محمود عثمان - خاص ترك برس
يبدو أن المباحثات التي شهدتها العاصمة التركية أنقرة واستغرقت يومين كاملين بين الوفد الأمريكي برئاسة ممثل الرئيس باراك أوباما لشؤون محاربة تنظيم داعش "جون ألين"، والوفد التركي الذي ترأسه مستشار وزارة الخارجية التركية "فريدون سينيرلي أوغلو"، وعقدت في مقر قيادة الأركان لم تكن اجتماعات تكنيكية روتينية اعتيادية، ولم تتوج ببيان ختامي يركز على "الشراكة النموذجية" كما جرت العادة. بل كانت عميقة وصعبة ومعقدة، دليل ذلك استمرار الاجتماع يومين كاملين، وتشكيلة الوفد الأمريكي الذي ترأسه ممثل الرئيس مباشرة وليس أحد دبلوماسيي الخارجية، وكذلك مكان إجراء المباحثات في مقر قيادة الأركان. كل ذلك يشير إلى أن المباحثات تناولت قضايا استراتيجية بالغة الأهمية والتعقيد.
ولفهم فحوى تلك المباحثات لا بد من قراءة التصريحات الأخيرة لكل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما بخصوص الحرب على تنظيم داعش، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي طلب من نظام الأسد بأن يكون جزءا من حلف استراتيجي لمحاربة تنظيم داعش يضم إلى جانب روسيا كلا من تركيا والسعودية والأردن! قراءة مقارنة دقيقة من منظور استراتيجي بعيد المدى . إذ بات من المؤكد أن مصطلح الحرب على تنظيم داعش إنما هو غطاء لحسابات جيوسياسية وطبخات استراتيجية لا علاقة لها بتنظيم داعش من قريب أو بعيد، بل يستخدم فيها التنظيم شماعة وغطاء لعملية إعادة التموضع الجيو استراتيجي والجيوسياسي، أو بتعبير أدق إعادة ترسيم المنطقة وتقسيمها وفق معطيات جديدة.
من هنا ندرك أن الوقت والصبر الذي طلبه الرئيس أوباما في تصريحه الأخير ما هو إلا زمن إضافي يحتاجه في عملية إعادة توزيع الأحجار والأدوار على رقعة الشطرنج من جديد من خلال طبخة سياسية لا زال الأمريكان يمتنعون عن التصريح بها ولا يعلم أحد حقيقتها على وجه التحديد، لأن الأمريكان لديهم مقدرة فائقة على التمويه والمراوغة، وخلق الشيء ونقيضه بنفس الوقت. أما السخرية والانتقادات اللاذعة من صقور الكونغرس وعلى رأسهم السناتور جون ماكين فما هي في الواقع إلا جزء من اللعبة السياسية الأمركية الداخلية من أجل كسب نقاط لحساب فريقه الحزب الجمهوري.
ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعلم حق اليقين أن بشار الأسد انتهى عسكريا وسياسيا، وانتهت مدة صلاحيته حتى طائفته التي شكلت على الدوام خزانا بشريا بالنسبة له باتت على شفير الانفجار. فقد تواترت الأخبار عن انتشار حالة من التذمر والعصيان جراء حجم الضحايا الهائل الذي تكبدته الطائفة، إذ تشير الإحصاءات أن ثلث الرجال القادرين على حمل السلاح قد قتلوا في المعارك الدائرة على مدار أربعة أعوام ونصف .
رد وزير خارجية الأسد وليد المعلم على طلب بوتين وإن جاء بلغة دبلوماسية إلا أنه لا يخفي حالة الدهشة والذهول عندما قال: "أعرف أن روسيا بلد يصنع المعجزات لكن أن نتحالف مع السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة فهذا أمر يتطلب معجزة كبيرة جدًا".
واضح أن وليد المعلم يريد توضيحات أكثر من الروس عما إذا كانوا جادين في البحث عن بديل لبشار الأسد، حيث يفهم بوضوح أن الحلف الذي يريده بوتين لا يمكن أن يضم سورية بقيادة بشار الأسد. فهل بوتين جاد هذه المرة؟ أم أنها مجرد مناورة ضد الغرب وبالون اختبار كان بوتين قد استخدمه مرارا؟.
إذا نحن أمام حالة إرهاب بات المجتمع الدولي وفي مقدمته أمريكا وروسيا يضعها في المرتبة الأولى من أولوياته. لكن هذا الإرهاب يتجلى على شكل نسختين من تنظيم داعش. هناك داعش نسخة أمريكية وداعش نسخة روسية. النسخة الأولى لداعش ترمي أمريكا من خلالها رسم الخارطة السياسية للمنطقة من جديد وتحاول إدارة أوباما تسويقها تحت غطاء الحرب على الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، ونسخة ثانية روسية يبدي من خلالها الروس استعدادهم للمقايضة السياسية وتقاسم مناطق النفوذ. على سبيل المثال مقايضة ايران التي انحازت إلى المعسكر الغربي الأمريكي بالسعودية وتركيا الدولتين اللتين تملكان القوة الاقتصادية والوزن الاقليمي الأكبر والأهم في المنطقة. والروس كما الأمريكان يريدون تحقيق ذلك تحت غطاء محاربة الإرهاب المتقمص بتنظيم داعش.
لكن اللافت للانتباه أن الروس والأمريكان وبقية القوى الاقليمية التابعة لهذا أو ذاك يتقاسمون مناطق النفوذ دون قتال وحرب ساخنة أو حتى باردة هذه المرة.
يبقى السؤال الأهم بالنسبة للمغلوبين على أمرهم: متى وكيف ستنتهي هذه الطبخة؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس