ترك برس
استعرض الكاتب والخبير التركي نيدرت إيرسانال، تحليلا للقرار الذي اتخذه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن، بعد فقدانه قدراته وسلطته، بمنح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الإذن باستخدام صواريخ ATACMS لضرب "العمق الروسي" في لحظاته الأخيرة.
وأشار إيرسانال في تقرير بصحيفة يني شفق إلى أن قرار بايدن جاء بالتزامن مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعديل بلاده "عقيدة استخدام الأسلحة النووية"، وأعقب ذلك إطلاق كييف ستة صواريخ ضد روسيا في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، الأمر الذي "يعكس بوضوح حالة العالم المتأرجح على حافة الهاوية".
وكما هو معروف، كانت موسكو قد أعلنت مسبقًا وبشكل صريح أن مثل هذا التطور سيؤدي إلى فتح الصوامع النووية، واصفة ذلك بأنه "خط أحمر".
ويرى الكاتب التركي أنه ليس من المجدي فقط النظر إلى الخطر المحتمل، بل من المفيد أيضًا تحليل الأسباب التي دفعت إدارة بايدن إلى اتخاذ هذا القرار في هذا التوقيت بالذات. ففي الوقت الحالي، تتزايد التوقعات الكارثية بشأن ما سيحدث في ظل إدارة ترامب، بما في ذلك سيناريوهات حرب شاملة. وفي عهد بايدن، شهدنا سفك دماء نحو 600 ألف شخص، نتيجة للحرب في أوكرانيا والإبادة الجماعية في غزة التي يقدر عدد ضحاياها بأعداد أكبر بكثير.
وأوضح أن السبب الرئيسي وراء قرار بايدن هذا هو سياسته الرامية إلى إطالة أمد الحرب في أوكرانيا. ولكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد. فقبل الانتخابات، اتخذ بايدن بعض الخطوات السياسية وجدد حزم المساعدات المالية لكسب تأييد الدول الأوروبية، وذلك بهدف إحباط أي محاولة لترامب للعودة إلى السلطة.
وتابع التقرير:
لا شك في أن بريطانيا ساهمت أيضًا في قرار إطلاق الصواريخ للحفاظ على استمرار الحرب، ويمكننا إضافة بعض الدول الأوروبية الأخرى إلى هذه القائمة السوداء.
ولكن الأهمية الحقيقية لهذا القرار من الناحية السياسية تكمن في أنه يكشف إلى أي مدى وصلت "السياسات الديمقراطية والليبرالية" في الغرب والولايات المتحدة إلى الحضيض وغرقت في الوحل. فقد اُتخذ هذا القرار لتقويض فرص إدارة ترامب في التوصل إلى اتفاق مع روسيا ينهي الحرب في أوكرانيا.
ويتضمن القرار أيضاً افتقاراً واضحاً إلى اللباقة السياسية؛ إذ من غير المعتاد أن يتخذ رؤساء الولايات المتحدة قرارات مصيرية وملزمة في الفترة الانتقالية بعد خسارتهم الانتخابات وقبل تسليم السلطة لخلفائهم. هذا السلوك، رغم فجاجته، يبدو أقل أهمية مقارنة بمنح الإذن بضرب روسيا، إلا أننا نكتب هذه الملاحظات على أمل أن تكون درساً لمن اعتادوا التغاضي عن مثل هذه التصرفات المشينة التي أصبحت طابعاً لصيقاً بالإدارات الأمريكية على مر الزمن.
إذا طالت السهام بائعيها..
ولا يمكننا إغفال تعليق الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، والذي قال فيه:
"لقد قلت مرارًا إن الأوكرانيين يجب أن يستخدموا الأسلحة التي قدمناها لهم ليس فقط لصد السهام، بل لضرب الرماة أيضًا. وما زلت أعتقد أن هذا هو ما يجب القيام به."
أليس هذا منطقياً جداً؟
ولكن، ألا ينبغي إذا ضرب "من يقدمون السهام"؟
هذا هو جوهر رد الروس. فالفساد الغربي يؤدي في نهاية المطاف إلى هذا المسار.
إن اتصال المستشار الألماني بالرئيس بوتين بعد فترة طويلة من القطيعة يعكس واقععالم ترامب الجديد. ورغم أن برلين لم تسمح باستخدام صواريخ "توروس" التي منحتها لأوكرانيا لاستهداف الداخل الروسي، إلا أنها تستعد الآن لتزويد كييف بأربعة آلاف طائرة مسيرة مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مما يعني الوصول إلى عمق 30-40 كيلومتراً. هذا هو الوضع على أرض الواقع، لكنه على الورق لا يعني سوى المزيد من إنفاق الأموال .
السعي وراء الحرب العالمية الثالثة
في الوقت الذي يُنتظر فيه نهاية الحرب، وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس المنتخب ترامب وفريقه عن نيتهم السعي لتحقيق السلام في أوكرانيا في أقرب وقت ممكن، فإن منح الإذن باستهداف دولة تمتلك أسلحة نووية، أعلنت صراحة عن حزمها في استخدامها يجب أن يُعتبر جريمة بموجب القانون الدولي.
الرجال المجهولون
إننا ندرك أن هذا التمني لن يتحقق، ولكن السبب في ذلك يعود إلى نفس الأشخاص. فقد وصف دونالد ترامب الابن الوضع بدقة قائلاً: " السياسة الخارجية الأمريكية حالياً، تُدار من قبل رجال مجهولين، يسعون لإشعال الحرب العالمية الثالثة قبل أن يغادروا البيت الأبيض."
هناك أيضًا خلافات بين فريق ترامب في هذا الصدد. مثال على ذلك أفغانستان. مؤيدو أمريكا لدينا لا يحبون هذا المثال على الإطلاق. لكننا نتذكر جيدًا؛ فهل يمكن نسيان صور هروب جيش ضعيف وسقوط الأشخاص من الطائرات أو رميهم منها؟ كان المشهد مشابهًا لما حدث في فيتنام.
وسبب عدم طرحنا لهذا الموضوع هو أن الأخبار أفادت بأن فريق ترامب كان يعمل على تحديد المسؤولين العسكريين عن الهزيمة ـ سواء كانوا في الخدمة أم لا ـ وإحالتهم إلى المحاكم العسكرية للمحاكمة.
بعض هؤلاء كانوا من "الرجال المجهولين". فـأفغانستان كانت حربًا خاسرة، شهدت فسادًا واسعًا ومذهلاً، حيث سرقت أموال طائلة لا يمكن تقديرها، فهنالك حديث عن عشرات المليارات من الدولارات. حتى أن هناك تقارير تفيد بإنشاء وحدات عسكرية وهمية وتخصيص ميزانيات لها!
والأمر نفسه، بل أسوأ، ينطبق على أوكرانيا. وإذا أتم ترامب فترته الرئاسية، فقد يتم إنشاء محاكم عسكرية هناك أيضًا، ويمكن أن يوضع "الرجال المجهولون" في قفص الاتهام بغض النظر عن رتبهم أو مناصبهم. وقد تمتد العقوبات إلى دول أخرى، بما في ذلك بريطانيا، وقد يصل الأمر إلى الناتو. أي أن هؤلاء "الأشخاص المجهولين" يضغطون بشدة على البيت الأبيض لشن هجمات صاروخية على روسيا خوفاً من العواقب.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!