ترك برس
رأت الكاتبة والباحثة المصرية صالحة علام، أن الشخصيات التي عهد إليها الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بمهام ترتبط بملفات الشرق الأوسط داخل تشكيلة إدارته الجديدة أصاب تركيا بخيبة أمل كبيرة، وجعل بعض منتسبي قيادتها السياسية، ومحلليها العسكريين والاستراتيجيين يدقون ناقوس الخطر.
وأوضحت علام أن من بين هذا الشخصيات "مَن هو معروف بعدائه الشديد لتركيا مقابل علاقاته الوثيقة باليونان، ومنهم من لا يخفي كراهيته لسياسات وقرارات الرئيس أردوغان شخصيا، إلى جانب من يصرح بتعاطفه الشديد مع المسألة الكردية عموما، ولا يخفي دعمه للتنظيمات المسلحة الممثلة في وحدات حماية الشعب والعمال الكردستاني، ومنهم من يعلن صراحة دعمه المطلق لإسرائيل وأهدافها التوسعية في المنطقة تحت زعم “حقها في الدفاع عن نفسه".
وقالت الكاتبة في مقال نشره موقع الجزيرة مباشر إن اختيار هذه الشخصيات من جانب ترامب حمل العديد من الرسائل التي يجب على أنقرة دراستها بكل دقة، لوضع استراتيجية حذرة تمنحها القدرة على المناورة والتفاوض.
وفيما يلي نص المقال:
في أعقاب إعلان فوز رونالد ترامب مجددا برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية للسنوات الأربع المقبلة، توالت الردود من جانب رموز المجتمع التركي السياسية والحزبية على حد سواء، وغلب عليها طابع الإيجابية والتفاؤل، وساد شعور عام بإمكانية حصول أنقرة على تقدير أكبر لدورها الاستراتيجي والحيوي الذي تؤديه في المنطقة، وقدرتها على التواصل مع جميع الفرقاء على الساحة الإقليمية الممتدة من الشرق الأوسط إلى غرب آسيا، وما يمكن أن يؤمنه ذلك من مساعدات إيجابية فعالة لخطط واشنطن الرامية لتهدئة الوضع المشتعل على مختلف الجبهات بدءا من الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، ووصولا إلى التوترات في بحر الصين الجنوبي من جهة، والخلافات المتصاعدة بين بيجين وتايبيه من جهة أخرى.
في المقابل علق الكثيرون منهم آمالا عريضة على قرارات الإدارة الجديدة المرتبطة تحديدا بالوضع في سوريا، وتزايدت احتمالات ترجيح قيام ترامب شخصيا باتخاذ قرار يقضي بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، والحد من دعم واشنطن العسكري لوحدات حماية الشعب (قسد)، ومنح تركيا المزيد من حرية الحركة لتنفيذ خطتها الرامية لتوسيع حجم المنطقة الآمنة من 20 كيلومترا مربعا إلى 30 أو 40 كيلومترا مربعا داخل الأراضي السورية.
بما يضمن لها تحقيق رغبتها في القضاء على العناصر الكردية المسلحة الممثلة في قوات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، التي يندرج تحتها عناصر من حزب العمال الكردستاني المصنف من جانب تركيا والاتحاد الأوربي، وبريطانيا، والولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية، ويزيد من قدرتها على استيعاب أعداد أكبر من اللاجئين سواء من الموجودين على أراضيها، أو من هؤلاء المحتمل رحيلهم عن أراضيهم من جراء الضربات الإسرائيلية على كل من لبنان وسوريا.
لكن الإعلان رسميا في الأيام الماضية عن أسماء عدد من الشخصيات التي عهد إليها ترامب بمهام ترتبط بملفات الشرق الأوسط داخل تشكيلة إدارته الجديدة أصاب تركيا بخيبة أمل كبيرة، وجعل بعض منتسبي قيادتها السياسية، ومحلليها العسكريين والاستراتيجيين يدقون ناقوس الخطر، ويطالبون القيادة السياسية بضرورة توخي الحذر، وعدم الإفراط في التفاؤل اتجاه هذه الإدارة وفق تركيبتها التي أصبحت شبه متكاملة، لما تمثله من وضع شائك سيكون عقبة -على الأرجح- في طريق تحقيق تركيا لأهدافها.
فمنهم من هو معروف بعدائه الشديد لتركيا مقابل علاقاته الوثيقة باليونان، ومنهم من لا يخفي كراهيته لسياسات وقرارات الرئيس أردوغان شخصيا، إلى جانب من يصرح بتعاطفه الشديد مع المسألة الكردية عموما، ولا يخفي دعمه للتنظيمات المسلحة الممثلة في وحدات حماية الشعب والعمال الكردستاني، ومنهم من يعلن صراحة دعمه المطلق لإسرائيل وأهدافها التوسعية في المنطقة تحت زعم “حقها في الدفاع عن نفسها”.
