ترك برس

في ظل التحديات الاقتصادية التي شهدتها تركيا خلال السنوات الأخيرة، أصبح التضخم أحد أبرز القضايا التي تؤثر على حياة المواطنين والاقتصاد بشكل عام. ومع ارتفاع الأسعار وتزايد الضغوط على القدرة الشرائية، تتبنى الحكومة التركية سلسلة من السياسات الاقتصادية الجريئة التي تهدف إلى كبح التضخم وتحقيق الاستقرار المالي.

وتشمل هذه السياسات ضبط أسعار الفائدة، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتوجيه الدعم للقطاعات الحيوية. وفي هذا السياق، يشير الخبراء إلى أن الطريق نحو الاستقرار ليس مفروشًا بالورود، إذ يتطلب الأمر توازنًا دقيقًا بين السياسات النقدية والمالية، فضلاً عن قدرة الحكومة على مواجهة التحديات العالمية والإقليمية.

وانطلق برنامج مكافحة التضخم في تركيا، بقيادة وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، مطلع عام 2024. ورغم تعرضه لحملة انتقادات واسعة من بعض الأطراف، إلا أنه استمر في مساره. 

ويرى الكاتب والخبير الاقتصادي التركي محمد عاكف صويصال، أنه ليس من العدل أن نقول إن البرنامج فشل في هذه الفترة، فإن تحقيق تركيا للاستقرار المالي وتدفق السيولة النقدية، وهما من أهم الأسلحة في عالم يشهد فترة من عدم الاستقرار، أمر بالغ الأهمية بحد ذاته. ولا يمكننا معرفة تفاصيل ما هو مخطط له في جميع هذه المجالات، ولكن هناك تطورات سريعة وإيجابية فاقت توقعات الأوساط الاقتصادية والرأي العام.

وأشار صويصال، في مقال بصحيفة يني شفق، إلى أن قيمة هذا الإنجاز تكمن في أنه قد تم تأمين الموارد المالية اللازمة لمجموعة من الاحتياجات الأساسية، بدءًا من النفقات العسكرية التي قد تكون ضرورية في أي صراع محتمل وصولًا إلى استيراد المواد الخام والسلع الوسيطة الضرورية لضمان سير العملية الاقتصادية، وهو ما يعد مسألة أمنية جوهرية.

أما من يتساءل عما أعنيه بـ "الصراع المحتمل"، فإن تركيا لا يمكن أن تظل غير مبالية بالتطورات في شمال سوريا. استمرار حالة الحرب على حدودنا الشمالية هذا الأسبوع، خاصة مع توجيه الأسلحة الغربية بعيدة المدى ضد روسيا، قد حول المعادلة رسميًا إلى حرب بين الغرب وروسيا، كما ذكرنا سابقاً. وفي الجنوب، بالإضافة إلى أولئك الذين يتخذون من "الممرات الإرهابية" أداة للنفوذ، أصبحت إسرائيل مع توسع هجومها الذي طال لبنان وسوريا، تشكل تهديدًا إقليميًا رسميًا من جديد. ورغم أننا كنا قد توقعنا نواياهم وخططهم، إلا أنها الآن أصبحت علنية ورسمية. وفقا للكاتب.

وفي هذا السياق، رغم أن هناك تحسن محدود في هدف البرنامج الرئيسي المتمثل في مكافحة التضخم، فقد كان على تركيا اتخاذ هذه الخطوات، حتى من منظور إدارة المخاطر فقط. وقد تم تنفيذ هذه العملية بنجاح. يقول صويصال.

وتابع المقال:

كما ذكرت مرارًا وتكرارًا، فإن التحليلات التي لا تشمل التطورات الاقتصادية الكلية بما في ذلك زلزال فبراير، لا تعدو كونها مجرد أحاديث عبثية أو نوايا سيئة.

في برنامج عام 2024، تم اتخاذ الخطوات المالية اللازمة، ولكن السياسات المالية لم تتمكن من دعمها بالكامل. إذ أدت الزيادة في الإنفاق المالي إلى تأثيرات سياسة نقدية توسعية، مما قلل من فعالية الخطوات المتخذة.

وذلك لأن العبء الأكبر لزلزال فبراير قد وقع على عاتق الدولة. حيث تم إضافة 100 مليار دولار من النفقات الإضافية إلى ميزانية الدولة. وربما تم التنازل عن مبلغ كبير من الضرائب التي يمكن تحصيلها، وكذلك عن إيرادات ضريبية كبيرة كانت متوقعة من عودة الاقتصاد إلى طبيعته.

وقد قدم وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، خلال عرضه لمشروع موازنة عام 2025 أمام البرلمان، ملخصًا لخطة مكافحة التضخم خلال الفترة المقبلة، والتي تتضمن ثلاثة محاور رئيسية وهي:

ــ رؤية التأثير المتأخر للسياسة النقدية على التضخم بشكل أوضح.

ــ انخفاض عجز الميزانية في عام 2025 نتيجة انخفاض نفقات الزلزال، مما يؤدي إلى انخفاض كبير في نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي.

ــ تحقيق التوافق بين الأسعار التي يتم تحديدها من قبل الدولة وأهداف التضخم.

إذا تم اتخاذ الخطوات اللازمة في عام 2025، وأنا على يقين من ذلك، فإن التضخم سيدخل في مرحلة انخفاض سريع.

وبمجرد رؤية هذا التقدم، فإن العائق الأكبر أمام انخفاض التضخم، وهو الصلابة في الأسعار وتراجع توقعات التضخم الأسري، سيتم حله.

أما التنسيق المستمر بين السياسات الاقتصادية والمؤسسات والحكومة في كل شهر، فإنه سيزيد من مصداقية الإجراءات المتخذة، مما يعزز من قيمة وتأثير الكلمات الموجهة إلى الجمهور.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!