ترك برس
تناول تقرير تحليلي للخبير والمحلل السياسي التركي يحيى بستان، المرحلة الانتقالية الهامة التي تشهدها السياسة الأمريكية، مستعرضا تأثيرات هذا التحول على القضايا الإقليمية والدولية، بما في ذلك العلاقات مع تركيا.
وأشار بستان في تقريره بصحيفة يني شفق إلى أن دونالد ترامب أصبح رئيسًا للولايات المتحدة في الخامس من نوفمبر، لكنه لم يتسلم منصبه رسميًا بعد، حيث من المقرر أن ينتقل إلى البيت الأبيض في يناير، وخلال هذه الفترة الانتقالية، ظهرت تطورات مهمة تتعلق بقضيتين كانتا محور الانتخابات الأمريكية على مدار عام - أوكرانيا وإسرائيل - ولهاتين القضيتين أبعاد تمس تركيا أيضًا.
وذكر أن الرئيس الأمريكي جو بايدن أصدر قرارًا يسمح باستخدام الصواريخ الأمريكية على الأراضي الروسية، وهو ما دفع روسيا للرد باستخدام "ورقة النووي". هذا القرار، الذي اتخذ في الأيام الأخيرة لإدارة بايدن، يهدف إلى تقييد خيارات ترامب عند توليه المنصب، لكنه في الوقت ذاته قد يعزز موقف ترامب التفاوضي مع بوتين.
أما قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال بنيامين نتنياهو، المعروف بسياساته الإبادية، فهو أيضًا جزء من "أعمال الفترة الانتقالية"، وهو قرار مفرح بالنسبة لنا. من منظور ترامب، يبدو هذا القرار خطوة استباقية موجهة ضده. وعلى الرغم من أن ترامب قد لا يكون سعيدًا بهذا القرار، إلا أن مصير نتنياهو بات الآن مرهونًا بشكل كبير بسياسات ترامب المقبلة. وفقا للكاتب التركي.
وأضاف بستان: "إذا نظرنا إلى هذين التطورين معًا، فإن النتيجة تبدو واضحة: هناك أطراف تسعى لاتخاذ خطوات تحد من خيارات الرئيس الأمريكي الجديد قبل أن يبدأ ولايته. ورغم أن ترامب قد يستفيد من بعض هذه الخطوات، إلا أنها ترسم في الوقت ذاته إطارًا يحدد سياساته المستقبلية".
وتابع التقرير:
تشمل التحركات الجارية بُعدًا يمس تركيا أيضًا. هناك مجموعة تسعى لبدء العلاقات التركية-الأمريكية (وربما التركية-الروسية) في عهد ترامب بتوترات واضحة. يرتبط جزء من هذه المجموعة بالبيت الأبيض والجزء الآخر بتل أبيب.
في الأيام الأخيرة، ظهرت موجة من المعلومات المغلوطة التي تحمل تأثيرات دولية. من أبرز الأمثلة على ذلك، الادعاء بأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيعلن عن خطة سلام لأوكرانيا خلال قمة مجموعة العشرين. كان هذا الادعاء أول معلومة خاطئة ذات تأثير عالمي. ورد ديمتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، واصفًا خطة السلام بأنها "غير مقبولة". في المقابل، نفت مصادر وزارة الخارجية التركية هذه الادعاءات. يمكننا القول إن تركيا تسعى منذ فترة طويلة لتحقيق السلام في أوكرانيا، لكن الترويج لشيء غير حقيقي أجبر موسكو على إصدار بيان توضيحي. هذه هي النقطة الأولى.
أما النقطة الثانية، فتتمثل في استهداف الإدارة الأمريكية الحالية بالتنسيق مع إسرائيل تركيا، ويبدو أن القضية تتمحور حول حركة حماس. بعد فشل مفاوضات وقف إطلاق النار، أوقفت قطر أنشطتها الوساطة، وظهرت شائعات تفيد بإغلاق مكتب حماس في الدوحة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة تضغط على قطر في هذا الصدد. ومع ذلك، أعلنت وزارة الخارجية القطرية أن المكتب في الدوحة لم يُغلق بشكل دائم (وهذا يعني أنه قد تم إغلاقه مؤقتًا).
