بلال سلايمة - خاص ترك برس
تشكل سيناريوهات الائتلاف الحكومي المادة الرئيسية على طاولة السياسة التركية في هذه الأيام. فبعد انتخاب رئيس مجلس النواب وتشكيل ديوان رئاسة المجلس، يُنتظر أن يقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتكليف رئيس حزب العدالة والتنمية أحمد داود أوغلو بتشكيل الحكومة، لتبدأ بعدها اللقاءات والمفاوضات الرسمية بين مختلف الفرقاء السياسيين.
وعلى الرغم من وجود خيارات عديدة لشكيل الإئتلاف الحكومي -نظرياً على الأقل-، إلا أن المعطيات السياسية ترجح خيارين اثنين؛ تحالف "حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري" وتحالف "حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية" (فيما يبدو تحالف "حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعوب الديمقراطي" الخيار الأقل حظاً)، لكنّ كلا الخيارين المرجّحين ضررهما أكبر من نفعهما بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.
الائتلاف الحكومي سيعني توافق الأحزاب على برنامج سياسي يمثل الحد الأدنى أو نقاط التوافق، مما يعني أن حزب العدالة والتنمية سيضطر للتراجع عن عدد من سياساته التي ساهمت في وصول الحزب إلى ما وصل إليه سواءًا على صعيد السياسة الخارجية أم الداخلية، كما أنّ تبعات التحالف لن تتوقف على سياسات الحكومة المقبلة فحسب، بل ستتعدى ذلك لتترك أثراً على الناخب التركي وتحديداً الشريحة الناخبة لحزب العدالة والتنمية، كما على صورة الحزب السياسية كحزب وسطي يمثل الكل التركي وعلى سعيه للانفتاح على قضايا الأمة.
فتحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الحركة القومية (ذو التوجه اليميني القومي-التركي) سيكون له تأثيرٌ سلبيٌ على الشريحة الناخبة الكردية، فالحزب أصلاً يعيش أسوء أيامه مع هذه الشريحة منذ تأسيسه، حيث أدى تراجع ثقة الأكراد بالحزب في الانتخابات الأخيرة لفقدانه الغالبية البرلمانية، وعلى الحزب أن يسعى في الفترة القادمة لاسترجاع ثقة الناخب الكردي لا تعميق الفجوة بينه وبين الحزب. كما أن مشاركة حزب الحركة القومية في الحكومة (حتى وإن كان من خلال تحالف) قد يضع حداً لعملية السلام مع الأكراد التي قادتها حكومة العدالة والتنمية، والتي تعتبر أحد أهم أرصدة الحزب ونجاحاته على الصعيد الداخلي.
على الطرف الآخر يبدو تحالف العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري خياراً أمثل بالنظر لموقف الحزب من عملية السلام مع الأكراد، إلا أن حزب الشعب الجمهوري بما يمثله من امتداد للفكر الكمالي الأتاتوركي يمثل النقيض الذي بنى حزب العدالة والتنمية صورته عليها منذ تأسيسه، فحزب العدالة والتنمية ما انفكّ يهاجم القيم الكمالية والسياسات التي تولدت عنها، وتحديداً في مجال الحريات العامة والدينية، ويؤكد سعيه لبناء "تركيا الجديدة" التي لا ترتبط بإرث الأتاتوركية وحزب الشعب الجمهوري. ومن المؤكد أن الشريحة المحافظة لا تريد أن ترى حزب العدالة والتنمية بما يمثله من صوت الإسلاميين في تركيا واضعاً يده مع حزب الشعب الجمهوري الذي طالما اعتبر خصمهم السياسي منذ تأسيس الجمهورية.
كما أن السياسة الخارجية التركية ستتأثر سلباً من هكذا تحالف، خاصة السياسة التركية تجاه دول الربيع العربي وقضايا الأمة، حيث أكد حزب الشعب الجمهوري (الذي يرى في تركيا جزءًا من المنظومة الغربية لا دولةً شرق أوسطية) على عزمه إعادة النظر في السياسة الخارجية التركية بل وتغييرها، حتى أنه توعّد بإعادة اللاجئين السوريين في حال فوزه.
من الواضح أن حكومة ائتلافية -أياً كان شكلها- ستؤثر سلباً على حزب العدالة والتنمية وعلى مسيرة التغيير في تركيا، فالحزب قد بنى نجاحاته ورسم صورة مشرقة لتركيا الجديدة خلال أكثر من اثني عشر سنةً قاد فيها دفة الحكومة في تركيا منفرداً. وأي مشاركةٍ في الحكم ستعني بالضرورة تباطؤ عجلة التغيير التي قادها الحزب حتى الآن، فضلاً عن أن التحالف مع أي طرفٍ سيدخل الحزب في دوامة التجاذبات الأيديولوجية أو القومية، الأمر الذي سعى الحزب منذ تأسيسه للابتعاد عنه وتأكيده على أنه حزب الكل التركي بكل توجهاته.
أمام هذا المشهد تبدو الانتخابات المبكرة حلّاً وحيداً للحزب للخروج من هذه الدوّامة، لعلّ الناخب الذي زجّ بالحزب في هذا المشهد المعقد يعيده للسلطة منفرداً من جديد. لكن حتى ذلك الحين وحتى لا تكون الانتخابات المبكرة تكراراً للمشهد الحالي، على الحزب أن يقنع الناخب التركي بأنه قد بذل جهده وطرق كافة الأبواب الممكنة لتشكيل الحكومة، كما عليه أن يسعى بشكلٍ جاد لكسب ودّ الشريحة الناخبة، وتحديداً التي ابتعدت عنه في الانتخابات الأخيرة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس