلحة روسية في محاولة تغيير هذا الوضع، كما يقول الباحث.
ويستدرك علوش بالإشارة إلى أن محاولة فرض واقع جديد في شمال غربي سوريا سيزيد من الضغط على العلاقات التركية الروسية في فترة حرجة للغاية تمر بها هذه العلاقة.
ويشير إلى وجود حاجة لدى كل من أنقرة وموسكو للحفاظ على إدارة الوضع في سوريا بشكل تفاهمي وتجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تصعيد التوترات بين الجانبين.
ووفقا لتقدير علوش، فإن "الحفاظ على الاستقرار في منطقة خفض التصعيد الرابعة يشكل مصلحة لجميع الأطراف بما في ذلك روسيا، لكن الأمر يتوقف الآن على كيفية مقاربة موسكو للاستفادة من التصعيد في إطار الضغط على تركيا".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!