التأكيد الغريب في بيان العقوبات
وسط الجدل المستمر، زعمت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن مكتب حماس قد تم نقله إلى تركيا. وفي بيان صادر عن البيت الأبيض، جاء فيه: "سنوجه للحكومة التركية رسالة واضحة بضرورة عدم التعاون مع حماس." من جهتها، أكدت مصادر في وزارة الخارجية التركية أن أعضاء من حماس "يزورون تركيا من حين لآخر -وهذا ليس سرًا- لكن المكتب لم يُنقل إلى تركيا." المشكلة هنا ليست في انتقال المكتب من عدمه، بل في تصوير أمر غير موجود وكأنه حقيقة. الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على قطر بشأن حماس يُظهر أنه محاولة للقضاء على احتمال حل الدولتين. هذه هي النقطة الثانية.
النقطة الثالثة هي بيان العقوبات الأمريكي الغريب. إذ أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية عن فرض عقوبات على أعضاء في حماس، وخصت بالذكر أن ثلاثة منهم يقيمون في تركيا. المثير للاهتمام أن هذه الأسماء كانت قد استقرت في تركيا في عام 2011 بموجب اتفاق تبادل الأسرى مع جلعاد شاليط، وهو اتفاق حصل بموافقة الولايات المتحدة وإسرائيل. الغرابة هنا تكمن في أن الولايات المتحدة تتصرف وكأنها تكتشف أمرًا جديدًا، رغم أنها كانت طرفًا في هذا الاتفاق.
في 19 نوفمبر، زعمت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت)، رونين بار، زار تركيا، وأن النقاشات بين أجهزة الاستخبارات تناولت تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار. عند سؤال مصادري عن صحة هذا الادعاء، كان الرد: "لا معلومات لدينا بهذا الشأن." لكن في اليوم التالي، انتشرت أخبار تفيد بأن "نتنياهو رفض عرضًا لوقف إطلاق النار بوساطة تركية." يبقى السؤال مفتوحًا: هل يعكس هذا الأمر خلافًا بين نتنياهو وأجهزة الأمن الإسرائيلية؟ أم أن الهدف هو تعكير الأجواء وإثارة البلبلة؟
أما فيما يتعلق بالادعاء الآخر، فقد قُتل الحاخام الإسرائيلي المتطرف زفي كوجان في الإمارات العربية المتحدة. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن منفذي الجريمة كانوا أفرادًا أوزبكيين مرتبطين بإيران. كما زعمت التقارير أن المشتبه بهم فروا إلى تركيا لإخفاء صلة إيران بالجريمة. عندما سألت مصادري إذا ما كانت لديهم أي معلومات حول هذا الادعاء، كان الجواب: "لا توجد لدينا أي معلومات." محاولة الزج باسم تركيا في نقاش حول جريمة وقعت في الإمارات يبدو تحركًا مقصودًا ومخططًا له بعناية. ومع ذلك، فإن المخابرات التركية أوضحت بشكل لا لبس فيه، من خلال عملياتها ضد العملاء الإسرائيليين والإيرانيين قبل فترة طويلة من 7 أكتوبر، أنها لن تسمح بتحويل تركيا إلى ساحة للصراعات الاستخباراتية الأجنبية.
تشير هذه التطورات إلى أن هناك جهات تسعى إلى تأسيس "أرضية جديدة" قبل أن تبدأ الإدارة الأمريكية الجديدة عملها. وعلى صعيد تركيا، يبدو أن التحركات الحالية تقتصر على مستوى المعلومات المضللة. لكن يبقى التساؤل: هل سنشهد محاولات أكثر خطورة أو إثارة للجدل؟ من الواضح أننا بحاجة إلى الحذر واليقظة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!