اختيار هذه الشخصيات من جانب ترامب حمل العديد من الرسائل التي يجب على أنقرة دراستها بكل دقة، لوضع استراتيجية حذرة تمنحها القدرة على المناورة والتفاوض بشأن ما يعنيها من ملفات في أثناء تعاملاتها المستقبلية مع ساكن البيت الأبيض الجديد وإدارته في هذه الحقبة الحساسة من تاريخ المنطقة والعالم أجمع.
أولى هذه الرسائل أن مخاوف أنقرة المرتبطة بتغيير خريطة الشرق الأوسط وفق الرؤية الصهيونية، واحتمال أن ينعكس ذلك التوجه بالسلب على وحدة أراضيها، وفقد جزء منها لمصلحة المشروع الصهيوني أصبح أمرا محتملا إذا ما تم الأخذ في الاعتبار بتصريحات ترامب خلال حملته الانتخابية حول رؤيته لمساحة إسرائيل على الخريطة، ومدى صغرها، ورغبته في زيادتها وتوسيع حجمها.
ثانيتها أن الرهان على تاريخ العلاقات الاستراتيجية الذي طالما ربط بين أنقرة وواشنطن في مرحلة الحرب الباردة وما تلاها أصبح أمرا من الماضي، لا ينبغي الإصرار عليه، أو التمسك به، أو بناء فرضيات على أساسه فيما يرتبط بحقيقة العلاقات التركية الأمريكية ومغزاها سواء في الوقت الراهن أو في المستقبل، بعد أن وجدت واشنطن في توطيد علاقاتها السياسية والعسكرية والاستراتيجية باليونان البديل المناسب لها، الذي يمكن الاعتماد عليه، وأن يحل محل أنقرة لخدمة مصالحها في المنطقة.
ثالثتها أن ما يمكن أن يقدمه ترامب وإدارته في ولايته الثانية لتركيا لن يصل مهما بلغ إلى ما هو متوقع أو منتظر، وأن القليل الذي يمكن أن تحظى به لن يكون سهل المنال، ولن يحقق لها جميع تطلعاتها حتى وإن كان هناك نوع من التقارب في وجهات النظر بين ترامب وأردوغان حول بعض القضايا كما يرى البعض أو يفترض ذلك.
وفي محاولة من جانب تركيا لتأمين موقفها، ورفع قدراتها في مواجهة التحديات والعقبات التي يمكن أن تعرقل مسيرتها، وتقف حجر عثرة في وجه خططها من جانب فريق إدارة ترامب، اتخذت تركيا عددا من الخطوات الاحترازية، وأعلنت بكل وضوح مواقفها السياسية الثابتة، ورؤيتها بشأن العديد من قضايا المنطقة.
إذ كثفت من عدد عملياتها العسكرية في كل من شمال العراق، وشمال شرق سوريا، ووجهت ضرباتها ضد البنية التحتية، ومصادر التمويل الذي تعتمد عليها العناصر الكردية المسلحة في البقاء، وفرض سيطرتها على هذه المناطق، في رسالة مفادها أن أنقرة لن تفسح المجال بأي حال من الأحوال أمام إقامة كيان كردي منفصل عن الدولة السورية على حدودها حتى وإن كان ذلك بدعم من الولايات المتحدة نفسها.
كما أعلنت رغبتها في أن تكون عضوًا كامل العضوية في تجمع بريكس الذي يضم روسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا، وإيران، ومصر، والإمارات، والبرازيل، وإثيوبيا، وهو ما وجد قبولا لدى المجموعة التي عرضت مبدئيا القبول بها عضوًا شريكًا، وهو ما تقوم القيادة السياسية التركية بدراسته حاليا لإعلان موقفها النهائي منه، وقد جاء ذلك سعيًا لتحقيق رغبتها في إقامة علاقات متوازنة بين الشرق والغرب، على الرغم مطالبات البعض برفض المقترح في إطار إبراز حسن النيات اتجاه ترامب وإدارته الجديدة.
أما فيما يخص انهيار علاقات تركيا بإسرائيل، فأعلن الرئيس أردوغان بوضوح ألا نية لديه لتطوير علاقات بلاده بدولة الاحتلال، أو العمل على استعادة زهوها مجددا، في رسالة توضح استمرار نهجه المناهض للكيان الإسرائيلي، وعزمه على المضي قدما في سياسة ملاحقته دوليا؛ مما يزيد من احتمال حدوث صدام بين توجهات القيادة السياسية التركية والإدارة الأمريكية في مرحلة من المراحل المقبلة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!